في حين تبدو قرارات شرائنا محكومة في بعض الأحيان باحتياجاتنا، حيث نسعى لاقتناء ما يُشبع رغباتنا في أغلب الأحيان، إلا أنه في بعض الأحيان قد نكون منساقين للشراء وامتلاك أشياء لا نحتاجها حقاً، أو أنها -في حقيقة الأمر- لن تضيف لنا الكثير؛ لكن الطريقة التي قُدِّمت لنا بها جعلت من الصعب تركها، وولّدت بداخلنا رغبة قوية باقتناءها، ما يعني أن عملية التسويق ليست بمعزل عن علم النفس الذي غالباً ما يُوجّه قراراتنا وانفعلاتنا. إذاً ما هو الرابط المشترك بين علم النفس والتسويق؟
علم النفس والتسويق
يُعتَبَر التسويق مصطلحاً شاملاً لأي استراتيجية مستخدَمَة لبناء العلاقات بين المستهلكين والبائعين، والحفاظ عليها. فوفقاً لجمعية التسويق الأميركية (AMA)؛ يُعرّف التسويق بأنه النشاط الخاص بإنشاء عروض ذات قيمة للعملاء، والشركاء، والمجتمع، والتواصل معهم بخصوصها بهدف إرضائهم.
بناء على ذلك؛ يسعى علم النفس التسويقي إلى فهم الطريقة التي يفكّر بها المستهلكون ويشعرون بها ويتخذون القرارات وفقاً لها؛ إن الهدف من التسويق هو إقناع الناس وجذبهم بطريقة عاطفية محسوبة لإبقاءهم عملاء دائمين؛ يتحقق ذلك من خلال الحصول على ميزة تنافسية للتفرّد عن الآخرين.
لقد استفاد التسويق وبحوث السوق كثيراً من علم النفس وأبحاثه المختلفة؛ حيث استفاد الكثير من باحثي السوق -ربما دون دراية- من الأساليب التي يطبقونها المستندة إلى علم النفس، فيمكن العثور على فرص تسويقية مثيرة للاهتمام عند تقاطع الأهداف التنظيمية وعلم النفس البشري، ما يعني أن فهم كيفية عمل العقل البشري يمكّن من اكتشاف فرص لإثارة استجابات عاطفية إيجابية لدى العملاء الحاليين والمُحتَمَلين.
مراحل بناء قرار الشراء لدى المستهلِك
يمر قرار الشراء لدى المستهلِك بخمس مراحل والتي بمعرفتها جيداً يمكن تحسين استهدافه، ورفع مستوى التفاعل الإيجابي معه.
المرحلة الأولى: التعرّف إلى المشكلة
تبدأ رحلة المشتري بإدراكه لوجود حاجة لديه يريد إشباعها؛ يمكن أن تنشأ الحاجة عن طريق المحفِّزات الداخلية، مثل الشعور بصداع ما يستدعي شراء مسكِّن للآلام، أو محفّز خارجي، مثل الرغبة في شراء سيارة للشعور بغيرة من سيارة الجار الجديدة. في كلتا الحالتين؛ تبدأ عملية اتخاذ القرار في اللحظة التي يدرك فيها العميل وجود مشكلة تحتاج إلى حل، فيبدأ في البحث عنه.
المرحلة الثانية: البحث عن المعلومات
تلي المرحلة الأولى من إدراك المشكلة، رغبة العميل في العثور على أفضل حل لها؛ يبدأ البحث عن معلومات، وهي مرحلة مهمة جداً في رحلة المستهلِك للشراء، والتي يؤدي فيها البحث وقراءة التقييمات دوراً في غاية الأهمية؛ ذلك الدليل الاجتماعي له أثر قوي على قرار العميل في اختيار سلعة أو علامة تجارية بعينها دون أخرى.
المرحلة الثالثة: تقييم البدائل
بعد ذلك، يوازن العميل بين الخيارات ويقيّم المنتجات البديلة عند اتخاذ قرار الشراء؛ هو يريد أن يتأكد من أن أمواله تلبّي احتياجاته بأفضل طريقة ممكنة.
المرحلة الرابعة: قرار الشراء
يأتي قرار الشراء الفعلي بعد تقييم البدائل، ويكون هناك نوعان من المعوقات المحتمَلة في هذه المرحلة: الأول، هي ردود الفعل السلبية من العملاء السابقين، والثاني، ظهور ظروف غير متوقَّعة، لا علاقة لها بالنشاط التجاري، ولكنها تمنع إتمام عملية البيع.
المرحلة الخامسة: سلوك ما بعد الشراء
المرحلة الأخيرة من رحلة المستهلِك هي كيف يشعر بعد إتمام عملية الشراء. خلال هذه المرحلة؛ يقارن العميل المنتج أو الخدمة بتوقعاته الأولية؛ هل هو راضِ أم لا؟
ترتبط هذه المرحلة ارتباطاً وثيقاً بالاحتفاظ بالعملاء؛ وفقاً لقاعدة 80/20، فإن 80% من عملك يجلب 20% من عملائك، لذلك، فالاحتفاظ بالعملاء أمر بالغ الأهمية لنموذج الأعمال المستدام، وإرضائهم يجب أن يكون هدفاً رئيسياً.
الاستراتيجيات النفسية التي تؤثر على سلوك المستهلك
أحد المكونات المهمة للتسويق الناجح هو فهم كيف ولماذا يفكر الناس ويتصرفون بطرق معينة، وأن تنبع كل الجهود التسويقية من هذا الفهم. فيما يلي ستة نصائح لتسويق أفضل قائمة على نصائح علم النفس:
- الناس مندفعون، فاستخدام كلمات مثل "القطعة الأخيرة" في المتجر أو "عرض فلاش" سواء كان في المتجر أو من خلال رسائل البريد الإلكتروني، يأتي ذلك بنتائج إيجابية في دفع الناس للشراء؛ إنها طريقة فعّالة في تطبيق التسويق النفسي. لذلك؛ عليك دائماً التفكير في كيفية استخدام الطبيعة المندفعة للناس لتلبية احتياجاتهم وكسب المزيد من العملاء.
- الصورة تساوي 1,000 كلمة؛ حيث يمكن لأدمغتنا معالجة الصور بشكل أسرع ما يمكننا فهم الكلمات المكتوبة. لذلك؛ حاول أن تفكّر جيداً في استخدام العناصر المرئية؛ سيشكل الناس انطباعاً فورياً بناءً على تلك الصور المرئية.
- للألوان تأثير هائل على مزاجنا وعواطفنا؛ إنها تمتلك قدرة عميقة في التأثير على تصوراتنا. لذلك؛ يجب أن تكون على دراية تامة بكيفية استخدام الألوان لتوصيل رسائل متسقة مع أهدافك، فبعض الألوان ترتبط بالثقة وأخرى بالإثارة.
على سبيل المثال؛ يمكن أن يوحي اللون الأبيض بالانتعاش والنظافة، وغالباً ما يُستَخدَم لاستحضار إحساس الشباب، بينما الأسود هو لون قوي ومثير وغامض، وقد يكون هذا هو السبب في أن اللون الأسود هو اللون الأكثر شيوعاً للسيارات الفاخرة. في حين أن اللون الفضي يرتبط بإحساس الابتكار والحداثة، لذلك؛ غالباً ما تكون المنتجات عالية التقنية فضية. كذلك؛ اللون الأحمر هو لون جريء وجاذب للانتباه، لذلك، فهو يوحي بالقوة والثقة.
- القلم أقوى من السيف؛ حيث تثير بعض الكلمات أو العبارات استجابة عاطفية قوية. فكلمات مثل معتَمَد أو أصلي يكون لها انطباعاً قوياً لدى المستهلكين. لذلك؛ فكِّر في المنتجات والخدمات التي تقوم بتسويقها وحاول العثور على الكلمات التي لديها القدرة على إثارة استجابة عاطفية.
- الحصول على مجموعة من الاتفاقيات الصغيرة مع المستهلك لبناء الثقة من خلال إقناعه بقبول الأشياء الصغيرة قبل السعي لتحقيق الفوز بإقناعه بشراء أو استخدام المنتج أو الخدمة الأساسية؛ يخلق ذلك إحساساً بالاتصال مع عملائك. لذلك؛ قد تحتاج للبدء بدفع الجمهور إلى اتخاذ إجراء صغير، مثل مشاهدة مقطع فيديو أو اشترك للحصول على نشرة بريدية، يمكّنك ذلك من بناء الثقة؛ فعملية البيع برمتها هي عبارة عن سلسلة من الاتفاقيات الصغيرة التي تفتح الباب تدريجياً لخطوة تلو الأخرى.
- إن عملية صنع القرارات هي عملية عاطفية، حتى الأشخاص العقلانيين ليسوا محصّنين من ذلك، فنحن نتخذ قراراتنا بناءً على شيئين: ما الذي يلبي احتياجاتنا وما يتوافق مع ما نحن عليه الآن. لذلك، فاستنباط استجابة عاطفية من العملاء المحتَمَلين هو أمر مهم.
إن استخدام علم النفس التسويقي للتأثير في سلوك المستهلِك أصبح ضرورياً، لكنه لن ينجز المهمة وحده؛ لتحقيق أقصى قدر من النجاح، يجب الجمع بين علم النفس التسويقي واستراتيجيات التسويق الأخرى الأكثر ملاءمة لمنتجاتك أو الخدمة التي تقدّمها.