ملخص: تؤثر الاضطرابات النفسية في حياة الفرد إلى حد بعيد؛ حيث تؤدي غالباً إلى الإصابة بالتقلبات المزاجية واضطرابات النوم والحزن العميق والشعور بالعزلة. ولعلاج تلك الاضطرابات النفسية، تُمكن الاستعانة بالجلسات النفسية أو الأدوية أو كلتيهما معاً؛ لكن هل تستطيع الأدوية وحدها علاج الاضطرابات النفسية؟ الإجابة في هذا المقال.
محتويات المقال
تؤثر اضطرابات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق، في طريقة تفكيرنا وشعورنا وتصرفاتنا، وغالباً ما يمتد تأثيرها أيضاً إلى علاقاتنا الشخصية والمهنية وأدائنا اليومي. والحقيقة أن التعايش مع الاضطرابات النفسية في كثير من الأحيان قد يكون صعباً؛ لأنها تغير حالتنا المزاجية. وعادة ما تتحسن أعراض تلك الاضطرابات مع العلاج الذي يشمل الأدوية والجلسات النفسية؛ لكن هل تستطيع الأدوية بمفردها علاج الاضطرابات النفسية؟ الإجابة في هذا المقال.
ما الاضطرابات النفسية؟
الاضطرابات النفسية هي أنماط من الأعراض السلوكية والنفسية التي تؤثر في مجالات الحياة المتعددة. ووفقاً لما ذكره مختص الطب النفسي أحمد الدباس؛ فإن الاضطرابات النفسية تُقسم إلى اضطرابات عُصابية مثل القلق والاكتئاب، وذهانية مثل الفصام.
والحقيقة أن الإصابة بتلك الاضطرابات أمر شائع للغاية؛ حيث يقدّر التحالف الوطني الأميركي للأمراض النفسية (The National Alliance on Mental Illness)، أن 1 من كل 5 بالغين في الولايات المتحدة يعاني اضطراباً نفسياً كل عام.
وتشمل أهم الاضطرابات النفسية الأكثر شيوعاً: اضطرابات القلق، والاكتئاب، والاضطراب الثنائي القطب، واضطرابات الشخصية؛ بما فيها اضطراب الشخصية الحدية واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، إلى جانب الفصام والاضطرابات الذهانية الأخرى.
وعادة ما يعاني الأشخاص المصابون بالاضطرابات النفسية أعراضاً تشمل مجموعة من المشاعر أو العواطف أو التجارب؛ بما فيها:
- تغيرات الحالة المزاجية.
- مشاعر الحزن أو العزلة.
- اضطرابات النوم.
- تجنُّب المواقف الاجتماعية والابتعاد عن الأصدقاء.
- صعوبة التركيز.
كيف يمكن علاج الاضطرابات النفسية؟
في الكثير من الأحيان، تعوق الاضطرابات النفسية حياتنا اليومية؛ ولكن هناك أملاً يتجسد في العلاجات المتاحة لتلك الاضطرابات ومنها:
- العلاج النفسي: ويسمَّى أيضاً "العلاج بالكلام"، ويُعد من أكثر العلاجات شيوعاً لاضطرابات الصحة النفسية؛ حيث يرتكز على التحدث مع مختص الصحة النفسية الذي يركز في عمله على تمرينات الاسترخاء ومهارات التأقلم، بالإضافة إلى إدارة التوتر. وهناك أنواع عديدة من العلاج بالكلام؛ أهمها العلاج المعرفي السلوكي (CBT) أو العلاج السلوكي الجدلي (DBT)، ويمكن أن يكون هذا النوع من العلاج مفيداً حتى بالنسبة إلى أولئك الذين لا يعانون اضطرابات نفسية، ويمرون بمواقف حياتية صعبة مثل الطلاق أو الحزن الشديد.
- العلاج بالأدوية: لا تعالج الأدوية الاضطرابات النفسية؛ ولكن يمكنها فقط تخفيف الأعراض. والأدوية النفسية لا تُصرف إلا بموافقة الطبيب النفسي المختص الذي يصف الدواء بناء على حالة المريض، ويشارك معه أي أعراض جانبية لهذا الدواء.
- مجموعات الدعم: يمكن أن تساعد مجموعات الدعم على تقديم النصائح حول كيفية التعايش مع الاضطراب النفسي، وتسهم في تخفيف مشاعر العزلة التي غالباً ما تصاحب بعض الاضطرابات النفسية.
- بعض العلاجات الأخرى: وذلك مثل العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT) الذي يرسل تيارات كهربية إلى الدماغ، وغالباً ما يُلْجَأ إلى هذا العلاج، حين تفشل العلاجات الأخرى، وهناك أيضاً العلاج بإزالة حساسية حركة العين وإعادة معالجتها (EMDR) الذي يُستخدم من أجل تخفيف التوتر النفسي، وعادة ما يُستعمل في علاج الصدمات، وبخاصة اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
اقرأ أيضاً: كيف نستخدم الطبيعة لعلاج الاضطرابات النفسية؟
تعرَّف إلى أشهر أنواع الأدوية النفسية
يعمل العديد من الأدوية النفسية عن طريق ضبط توازن المواد الكيميائية الرئيسة في الدماغ، وتسمَّى هذه المواد الكيميائية "الناقلات العصبية"، والمقصود بها المرسال الذي يسمح لخلايا دماغك بالتواصل مع بعضها بعضاً. إذا كانت لديك نواقل عصبية ضعيفة أو مفرطة النشاط، فيمكن أن تنتج تفاعلات كيميائية غير ضرورية تؤدي إلى أحد الاضطرابات النفسية، وهناك 5 أنواع رئيسة من الأدوية النفسية هي:
- مضادات الاكتئاب: وتُستخدم هذه المضادات لعلاج الاكتئاب؛ وأشهرها:
- مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs): التي تزيد كمية السيروتونين في الدماغ على نحو ثابت، والسيروتونين هو ناقل عصبي قوي ينظم مزاجك ونومك.
- مثبطات امتصاص النورإبينفرين الانتقائية (SNRIs): التي تزيد كمية النورإبينفرين؛ وهو ناقل عصبي يجعلك تشعر باليقظة، في الدماغ تدريجياً.
وتشمل أهم الأعراض الجانبية لمضادات الاكتئاب: الأرق والإمساك وزيادة الوزن والارتعاش وبعض المشكلات الجنسية.
- الأدوية المضادة للقلق: يمكن استخدام هذه الأدوية لعلاج نوبات الهلع والرهاب والقلق العام، وتشمل الأدوية المضادة للقلق حاصرات بيتا (Beta Blockers) التي تساعد على علاج الأعراض الجسدية للقلق؛ بما فيها زيادة ضربات القلب والغثيان والتعرق والارتعاش.
وتشمل أهم الأعراض الجانبية للأدوية المضادة للقلق: الغثيان والرؤية الضبابية والصداع والتعب والكوابيس.
- الأدوية المنشطة: تساعد المنشطات على إدارة السلوك غير المنظم، وتقوم بذلك من خلال تحسين التركيز، ويكون لها تأثير مهدئ، وغالباً ما توصف المنشطات للأشخاص الذين يعانون اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD).
وبالنسبة إلى الأعراض الجانبية لهذه الأدوية المنشطة، فإنها تشمل الأرق وفقدان الشهية ونقصان الوزن.
- مضادات الذهان: غالباً ما يشعر مريض الذهان بالانفصال عن واقعه، ويمكن لمضادات الذهان أن تساعد المرضى على التفكير على نحو أكثر وضوحاً، والشعور بالهدوء، والنوم على نحو أفضل، والتواصل بطريقة أكثر فعالية، وعادة ما تُستخدم مضادات الذهان في علاج اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
أما عن الأعراض الجانبية لمضادات الذهان فهي: النعاس، واضطراب المعدة، واضطرابات الشهية، وزيادة الوزن.
- مثبتات المزاج: تساعد مثبتات المزاج على تنظيم المشاعر الشديدة، وتُستخدم في المقام الأول من أجل علاج الاضطراب الثنائي القطب والتقلبات المزاجية الشديدة.
وتشمل الأعراض الجانبية لمثبتات المزاج: اضطراب المعدة، والنعاس، والارتعاش، وزيادة الوزن، والدُّوار، والارتباك، والرؤية الضبابية.
لماذا يخاف البعض تناول الأدوية النفسية؟
إذا سبق وشُخِّصْت بالاكتئاب أو القلق أو أي اضطراب نفسي آخر، فقد يصف لك المختص النفسي بعض الأدوية من أجل تخفيف الأعراض. وفي الواقع، يدرك العديد من مصابي الاضطرابات النفسية أنهم يحتاجون إلى الأدوية؛ لكنهم قد يخافون تناول الدواء النفسي للأسباب التالية:
- المعتقدات الخاطئة: يتجنب بعض الأشخاص تناول الأدوية؛ لأنهم يعتقدون أنها علامة ضعف، ويمكنهم التغلب على القلق من تلقاء أنفسهم.
- الآثار الجانبية: هناك بعض المرضى الذين يهرعون إلى جوجل فور الحصول على الدواء من أجل سؤاله عن الأعراض الجانبية، والحقيقة أنه، ولأسباب قانونية، تُدرَج احتمالات الآثار الجانبية كافةً في وصفة طبية الدواء؛ ولكن تلك الآثار لا تصيب الجميع، وبعضها نادر الحدوث، علاوة على أنها قد تختفي بمجرد أن يتأقلم الجسم على الدواء.
- فقدان جزء من النفس: السبب الآخر الذي يجعل تناول الأدوية النفسية مخيفاً هو أننا نخشى أن نفقد الاتصال بشخصياتنا الأصلية، وبعض الأفراد يخافون فقدان قدرتهم على الإبداع وممارسة هواياتهم المفضلة مثل الرسم والكتابة وتأليف الموسيقا.
- التصنيف والوصم: هناك بعض المجتمعات التي تنظر إلى المرض النفسي على نحو مختلف عن حالات الصحة الأخرى، فبعض الأشخاص يشعرون أن الناس سوف يقللون من شأنهم إذا كانوا يتعالجون من الاضطرابات النفسية عن طريق الأدوية.
- الخوف من الإدمان: تشمل الأدوية المستخدَمة عادة لعلاج الاكتئاب والقلق: مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) والبنزوديازيبينات (Benzodiazepines)، ويمكن أن تؤدي كل منهما إلى الاعتماد الجسدي؛ ما يعني أنك إذا أوقفت إحداهما فجأة، فقد تواجه أعراضاً غير مريحة؛ ولكن يمكن التغلب على هذا الأمر من خلال التحدث إلى طبيبك الذي سيساعدك على تقليل الجرعة ببطء مع مرور الوقت.
اقرأ أيضاً: ما الاضطرابات النفسية التي تصيب الأذكياء؟ ولماذا تزيد إصابتهم بها؟
هل يمكن علاج الاضطرابات النفسية بالأدوية فقط؟
يؤكد أستاذ الطب النفسي، دانييل كارلات (Daniel Carlat)، إن الجمع بين العلاج النفسي والأدوية غالباً ما يكون أكثر فعالية. ووفقاً لما نشرَته مدوَّنة هارفارد الطبية (Harvard Health Blog)؛ فإن أحد أسباب تكامل العلاج النفسي والأدوية هو أن لهما تأثيرات مختلفة في الدماغ.
وفي سياق متصل، أكدت الجمعية الأميركية للطب النفسي (American Psychiatric Association (APA، إن الأشخاص يستجيبون إلى العلاج النفسي على نحو مختلف، فإذا لم يساعد أحد العلاجات يمكن إضافة الآخر. بالنسبة إلى الاكتئاب على سبيل المثال؛ فقد ثبت أن العلاج النفسي والأدوية المضادة للاكتئاب مفيدان معاً، والجمع بينهما قد يكون أكثر فعالية. وبالنسبة إلى اضطرابات القلق، فقد ثبت أن العلاج المعرفي السلوكي والأدوية المضادة للاكتئاب والأدوية المضادة للقلق كلها مفيدة؛ ولكن في حالة القلق فالعلاج النفسي أكثر فعالية من الأدوية.
أما بالنسبة إلى اضطرابات الأكل، فالأدوية النفسية ضرورية للغاية من أجل الحفاظ على الصحة الجسدية، وفيما يخص الفصام أو الاضطراب الثنائي القطب فأدوية استقرار المزاج مهمة للغاية، ولا يمكن الاستغناء عنها بالعلاج النفسي.
في النهاية، يتطلب كل من الجلسات النفسية والأدوية الالتزام بالعلاج، والنتائج عادة لا تحدث بين عشية وضحاها. لذلك؛ لا تبدأ العلاج إلا إذا كنت على استعداد للاستمرار فيه لفترة كافية حتى يساعدك، ومن المهم للغاية أن تناقش العلاج بدقة مع طبيبك، وأن يُشْرَح العلاج بطريقة يمكنك فهمها. وعندما تشعر بالشك، اسأل طبيبك عن كل ما يدور في خلدك؛ إذ يمكنه إبلاغك بالتفاصيل كلها وطَمأنة مخاوفك.