علاج الوسواس القهري دون أدوية

3 دقيقة
علاج الوسواس القهري

يُعتبر الوسواس القهري من الاضطرابات النفسية المنتشرة على نطاق واسع، فبحسب إحصائية أجراها المعهد الوطني الأميركي للصحة النفسية هناك 2.3% من البالغين في الولايات المتحدة يعانون من الوسواس القهري.

هذا الانتشار جعل منظمة الصحة العالمية تصنّفه باعتباره واحداً من أكثر عشرة أمراض موهنة انتشاراً على مستوى العالم، وجاء ترتيبه في المركز السادس، وتتضمن القائمة الأمراض التي تؤدي إلى انخفاض جودة الحياة وفقدان الدخل نتيجة عدم القدرة على العمل.

يضرب أستاذ الطب النفسي في جامعة شيكاغو، جون غرانت (Jon Grant) مثلاً بالأثر الذي يُحدثه الوسواس القهري في حياة الشخص مريض وسواس النظافة الذي يستيقظ للذهاب إلى عمله لكنه يظل يستحم لفترة طويلة، ورغم اقتناعه بأن ما يفعله غير منطقي لكنه غير قادر على التحكم في عقله، لذا تتعثر حياته المهنية.

هل يمكن علاج الوسواس القهري دون أدوية؟

لا يعد الوسواس القهري اضطراباً نفسياً سهلاً؛ وذلك ما جعل الاختصاصية النفسية جودا برزوزاوسكاتي (Goda Brzozauskaite) ترى أنه رغم إمكانية علاجه دون أدوية لكن الأمر يتطلب وقتاً ومجهوداً وتصميماً، وبشكل عام لا يُنصح بالعلاج الذاتي في حالة الأعراض المتوسطة أو الشديدة.

وحتى نتمكن من فهم الصورة الكاملة علينا استيعاب ماهية الوسواس القهرية جيداً، فهو وفقاً للطبيب النفسي فريد بينزل (Fred Penzel) مرض مزمن يشبه إلى حد كبير الربو أو السكري؛ يمكن السيطرة عليه والتعافي منه إلى حد كبير.

لكن في الوقت نفسه لا يوجد علاج متاح يقضي عليه، فحتى وإن اختفى لفترة ولم يعد مؤثراً في حياة المريض، فذلك لا يلغي التهديد المستمر الذي يمثله، واحتمالية ظهوره في أي لحظة نتيجة المتغيرات التي تحدث؛ وذلك ما يجعل بينزل يؤكد أن العنصر الأهم هو الاستفادة من التجارب العلاجية ومعرفة المحفزات والتعامل معها بآليات عملية فعّالة.

أما بخصوص إمكانية العلاج دون دواء، فيرى بينزل أن الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري الخفيف بإمكانهم التعافي دون اللجوء إلى العلاج الدوائي، مؤكداً على أن الدواء بشكل عام لا يمكن اعتباره سوى جزء من الخطة العلاجية ولا يتم الاعتماد عليه وحده حتى في حالات الوسواس القهري المتوسط أو الشديد، لافتاً النظر إلى جزئية مهمة وهي أن عملية التعافي تستغرق وقتاً يترواح في المتوسط من ستة إلى اثني عشر شهراً، وإذا كانت الأعراض معقدة أو شديدة ربما تطول هذه المدة.

ويُعد العلاج السلوكي المعرفي وفقاً للطبيب النفسي كليفورد لازاروس (Clifford Lazarus) العلاج الأول غير الدوائي للوسواس القهري، وذلك نتيجة قدرته على تغيير نشاط الدماغ بنفس الطريقة التي يعمل بها الدواء مع استبعاد الآثار الجانبية وزيادة الفاعلية وخفض معدل الانتكاس.

هل تؤثر أدوية الوسواس القهري في الحامل؟

توصلت دراسة علمية أجرتها جامعة جونز هوبكنز (Johns Hopkins University) إلى أن أعراض الوسواس القهري تزداد حدتها عند النساء خلال فترة الحمل، ويرجع ذلك بحسب الدراسة إلى الزيادة الكبيرة في هرمون البروجسترون والهرمونات الأخرى.

تحلل الطبيبة شيرين حداد الأسباب أكثر في مقالة بحثية كتبتها وأشارت فيها إلى حدوث خلل خلال فترتيّ الحمل والنفاس في هرمون السيروتونين ناتج عن تقلبات في هرمونيّ الإستروجين والبروجسترون؛ وهو ما ينتج عنه ظهور أعراض الوسواس القهري بالأخص إذا حدثت زيادة سريعة في هرمون الأكسيتوسين قرب نهاية فترة الحمل.

وفي ظل وجود أفكار وسواسية تسكن عقل المرأة الحامل يكون قرار تناول الدواء أمراً صعباً نتيجة التخوف من تأثيره في صحتها أو صحة جنينها، لذلك من المهم إجابتها بوضوح عن مدى مأمونية العلاج، وفي مقدمته مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية.

والتي تعد بحسب أستاذة الطب النفسي في جامعة براون الأميركية (Brown University)، نيها هوديبول (Neha Hudepohl) من أكثر الأدوية التي خضعت للدراسة لقياس أثرها خلال فترتيّ الحمل والإرضاع، وكانت النتيجة أنها آمنة نسبياً على المرأة الحامل والمرضعة إذا ما قورنت مخاطرها بمخاطر الوسواس القهري غير المعالَج، بالأخص الوسواس الذي يعيق أداء المهام اليومية.

لكن هذا الأمان النسبي لا ينفي وفقاً لهوديبول احتمالية وجود آثار محتملة على صحة الطفل، فهناك 30% من الأطفال الذين تناولت أمهاتهم مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية في الثلث الثالث من الحمل؛ ظهرت عليهم أعراض قصيرة المدى أهمها التهيج والعصبية والخمول وتقلب درجات الحرارة لكنها ظلت أعراض محدودة زمنياً.

خلاصة القول أن قرار العلاج والاختيار الدوائي المناسب يعود إلى المرأة الحامل التي يجب أن تزن الأمر بمساعدة الطبيب من أجل تخفيف الآثار السلبية المحتمَلة قدر الإمكان، وفي الوقت نفسه مواجهة أعراض الوسواس القهري التي تؤثر سلباً في حياتها.

هل يمكن علاج الوسواس القهري دون طبيب؟

الإجابة المبدئية هي نعم، و وفقاً للطبيب النفسي كليفورد لازاروس يكون ذلك بالابتعاد عن ثلاث ممارسات شائعة بين مرضى الوسواس القهري، وهي:

  1. التجنب: ويعني الابتعاد عن المواقف أو الأماكن المحفزة للأفكار أو السلوكيات الوسواسية.
  2. الهروب: يتمثل في ممارسة سلوكيات آمنة للتخلص من إلحاح الأفكار أو السلوكيات الوسواسية.
  3. البحث عن الطمأنينة: بطرح أسئلة متكررة على الآخرين أو كتابتها في محركات البحث للتأكد من أن الأمور تسير في عكس اتجاه الوساوس.

تجنب الممارسات الثلاث السابقة يعرض المريض إلى الأفكار والسلوكيات الوسواسية والتي تحل من تلقاء نفسها، ويضيف لازاروس جانباً مهماً هو أن تبذل أسرة المريض مساعيها لمساعدته باتباع ما يصفه بالحب القاسي، الذي يتضمن عدم مساعدته على أي سلوكيات قهرية، بالأخص في حالة طلب الطمأنينة.

من المعروف أن الوسواس القهري يتسبب في إنهاك المريض بشكل بالغ؛ لكن لحسن الحظ فإن إمكانية علاجه بطرق غير دوائية متاحة، لذا ننصحك ببدأ خطتك الذاتية لمواجهة هذا الاضطراب الذي يستنزف حياتك.

المحتوى محمي