هل اكتشف العلم طريقة للخروج من سجن الوسواس القهري؟

2 دقيقة
علاج الوسواس القهري
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

يفتح العلم باب أمل جديداً لمرضى الوسواس القهري المقاوم للعلاج من خلال تقنية التحفيز العميق للدماغ الموجهة بدقة. يعتمد هذا التطور على دراسة حديثة تستهدف إصلاح الدوائر العصبية المعطوبة لاستعادة السكينة النفسية.

أبرز النقاط الجوهرية:

  • التقنية مخصصة تحديداً للحالات المستعصية …

تخيل أن عقلك غرفة مليئة بالمرايا، وصوت واحد يتكرر آلاف المرات دون توقف: "أنت لم تغلق الباب"، "يداك ملوثتان"، "شيء سيئ سيحدث إذا لم ترتب هذه الأقلام". هذا ليس مشهداً درامياً، بل هو الواقع اليومي القاسي لملايين البشر المصابين بالوسواس القهري.

بالنسبة للكثيرين، العلاج السلوكي والأدوية هما الحل، ولكن ماذا عن الـ 10% من المرضى الذين يعيشون في جحيم الوسواس القهري المقاوم للعلاج؟

نحن اليوم أمام لحظة فارقة في تاريخ الطب النفسي؛ لحظة تتحول فيها التكنولوجيا من مجرد أداة للتواصل إلى مشرط دقيق يعيد تشكيل الدوائر الكهربائية المعطوبة في الدماغ، ليعطي أملاً جديداً بالتحرر من سجن الأفكار المتكررة.

ما الذي وصل إليه العلم في هذا الاتجاه؟

سنوات طويلة، كان فيها التحفيز العميق للدماغ لعلاج الوسواس القهري خياراً مطروحاً، لكنه كان يفتقر أحياناً للدقة المطلقة. التطور الهائل الذي نناقشه اليوم والمستند إلى دراسة علمية حديثة نشرتها دورية نيتشر العلمية في أكتوبر/تشرين الأول 2025 ينقلنا إلى مستوى جديد من العلاج النفسي الشخصي.

فقد أكد الباحثون أنه يمكن استخدام تقنيات رسم الخرائط الدماغية الغازية، بدلاً من استهداف مناطق عامة في الدماغ، ويعمل العلماء الآن على زرع أقطاب كهربائية مؤقتة لتسجيل النشاط الكهربائي بدقة من مناطق عميقة مثل النواة المتكئة، بهدف رصد البصمة العصبية الخاصة بوسواس المريض تحديداً.

وتشير الدراسة إلى أن تحديد هذه الأهداف بدقة يسمح للأطباء بضبط جهاز التحفيز الذي يشبه منظم ضربات القلب ليرسل نبضات كهربائية تعطل دائرة الوسواس وتستبدل بها نشاطاً طبيعياً، ما يؤدي إلى تحسن كبير في الأعراض القهرية والقلق المصاحب لها، وبدقة تفوق الطرق التقليدية القديمة.

اقرأ أيضاً: من الأمعاء إلى الدماغ: اكتشاف يصل إلى جذور الوسواس القهري!

إلى أين يسير المستقبل؟

المستقبل في علاج الوسواس القهري يتجه نحو ما يسمى بالتحفيز العصبي التكيفي، والذي يرتكز على الأنظمة مغلقة الحلقة. لتكون الصورة واضحة تخيل شريحة ذكية لا تكتفي بالتحفيز، بل تستمع لدماغك. فعندما تبدأ مؤشرات القلق، أو الفكرة الوسواسية، بالتشكل في صورة أشبه بعاصفة كهربائية في الدماغ، تتدخل الشريحة فوراً بنبضة محسوبة لإجهاض الفكرة قبل أن تتحول إلى سلوك قهري، ثم تتوقف عندما يهدأ الدماغ. هذا يعني تدخلاً أقل، وبطارية تدوم أطول، وشعوراً طبيعياً أكثر للمريض. 

باختصار، المستقبل يعدنا بأجهزة أصغر، وربما تقنيات لا سلكية تجعل زراعة الشريحة أقل تعقيداً من الناحية الجراحية.

اقرأ أيضاً: هل يعود الوسواس القهري بعد العلاج؟

الفوائد والمخاطر: هل النتيجة تستحق المغامرة؟

على الرغم من الانبهار العلمي، يجب أن نضع هذا التطور في ميزان دقيق للمكاسب والخسائر، وخاصة أننا نتحدث عن عضو حساس كالدماغ.

الفوائد:

  1. استعادة الحياة: بالنسبة لمريض يقضي 10 ساعات يومياً في الغسيل أو العد، هذه التقنية تعيد له حياته ووظيفته وعلاقاته.
  2. بديل للأدوية القاسية: الكثير من مرضى الوسواس القهري يتناولون جرعات هائلة من مضادات الاكتئاب والذهان مع آثار جانبية مدمرة؛ الشريحة قد تقلل الحاجة لهذه الكميات الكيميائية.
  3. قابلية التعديل: الميزة الكبرى هي أن هذا الإجراء قابل للتحكم والتعديل إلى حد كبير، إذ يمكن تغيير إعدادات الجهاز دون جراحة إضافية.

المخاطر والتحديات:

  1. المخاطر الجراحية: النزيف، أو العدوى، أو حدوث نوبات صرعية هي آثار جانبية للجراحة.
  2. الآثار الجانبية المزاجية: في بعض الحالات النادرة، قد يؤدي التحفيز الزائد إلى نوبات من الهوس أو تقلبات مزاجية حادة، ما يتطلب مراقبة دقيقة.
  3. التكلفة والإتاحة: لا تزال هذه العمليات باهظة الثمن وغير مغطاة من قبل أنظمة التأمين الصحي جميعها، ما يجعلها حكراً على فئة قليلة حالياً.

المحتوى محمي