علم نفس الشغب: كيف نفهم ارتكاب الجموع الغاضبة للسلوكيات المدمرة؟

2 دقائق
سيكولوجية الجماهير
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: هل تابعت في أحد الأيام احتجاجات اندلعت في بلد ما واستعجبت من جرأة الحشود على ارتكاب أعنف الجرائم، فدفعك ذلك إلى التساؤل عن الأسباب وراء ذلك؟ يقدم هذا المقال عرضاً مفصلاً للتغيرات التي تطرأ على نفسية الإنسان في الاحتجاجات ويحدثنا عن سيكولوجية الجماهير، والعقلية التي يفكر بها عند ارتكابه الجرائم خلالها.

تندلع بين الحين والآخر مظاهرات وأحداث شغب نتيجة أسباب متباينة، وكانت أبرزها خلال هذا العام موجة الاحتجاجات الفرنسية الناتجة من مقتل المراهق نائل نتيجة إطلاق الشرطة النار عليه في 27 يونيو/ حزيران 2023؛ ما أثار ردود فعل غاضبة من جانب المتظاهرين وصلت إلى حد الاقتحام وسرقة المتاجر وحرق السيارات وغيرها من الأفعال التي ربما أثارت في أذهان الكثيرين تساؤلات حول ما الذي دفعهم إلى التصرف بهذا العنف، وما التسلسل الذي يحدث وفقاً لوجهة نظر علماء النفس حتى يصل الفرد إلى هذه المرحلة المتقدمة من الشغب، وذلك ما سنعرفه في مقالنا.

ما الذي يتغير بين الحشود؟

يمكننا فهم سلوك الحشود بمطالعة الكتاب الشهير "سيكولوجية الجماهير" (The Crowd: A Study of the Popular Mind) لعالم النفس الفرنسي غوستاف لوبون (Gustave Le Bon) الذي يشير فيه إلى أن خاصية الفردية تتلاشى بين الحشود؛ ما يعني أن ذكاء الفرد وشخصيته الفريدة يُلغَيان ليتحولا إلى التفكير بعقلية الجماعة التي تحيطه، ويتوازى ذلك مع شعور الحشود بأنها مجموعات لا تُقهر، فيُقدم الأفارد على فعل أشياء لن يفعلوها إذا ما كان كل منهم بمفرده.

هناك أيضاً تأثير يستجد بين الحشود وهو أنه يمكن التأثير فيها بسهولة، فالعقل الجمعي في هذه الحالة لا يستطيع التفكير إلا في الصور الحية المحيطة به والأفكار البسيطة والمتطرفة؛ أي لا يكون هناك بُعد مستقبلي لتأثير ما سيفعله، فلا مجال لوجود الشخصية الواعية؛ إنما الشخصية التي تتصدر المشهد هي الشخصية اللاواعية بقراراتها المتهورة المندفعة غير المحسوبة.

يرتبط التغير السابق ارتباطاً وثيقاً بأن عواطف الحشود تكون بسيطة ومبالغاً فيها، فالمشاركون في الحشد يرون الأشياء في صورتها الكلية فقط؛ ما يسهّل استثارة عواطفها بالخطابات الرنانة المليئة بالجمل التحفيزية.

أما التغير الأخير فهو أن الحشود تكون متسلطة وغير متسامحة لأنها تتعامل تعاملاً حدياً، فإما أن تقبل الآراء والأفكار بالكامل وإما أن ترفضها بالكامل وتعتبرها من الأكاذيب؛ ما يعني أنها لا تتقبل أي آراء معارضة أو حتى موضوعية أو محايدة.

لماذا يزداد ارتكاب الجرائم بين الجموع الغاضبة؟

يشير الطبيب النفسي المصري، محمد حمودة إلى أن ما يتحكم في الجماهير هما عنصرا البدائية والهمجية اللذان يظهران في الاحتجاجات والمظاهرات بشيوع العنف والسرقات بمجرد غياب الأمن؛ وهو ما يفسر زيادة حدة الجرائم.

وبالعودة إلى كتاب "سيكولوجية الجماهير"، يمكننا فهم ذلك أكثر، فالمشاركون في الأعمال المخالفة للقانون مثل سرقة المتاجر وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، يشعرون بأن وجودهم ضمن مجموعة سيجعلهم يهربون من المساءلة القانونية، فالجماعة التي ينضم إليها الفرد تشكل له غطاءً يتحرك أسفله دون وعي، فكل ما يفعله أعضاء المجموعة يكون بالنسبة إليه مقبولاً؛ ما يجعله يندفع في مشاركتهم السلوك نفسه دون حساب تأثير ذلك في حياته الشخصية أو مستقبله.

ناهيك بأن هناك عنصراً مهماً يفسر الانسياق الجماعي وراء ارتكاب الجرائم العنيفة توضحه أستاذة العدالة الجنائية بجامعة نيفادا الأميركية (University of Nevada)، تامارا دي هيرولد (Tamara D. Herold) ألا وهو التلاعب بالحقائق. فعلى سبيل المثال؛ إذا ألقى شخص ما حجراً لتهشيم الباب الزجاجي لأحد المتاجر، سيعتقد الأشخاص الذين يتبعونه بأنهم سيفلتون من العقاب لأن المذنب الوحيد من وجهة نظرهم هو من ألقى الحجر.

وترى نظريات علم النفس التي تفسر سلوكيات الحشود أن رؤية سلوك الآخرين في التجمعات الاحتجاجية يقود الحشد إلى التصرف بالطريقة نفسها فيما يشبه العدوى السلوكية، وتمتد هذه العدوى أحياناً لتتجاوز الحدود المكانية لنقطة اندلاع التظاهرات، فتصل إلى مدن أو بلدان مجاورة.

أخيراً، من المهم الوعي بأن فهم الجذور النفسية للشغب لا يعني تبريره أو تجاوزه دون محاسبة؛ لكن محاولة علاج أي مشكلة تبدأ بفهم جذورها من أجل إيجاد حلول فعّالة لها، فليس هناك خلاف على أن العنف والتدمير يؤديان إلى نتائج عكسية مضرة بالمجتمعات، وهناك الكثير من الأساليب السليمة التي يمكن من خلالها إيصال وجهات النظر المعارضة دون إيقاع الضرر.

المحتوى محمي