ملخص: تتزايد الأدلّة العلمية على وجود علاقة وثيقة بين الاضطرابات العضوية والاضطرابات النفسية. هذا ما تؤكده دراسة حديثة كشفت احتمال تأثير الاكتئاب والقلق في السلوكيات الغذائية للمرضى، وإليك التفاصيل.
أثبت باحثون في دراسة علمية حديثة وجود ارتباط قويّ بين اضطرابَي الاكتئاب والقلق المعمّم وتغيّر السلوكيات الغذائية. تؤكد نتائج الدراسة التي نُشرت في دورية أبحاث نفسية (Journal of Psychiatric Research) أن الأشخاص الذين يعانون اضطراباتٍ في الصحة النفسية أكثر عرضة للسلوكيات الغذائية المضطربة وصعوبات السيطرة على استهلاك الطعام.
كان الهدف من هذه الدراسة تحقيق فهم أفضل للعلاقة بين الاضطرابات النفسية والعوامل المختلفة المتعلّقة بالصحة العضوية. تقول مؤلفة الدراسة والباحثة الرئيسية بمعهد لوريت لأبحاث الدماغ والأستاذة المشاركة في الطب المجتمعي بجامعة تولسا جنيفر ستيوارت (Jennifer Stewart): "تهدف أبحاثي إلى تحديد المؤشرات البيولوجية الرئيسية للاكتئاب الحادّ، ولا سيّما الأنماط الدماغية التي تشير إلى احتمال الإصابة به في المستقبل، أو وجود إصابة به في الماضي أو حالياً أو فيهما معاً، علاوة على الاختلافات الجنسية المحتملة وفقاً لهذه الأنماط".
يهدف هذا المشروع العلمي المعروف باسم "تولسا 1000" (T-1000) إلى تحقيق فهم شامل للتقاطع القائم بين الصحة النفسية والصحية العضوية. شارك في هذه الدراسة أكثر من 1,000 شخص تتراوح أعمارهم بين 18 و55 عاماً قدموا من المراكز العلاجية المحلية. وتمكّن الباحثون من جمع عينة متنوعة مفيدة لإجراء التحليلات تضمّ مشاركين من المجموعات الضابطة وأشخاصاً يبحثون عن علاج اضطرابات المزاج والقلق والإدمان والتغذية.
هل هناك علاقة بين اضطرابات الصحة النفسية والاضطرابات الغذائية؟
قسّم الباحثون المشاركين إلى 3 مجموعات مختلفة وفقاً للتشخيص النفسي. تضمّ المجموعة الأولى أشخاصاً مصابين باضطراب الاكتئاب الحادّ لكنّهم لم يتعرّضوا إلى أيّ اضطراب آخر خلال العام الذي سبق الدراسة. أما المجموعة الثانية فقد ضمّت مشاركين يعانون اضطراب الاكتئاب الحادّ واضطراب القلق المعمّم أيضاً، دون اضطرابات أخرى خلال السنة التي سبقت الدراسة.
أما المجموعة الضابطة فضمّت أشخاصاً يتمتّعون بصحة جيدة لم يُصابوا طيلة حيواتهم باضطراب الاكتئاب الحادّ أو أيّ اضطراب آخر خلال السنوات الأخيرة. أجرى الباحثون أيضاً مقابلات سريرية مفصّلة مع المشاركين للتحقّق من حالاتهم الصحية النفسية واختبارات طبّية لتقييم حالاتهم الصحية العضوية.
أخذ الباحثون أيضاً عينات من الدم لقياس مدى تركيز هرمونات الأيض، كما قيّموا التركيبة الجسمانية بالاعتماد على تحليل عناصر من قبيل نسبة الدهون في الجسم ومؤشر كتلة الجسم. وبالموازاة مع ذلك أجاب المشاركون أسئلة استقصاء حول سلوكياتهم الغذائية وأعراض الاضطرابات الغذائية ومستوى النشاط البدني. واختار الباحثون هذه المقاييس لأخذ نظرة شاملة عن الحالة الصحية العضوية والنفسية للمشاركين، وسمح لهم ذلك بالربط بين اضطرابات المزاج والعوامل الصحية العضوية.
نتائج حاسمة
كشفت الدراسة وجود ارتفاع منتظم لنسب هرمونات الأيض والكتلة الذهنية لدى المشارِكات مقارنة بالمشاركين بغض النظر عن حالاتهم الصحية النفسية. في المقابل، لم تكشف الدراسة وجود اختلافات مهمة في هذه المؤشرات المرتبطة بالأيض خلال المقارنة بين الأشخاص الذين يعانون اضطراب الاكتئاب الحادّ أو اضطراب القلق المعمّم والمشاركين الذين يتمتعون بصحة جيدة.
لاحظ الباحثون اختلافات مهمة بين المجموعات المشاركة فيما يتعلّق بالسلوكيات الغذائية حيث أظهر الأفراد الذين يعانون اضطراب الاكتئاب الحاد أو يعانون هذا الاضطراب مع القلق المعمّم سلوكيات غذائية مضطربة مقارنة بالأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة. وتجلّى هذا الاضطراب في الدرجات المرتفعة التي حصلوا عليها في استبيان الأكل الثلاثيّ العوامل (Three-Factor Eating)، الذي يُستخدم لقياس احتمال الإفراط في الأكل بسبب التوتر.
كما ظهر على أفراد هاتين المجموعتين شعور بالجوع الشديد واحتمال مرتفع للإصابة بالاضطرابات الغذائية. توضّح هذه النتائج وجود ارتباط لا جدال فيه بين اضطرابات المزاج وتغيّر السلوكيات الغذائية، وتشير إلى أن الأشخاص الذين يعانون اضطراب الاكتئاب الحادّ أو اضطراب الاكتئاب الحادّ مع القلق المعمّم يجدون صعوبة أكثر من غيرهم في تنظيم تناولهم للطعام وهذا ما قد يؤدي إلى اضطرابات السلوك الغذائي.
اقرأ أيضاً: لا تعلّق على وزنه وأكله: إليك 5 جمل لا تقُلها للمصاب باضطرابات الطعام.