إذا كنت تعيش في دبي أو أي مدينة عالمية كبرى أخرى فلا بد أنك قد سمعت محادثات هنا أو هناك تتناول مفهوميّ الميتافيرس وشبكة الويب الثالثة (Web 3.0) ومدى ثورية هذين الابتكارين. ومع ذلك فنحن البشر نتميز بقابليتنا الكبيرة للتعود؛ أي أننا نعتاد الأنماط المتكررة للأشياء وعندما لا يكون ثمة محفز آخر يزيد مستويات هرمون الدوبامين (الهرمون الذي يفرزه الدماغ عند توقع الحصول على مكافأة)، فإننا نعاني من الملل والشعور بعدم الاهتمام الأمر الذي قد يتطور بسرعة إلى حالة من الاكتئاب.
وربما تكون قد سمعت أن الوحدة والاكتئاب هما مرضا القرن الواحد والعشرين، وهذا صحيح فنحن نعيش اليوم تقدماً تكنولوجياً كبيراً إلى درجة أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي أصبح حالةً يبحث الناس عن علاج لها.
تقول إحدى الشخصيات الرئيسية في فيلم "مارجن كول" (Margin Call 2011): "لكي تنجح عليك أن تكون الأول أو الأذكى، أو أن تغش"، وهذا ما فعلته شركة ميتا (Meta)، أو فيسبوك سابقاً، فقد اختارت أن تسبق إيلون ماسك وغيره إلى بناء ميتافيرس. ولا شك في أن هذه النافذة التي ستطل على "واقع جديد" ستتيح فرصاً كبيرةً للكثيرين، وإلا لما كانت الشركة لتستثمر أكثر من 10 مليارات دولار في تطوير هذا المشروع.
ولكن على الرغم من حجم هذا الابتكار فإنه لن يقلل من مشكلات عدم المساواة الحالية في العالم؛ إذ ما زال يتعين على سائقي شركة ديليفيرو (Deliveroo) على سبيل المثال؛ وهي شركة توصيل أطعمة مشهورة، الاحتجاج على نية الشركة في خفض أجورهم، ومن ثم فإن السؤال الحقيقي الذي نحتاج إلى طرحه على أنفسنا هو: كيف ستنعكس التغييرات التي سيحملها عالم ميتافيرس على ثقافتنا وحالتنا النفسية؟
عانى الكثيرون في أثناء الوباء من الشعور بالعزلة ومشكلات الصحة النفسية في جميع أنحاء العالم، وحتى اليوم ما زال بعض الأطفال في المجتمعات ذات الدخل المنخفض يتلقون التعليم المنزلي؛ الأمر الذي سيؤثر في قدراتهم الاجتماعية إلى حد غير معروف حتى الآن. ولكن السؤال هو ماذا سيحدث لهؤلاء وللعديد من الأشخاص الآخرين في عالم ميتافيرس؟ هل سيتمتعون بفرص مساوية لفرصة بيل غيتس في الدخول إليه؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل سيكون العالم "الخارجي" الوحيد الذي سيعرفونه، طالما لم يكن لدى معظمهم الوسائل المالية للسفر ومتابعة التعليم العالي، حتى قبل بناء ميتافيرس؟
وبمعنىً آخر هل ستُحرم الطبقة المتوسطة من الوصول إلى شبكة الويب الثالثة كما تُحرم من الاستفادة من أمور أخرى في جميع أنحاء العالم؟
إذا كان الأمر كذلك، فإن التأثير النفسي لعدم العدالة في توزيع الموارد قد يصبح أسوأ من ذي قبل.
الجانب الآخر الذي يجب الانتباه إليه هو الجانب الثقافي. في مقال بحثي له بمشاركة باحثين آخرين نُشر في عام 2012، خلص عالم الأنثروبولوجيا جيروم باركو (Jerom H. Barkow) إلى أن الثقافة الشعبية الحالية تتجه بصورة عامة نحو تقديم مشاهير الإعلام المؤثرين كبديل للشخصيات ذات المكانة العالية في الأسرة والمجتمع؛ ما يمثل مشكلةً بصورة خاصة في المجتمعات ذات التوجه الأسري كما هو الحال في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إذ يولي البلدان قيمةً كبيرة للأسرة التقليدية في صميم خطط التوطين والسعودة.
وفقاً لذلك فإن عالم ميتافيرس سيقدم للشباب نماذج جديدة من المؤثرين ستجذبهم بشدة، وكما لاحظ العديد من علماء النفس الاجتماعي، فإننا نتعلم فقط من أولئك الذين يتمتعون بمكانة أعلى. ومع ذلك، إذا كان ميتافيرس عالماً يتساوى فيه الجميع، فهل يجب أن نشعر بالقلق بشأن وضعنا المجتمعي والاجتماعي فيه؟ أم من الأفضل أن تهتم الحكومات بطرح أسئلة حاسمة على السيد زوكربيرغ حول الأخلاق والمعايير الاجتماعية والسلوكية والتطورية في "الواقع الجديد"؟
على الرغم من أننا لا نعرف بالضبط حتى الآن كيف تُخزن الذكريات في أدمغتنا، فإننا نريد أن نتجه بسرعة إلى كل ما هو مبتكَر وخلّاق. وبالعودة إلى النقطة الأساسية من المقالة وهي أن الابتكارات تحدث لأنها ضرورية لتحفيز إنتاج الدوبامين في أدمغتنا، فإن الضغط على شركة ميتا سيكون كبيراً لتكون أكثر ابتكاراً وتُبقي مستخدميها سعداء.
ما الجانب السلبي من كل هذا بالنسبة إلينا نحن البشر؟ من المحتمل أن يصبح إدمان الشبكات الاجتماعية قضية أكثر خطورة، كما أن العجز عن الانتماء إلى العالم الافتراضي سيفرض تحدياً آخر فيما يخص الصحة النفسية.
فالأشخاص الذين لن يكونوا قادرين على الوصول إلى عالم ميتافيرس، سواء كان ذلك لأسباب اقتصادية أو جغرافية أو اجتماعية، سيبقون في العالم الحقيقي ما سيؤدي إلى تفاقم معدلات الاكتئاب في جميع أنحاء العالم.
في النهاية نحن أمام معضلة أخلاقية، فهل نريد أن نكون مبتكرين أم نعتني بصحتنا النفسية؟ يجب أن يهتم عالم ميتافيرس بمساعدة الناس على تقليل مستويات الشعور بالوحدة من خلال إعطائهم معنىً لوجودهم فيه حتى لو كان ذلك افتراضياً، بينما يجب أن تضع الحكومات استراتيجيات للقوانين الأخلاقية التي يجب أن يلتزم بها المواطنون الراغبون في المشاركة في تجربة شبكة الويب الثالثة. أخيراً؛ لطالما كانت حكومة الإمارات العربية المتحدة تتطلع إلى تعزيز رفاهية سكانها على الدوام، ومن ثم فإن الدخول إلى عالم ميتافيرس لن يكون استثناءً من القاعدة.