يعيش بعض الأشخاص باحثين عن علاقة الحب ونصفهم الآخر الذي سيكمل نواقصهم ويحقق رغباتهم ويمنح لحياتهم معنىً، فيرسمون في أذهانهم صورةً خيالية لحبهم الموعود.
هل هذا الشخص المناسب لي؟ لمَ لا أقابل الشخص المناسب أبداً؟ وكيف أعرف أنني معجب به؟ هل يحبني بصدق؟
تتمحور حياة الناس العاطفية وأحلام اليقظة التي يعيشونها حول هذه الأسئلة التي ترهق تفكيرهم ويطرحونها باستمرار على بعضهم بعضاً بنوع من الاستجداء العاطفي أحياناً. وكما يروج التجار السلع الوردية أو الحمراء في 14 فبراير/شباط من كل عام ويوجهون أفكارنا حول الحب و"يعلموننا" كيف يجب أن يكون، فقد أصبحت المشاعر نفسها سلعةً نسعى إلى الحصول عليها واستهلاكها. وفي مجتمعنا الحالي حيث يفضل الناس الحلول السريعة والإشباع الفوري للحاجات، والحصول على نتائج مرضية دون بذل جهد، فإننا نحاول تطبيق فكرة "الكسب الفوري" هذه على الحب أيضاً، فقد أصبحت العلاقات تنشأ بسرعة وتنتهي بسرعة، فمن المألوف أن تسمع أحد العاشقين يقول للآخر: "لقد خيبت أملي، لم أعد أحبك، وقلبي لم يعد يرقص فرحاً لرؤيتك، دعنا ننفصل!".
نحن نفضل الشغف على الاستقرار في العلاقة
تقول مختصة التحليل النفسي ماري لوري كولونا: "عندما يخف الشغف وتصل العلاقة إلى حالة من التوازن ينفصل الطرفان بحثاً عن علاقة تؤجج شغفهما مجدداً". يميل الأشخاص الذين يعانون هشاشة نفسية إلى الظن بأن الحب يعني حالة من التأثير المستمر أو حتى الإدمان العاطفي، لذا فإن الناس يسعون اليوم إلى الشغف في العلاقة بدلاً عن الراحة والاستقرار؛ أي أن حالة الاعتماد العاطفي أصبحت مفضلة على العلاقة الصادقة القائمة على التفاهم الحقيقي.
وتسعى مواقع المواعدة إلى ترسيخ هذه السلوكيات الإدمانية لدى الناس بكل الوسائل؛ إذ إنها تشجع دائماً على إيجاد "الشخص الأفضل". ويبدو ذلك واضحاً تماماً في الحملة الإعلانية الأخيرة لموقع ميتيك (Meetic) لخدمات المواعدة عبر الإنترنت؛ إذ جاء فيها: "لا حاجة لتتعرف إلى أول شخص تصادفه، إذا كان الثاني هو المناسب لك". وهي دعوة لتأجيل التعرف إلى الشخص "المناسب" إلى وقت آخر، والسعي وراء الصورة المثالية التي رسمناها في أذهاننا للشخص الذي "خُلق من أجلنا"، متناسين كيف اصطدمت تخيلاتنا العاطفية والحكايات التي نسجناها في أذهاننا فيما سبق، بالواقع.
صورة الشريك المثالي التي لا يمكننا التنازل عنها
في روايته "جمال رباني" (Belle du Seigneu) التي تتحدث عن الصورة المثالية للآخر، يصف ألبرت كوهن مشكلة آريان كما يلي: "لقد عطس زوجها بينما كانا يرتاحان بعد ممارسة الرياضة وكان صوت عطاسه مرعباً جداً بالنسبة إليها".
يقول مختص العلاج الزوجي جينيفيف جيناتي: "ستضطر يوماً ما إلى التخلي عن فكرة العثور على شخص كامل وعن هذه الصورة التي لا تمت إلى الواقع بصلة وإلا فإنك ستظل حبيسها". لذلك فإنه من الضروري أن تدرك حقيقة أن الآخر بشر مثلك، ولديه سمات قد تثير استياءك. ولكن كيف للمرء تقبل ذلك عندما يحلم بالحب المطلق؟ تؤكد المتصوفة أن الحب الصادق الوحيد هو حب الله لنا، وهو الحب الوحيد الذي سيخلصنا من مشاعر الشك والوحدة. وجدير بالذكر أن عواطف المرء تجاه أطفاله تكون أكثر سخاءً في كثير من الأحيان مقارنةً بعواطفه تجاه شريك حياته، فهل يعني ذلك أنه لا وجود لصورة الحب المثالية بين الرجل والمرأة؟
سواء كنا عزّاباً أو حديثي الزواج أو متزوجين منذ فترة طويلة فإننا جميعاً نطمح إلى الحصول على الحب الحقيقي الذي يجعلنا نتآلف مع أنفسنا، ويعطي لحياتنا معنىً. ويوضح مختص التحليل النفسي أومبرتو جاليمبيرتي أن شكل الحب قد تغير تغيراً جذرياً، ولم يعد يشبه الحب الذي عرفه الناس قديماً، فقد أصبح يمثل المساحة التي يمكن للفرد أن يعبر فيها عن نفسه بأريحية، بعيداً عن الأدوار التي فرض عليه المجتمع الحالي تأديتها.
يبحث المرء اليوم عن الحب الذي يكمل نواقصه ويعزز حبه للحياة ويحقق رغباته التي يحلم بها ويقوده نحو السعادة المطلقة؛ لكن هل نحن مستعدون للتضحية بكل شيء آخر في سبيل حب كهذا؟ لا أظن ذلك. ويتابع أومبرتو جاليمبيرتي: "تتكشف الأنا وتمارس حريتها خارج كل القواعد، وتعبر الفردية عن نفسها بصورة مفرطة من خلال الحب فقط". ولا يسعى الرجال والنساء في الحب إلى توطيد العلاقة مع الشريك بقدر ما يسعون إلى تحقيق الذات العميقة التي لا يمكن التعبير عنها بطريقة أخرى.
إذاً فقد أصبح الحب أكثر أهمية لتحقيق الذات وأكثر تعقيداً من أي وقت مضى، فالآخر لم يعد غاية الحب بل وسيلة للتعبير عن النفس من خلاله. ومع ذلك فإن الرغبات والآمال ومحاولة تحقيق الذات هي أمور تتعارض مع مفهوم الحب الحقيقي الذي ينسى فيه كل طرف نفسه ليندمج مع الآخر ويولدا كياناً جديداً من هذا الاندماج، يقوم على الصدق المتبادل، كيان مستقل في حد ذاته وليس مجرد ارتباط بين شخصين. يتطلب الحب الحقيقي صبراً ومثابرة ووضوحاً وتسامحاً وهي أهم الصفات التي يجدر بالمرء تعزيزها في علاقته مع شريك حياته. كما أن الحب الحقيقي يعني ألا توفر جهداً من أجل الطرف الآخر وأن ترد له ما يمنحك إياه أضعافاً مضاعفة.
تطوير الذات وتطوير النظرة إلى علاقة الحب
ترى مؤلفة كتاب "طريق الحب" (La Voie de l’amoureux)، أرونا ليبشيتز أنه لتتمكن من حب الطرف الآخر بطريقة أفضل فيجب أن تعرف نفسك بطريقة أفضل أولاً.
وفقاً لعلم الأعصاب فإن الحب ينشأ بسهولة بسبب تدفق الهرمونات التي تحفز المشاعر إفرازها
وبعد مرور مدة تتراوح بين ثمانية عشر شهراً و ثلاث سنوات، ينتهي الإفراز المكثف لهذه الهرمونات وتنتهي أيضاً رغباتنا الطفولية، وهي المرحلة التي يجب أن تنضج فيها العلاقة ويظهر الحب الحقيقي بين الزوجين، ولتحقيق ذلك من الضروري أن تكون علاقتك بشريك حياتك هي شاغلك الرئيسي ومعيار نجاحك في الحياة وأهم استثمار لديك.
كيف يمكنك تطوير نظرتك إلى العلاقة بالآخر من خلال تطوير الذات؟ تتضمن المرحلة الأولى أن يعمل الفرد على فهم نفسه وتغيير نظرته إلى الحب عبر التخلي عن فكرةالبحث عن شريك الحياة الكامل وأحلامه حول الأمير أو الأميرة الساحرة والزوج المثالي والتغلب على خوفه من الالتزام. أما الخطوة الثانية فهي تطبيق ما تعلمه عن نفسه على نظرته إلى علاقة الحب وبدلاً عن أن يتمحور مفهوم تطوير الذات حول الأنا فإنه يتحول إلى طريقة لتعزيز علاقته بالآخر.