ملخص: الاضطراب الفصامي العاطفي حالة مزمنة ما زال الغموض يكتنفها، فأسبابها ما زالت غير مفهومة، وعملية تشخيصها ما زالت غير دقيقة في كثير من الحالات. عموماً، ينطوي هذا الاضطراب على أعراض الفصام واضطرابات المزاج في آن معاً، ومن الممكن إدارته بفعالية على الرغم من عدم القدرة على علاجه بالكامل؛ لكن التشخيص المبكر والالتزام بالعلاج المستمر ونظام الدعم القوي تعد نقاطاً بالغة الأهمية من أجل تحقيق نتائج أفضل. إليك في هذا المقال ما ينبغي لك معرفته عن هذه الحالة والعلاجات الناشئة الواعدة التي قد تسهم في إدارتها على نحو أفضل في المستقبل.
محتويات المقال
يعرِّف المختص النفسي خليل المادح الاضطراب الفصامي العاطفي بأنه اضطراب نفسي يعاني فيه الشخص مجموعة من أعراض الفصام مثل الهلوسة أو الضلالات، بالإضافة إلى أعراض اضطراب في المزاج مثل الاكتئاب أو الهوس.
ولهذا الاضطراب نوعان يتضمن كلاهما بعضاً من أعراض الفصام، الأول هو النوع ثنائي القطب؛ أي يشمل نوبات هوس واكتئاب، أما النوع الآخر فهو الاكتئابي؛ أي يقتصر على نوبات اكتئاب فقط. سنخصص هذا المقال لتوضيح المزيد عن هذه الحالة من أعراض وأسباب وخيارات علاجية، بالإضافة إلى استكشاف بعض الأساليب العلاجية الواعدة التي قد تسهّل حياة المصابين بهذا الاضطراب مستقبلاً.
ما أعراض الاضطراب الفصامي العاطفي؟
تختلف ماهية الأعراض وشدتها من شخص إلى آخر، وعادة ما تظهر الأعراض في أواخر سن المراهقة أو بداية مرحلة البلوغ، لكنها نادراً ما تظهر في مرحلة الطفولة أو بعد سن الخمسين. تشمل أعراض الذهان الشائعة في الاضطراب الفصامي العاطفي ما يلي:
- الهلوسة، مثل سماع أصوات أو رؤية أشياء غير حقيقة.
- التوّهم، مثل المعتقدات الخاطئة على الرغم من وجود أدلة تنفيها.
- عدم انتظام الأفكار.
- خلل في التواصل والكلام، مثل الكلام غير المتسلسل.
- سلوكيات غريبة أو غير طبيعية أو غير متوقعة.
- انخفاض القدرة على التعبير العاطفي أو انخفاض القدرة على الشعور بالمتعة.
- ضعف الأداء المهني والدراسي والاجتماعي.
- مشكلات في الرعاية الشخصية والنظافة والمظهر الجسدي.
في المقابل، تشمل الأعراض المزاجية الشائعة ما يلي:
- الهوس: الشعور بالحيوية الشديدة والإثارة مع الأفكار المتسارعة، والرغبة في الانخراط في سلوكيات غير آمنة، والإفراط في الثرثرة، والشعور بالتشتت، وقلة الرغبة في النوم أو الحاجة اليه. وعادة ما تستمر نوبة الهوس عدة أيام متتالية.
- الاكتئاب: شعور بالحزن العميق مصحوب بمشاعر انعدام القيمة، أو التعب أو سرعة الانفعال أو الأرق أو النوم الزائد، أو انخفاض الطاقة أو صعوبة الاستمتاع بالأنشطة التي يستمتع بها عادة أو صعوبة التركيز.
يُذكر أن ثمة مجموعة من المضاعفات قد يتعرض لها المصابون بالاضطراب الفصامي العاطفي، خصوصاً في حال عدم تلقي العلاج، مثل الانتحار أو محاولات الانتحار أو الأفكار الانتحارية، بالإضافة إلى العزلة الاجتماعية، والصراعات الأسرية أو مع الأشخاص الآخرين، فضلاً عن اضطرابات القلق ومشكلات صحية عديدة.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الاكتئاب
لماذا يصاب بعض الأشخاص بهذا الاضطراب؟
في الواقع، ما زال السبب الدقيق لهذا الاضطراب غير مفهوم تماماً؛ لكن يُعتقد أن عدة عوامل قد تسهم في نشوئه، مثل:
- العوامل الوراثية: قد تؤدي بعض الطفرات الوراثية التي تصيب جينات محددة إلى زيادة خطر الإصابة بهذا الاضطراب، لكن هذه الجينات ما زالت غير محددة.
- المواد الكيميائية في الدماغ: من الممكن أن تؤثّر التشوهات في أنواع معينة من الناقلات العصبية، مثل الدوبامين والنورإيبينفرين والسيروتونين، في تواصل الخلايا العصبية بالدماغ، ما قد يؤدي إلى ظهور الأعراض.
- بنية الدماغ: تسهم بعض الشذوذات التي تصيب أحجام مناطق معينة من الدماغ وبنيتها، مثل الحصين والمادة البيضاء والمهاد، في ظهور الأعراض.
يُذكر أن تشخيص الاضطراب الفصامي العاطفي صعب لأن أعراضه تشبه إلى حد كبير الحالات النفسية الأخرى. لذلك، يعد الإبلاغ عن الأعراض الخطوة الأولى الحاسمة في التشخيص؛ أي إذا لاحظت على نفسك أو على أحد أفراد أسرتك أعراض فصام أو اضطراباً في المزاج، فينبغي التحدث إلى مختص الصحة النفسية في أقرب وقت ممكن من أجل التشخيص والعلاج. تذكّر أنه قد يصعب على الشخص الذي يعاني حالة صحية نفسية أن يطلب المساعدة بنفسه، أو أن يدرك أساساً أنه بحاجة إلى المساعدة، وهنا عليك أن تشجعه على طلب المساعدة وتقدم له الدعم الكافي.
اقرأ أيضاً: العلم يتقدم ويصل إلى الكشف عن الاضطراب الثنائي القطب باستخدام تحليل دم: تعرَّف إلى التفاصيل
كيف يمكن علاج الاضطراب الفصامي العاطفي؟
الاضطراب الفصامي العاطفي غير قابل للشفاء تماماً؛ لكنه مع ذلك قابل للإدارة بفعالية؛ إذ يمكن من خلال العلاج والدعم المناسبين تقليل الأعراض وتحسين الأداء ونوعية الحياة، وخصوصاً في حال شُخِّص المرض مبكراً وبدأ الفرد بالخطة العلاجية في أقرب وقت ممكن بعد ظهور الأعراض أول مرة.
من المهم معرفة أن الالتزام بالعلاج يجب أن يكون مستمراً حتى لو اختفت الأعراض أو انخفضت إلى حدّها الأدنى من أجل الحفاظ على هذه النتائج ومنع الانتكاسات مستقبلاً. عموماً، يتضمن علاج الاضطراب الفصامي العاطفي مزيجاً من الأدوية والعلاج النفسي والتدريب على مهارات الحياة، بناءً على نوع الأعراض وشدتها، وتشمل الاختيارات العلاجية المتاحة:
العلاج الدوائي
تُحدد الأدوية بناءً على نوع الاضطراب الفصامي العاطفي. ثمة 3 أنواع من الأدوية الشائعة المستخدمة في العلاج، وقد يصف الطبيب مزيجاً منها لعلاج الحالة على نحو أفضل. تشمل العلاجات الدوائية:
- مضادات الذهان: تستخدم في علاج الذهان والسلوك العدواني في الاضطراب الفصامي العاطفي، بالإضافة إلى علاج أعراض فصام الشخصية الأخرى مثل الأوهام والهلوسة واضطراب التفكير. من الأمثلة على مضادات الذهان: ريسبيريدون (Risperidone)، أولانزابين (Olanzapine)، كويتيابين (Quetiapine)، زيبراسيدون (Ziprasidone).
لكن، يُذكر أن الدواء الأول والوحيد الذي وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء الأميركية عام 2014 في علاج الاضطراب الفصامي العاطفي هو باليبيريدون بالميتات (Paliperidone palmitate)، وهو مضاد ذهان غير نمطي يُحقن عضلياً مرة واحدة شهرياً، ويُستخدم بمفرده أو بالتزامن مع أدوية أخرى من أجل إدارة الأعراض المرتبطة بهذا الاضطراب.
اقرأ أيضاً: كل ما تود معرفته عن دواء الهالدول لعلاج الفصام
ووفقاً لمراجعة منشورة في دورية إنترناشيونال نيورولوجي (Neurology International) عام 2021، فإن دواء باليبيريدون يعد فعالاً وآمناً، وقد أظهر انخفاضاً في خطر فشل العلاج مع مرور الوقت مقارنة بمضادات الذهان الأخرى، بالاضافة إلى أنه لا يؤثِّر على نحو كبير في وظائف الكبد والكلى ما يجعله خياراً جيداً للمرضى الذين يعانون انخفاضاً في وظائفها.
- مثبتات المزاج: عندما يكون الاضطراب الفصامي العاطفي من النوع ثنائي القطب، أي ينطوي المرض على أعراض مثل فترات تشتت وطيش وزيادة النشاط الموجه نحو الهدف وانخفاض الحاجة إلى النوم، فالعقاقير المثبتة للمزاج مثل الليثيوم (Lithium) وفالبروات (Valproat)، قد تساعد على علاج الهوس والوقاية منه.
- مضادات الاكتئاب: إذا كان الاضطراب الفصامي العاطفي من النوع الاكتئابي، حينها قد توصف بعض الأدوية المضادة للاكتئاب مثل فلوكسيتين (Fluoxetine) وسيرترالين (Sertraline) لعلاج الاكتئاب والوقاية منه. لكن، من الضروري استبعاد وجود الاضطراب ثنائي القطب قبل البدء بمضادات الاكتئاب، لأن تناول مضادات الاكتئاب في وجود اضطراب ثنائي القطب يفاقم نوبات الهوس.
اقرأ أيضاً: هل يمكن علاج الاضطرابات النفسية بالأدوية فقط؟ الخبراء يجيبون
العلاج النفسي
مثلما هو الحال مع معظم الاضطرابات النفسية، فإن العلاج النفسي يساعد المصابين بالاضطراب الفصامي العاطفي على تحسين الأداء المعرفي وتطوير المهارات الاجتماعية ومنع الانتكاسات مستقبلاً. وبالطبع، ثمة مجموعة من الخيارات التي قد تشمل مزيجاً مما يلي:
- العلاج السلوكي: مثل العلاج المعرفي السلوكي الذي يساعد المريض على التعرف إلى حالته وأفكاره وأنماط سلوكه السلبية وتغييرها، علاوة على أنه يساعد على تحديد الأهداف الشخصية وإدارة التحديات اليومية المتعلقة بالمرض، وتطوير مهارات التأقلم الصحية والتواصل الفعال مع الآخرين وتحسين العلاقات. باختصار، يساعد العلاج السلوكي على إدارة الاضطراب والتعايش معه.
- العلاج العائلي أو الأسري: هو نوع آخر من أنواع العلاج النفسي؛ نتيجة لاعتماد المريض غالباً على دعم أفراد الأسرة فإشراكهم في العلاج عادة ما يكون فعالاً. عموماً، يسهم المختص النفسي في تعليم أفراد الأسرة المزيد عن الاضطراب وكيفية دعم أحبائهم المصابين به.
- العلاج الجماعي: تساعد البرامج الجماعية الداعمة على تواصل المريض مع الآخرين الذين يواجهون تحديات مماثلة، ما يوفر إحساساً بالتجارب المشتركة بين المرضى ويقلل العزلة ويزيد الالتزام بالدواء ويحسِّن المهارات الاجتماعية.
- التدريب على مهارات الحياة: يركز هذا النوع من العلاج على تدريب المريض على أداء الأنشطة اليومية؛ مثل الإدارة المالية والمنزلية والحفاظ على النظافة الشخصية، بالإضافة إلى تحسين المهارات الاجتماعية وأداء مسؤوليات العمل والدراسة. قد يمثل التدريب على المهارات قيمة إضافية لخطة العلاج المستخدمة في حالة الاضطراب الفصامي العاطفي.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شريك العمر في حال أصيب بانفصام الشخصية؟
العلاج بالصدمات الكهربائية
عادة ما يكون العلاج بالصدمات الكهربائية هو الحل الأخير، ولا يُستخدم إلا في الحالات العاجلة والمقاومة للعلاج النفسي والدوائي. ويعد العلاج بالصدمات الكهربائية آمن وفعال عند معظم المرضى الذين يتلقونه في المستشفى.
نظرة إلى المستقبل: هل ينجح العلماء في الوصول لعلاج غير مسبوق؟
سلطت مراجعة منشورة في المجلة الدولية لعلم الأدوية النفسية العصبية (The International Journal of Neuropsychopharmacology) عام 2023 الضوء على العديد من العلاجات الدوائية قيد التطوير التي قد تُستخدم في علاج أعراض فصام الشخصية، التي قد تفيد أيضاً مرضى الاضطراب الفصامي العاطفي؛ حيث تستهدف هذه الأدوية ناقلات عصبية أخرى بخلاف الدوبامين الذي تستهدفه غالبية أدوية الذهان المستخدمة حالياً. وقد ذكر الباحثون أن العلاجات الجديدة قد أظهرت فعالية قوية في المرحلة الثانية والثالثة من التجارب السريرية، وقد تمثّل نقلة نوعية محتملة في علاج الفصام.
ومن الأدوية الواعدة قيد التطوير دواء مركب يجمع بين مركبين كيميائيين هما زانوميلين (Xanomeline) وكلوريد التروسبيوم (Trospium chloride)، تعمل على تطويره شركة كارونا الأميركية (Karuna Therapeutics) تحت مسمى (KarXT). وبناء على التجارب السريرية، تبين أن الدواء قلّل أعراض الذهان مثل الهلوسة والأوهام، وحسّن الأعراض السلبية مثل نقص الحافز، أما أعراضه الجانبية الشائعة فهي الإمساك والغثيان والقيء. ووفقاً لدراسة منشورة في دورية لانسيت (Lancet) عام 2024، فهذا الدواء فعال وجيد التحمل ويعد مضاد ذهان جديداً واعداً.
اقرأ أيضاً: تعرَّف إلى أعراض الذهان الزوري وعلاجه
بالإضافة إلى ذلك، يختبر باحثون في جامعة كاليفورنيا سان دييغو (University of California, San Diego) عبر دراسات ما زالت قيد التنفيذ مجموعة من التدخلات العلاجية الجديدة التي قد تساعد على إدارة أعراض الاضطراب الفصامي العاطفي والحالات ذات الصلة، ومنها دراسة تبحث في استخدام دواء ميمانتين (Memantine) في الخطة العلاجية لمريض الاضطراب الفصامي العاطفي والاضطرابات الذهانية، وهو دواء حاصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء لعلاج الخلل المعرفي في مرض الزهايمر.
يفترض الباحثون أن الأدوية التي تستهدف العجز في معالجة المعلومات الحسية على وجه التحديد، بدلاً من الأعراض الذهانية في حد ذاتها، ستعزز نتائج التدريب المعرفي المستهدف القائم على الحواس عند مرضى الفصام. ومن المتوقع الانتهاء من الدراسة في ديسمبر/كانون الأول من عام 2024.
ومن علاجات الفصام الجديدة المحتملة الأخرى التي قد تفيد مرضى الاضطرابات الفصامية مستقبلاً، نذكر التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (Transcranial magnetic stimulation) الذي يستخدم المجالات المغناطيسية لتحفيز الخلايا العصبية في الدماغ، وهو غير مؤلم ولا يتطلب الجراحة.
والتحفيز العميق للدماغ (Deep brain stimulation) الذي يستخدم نبضات كهربائية لموازنة النبضات غير الطبيعية أو بعض المواد الكيميائية في الدماغ، وهو إجراء يتطلب عملية جراحية لوضع الأقطاب الكهربائية والجهاز الذي سيتحكم بها داخل الدماغ. ومع ذلك، ما زال العلماء بحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث للتحقق من فعالية هذه الأساليب مع المصابين بالفصام والاضطرابات ذات الصلة.
بالإضافة إلى ذلك كله، يساعد التقدم في الأبحاث الجينية على تحديد المؤشرات الحيوية التي قد تتنبأ بالاستجابة العلاجية عند مرضى الاضطراب الفصامي العاطفي. أي يمكن القول إن فهم التفاعل بين الاستعداد الوراثي والعوامل البيولوجية العصبية قد يمهد الطريق لتدخلات أكثر استهدافاً وفعالية في علاج هذا الاضطراب والاضطرابات ذات الصلة مستقبلاً.