ما هو فرق التوقيت الاجتماعي؟ وكيف يتحكم في حالتك المزاجية؟

3 دقائق
فرق التوقيت الاجتماعي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: ما هي ظاهرة فرق التوقيت الاجتماعي التي تنتج من اختلال ساعات النوم بين أيام الأسبوع ونهايته؟ وما تأثيراتها العميقة في الصحة النفسية والبدنية؟

لم يعد مفهوم اضطراب النوم المرتبط بالرحلات الجوية الطويلة مقصوراً على السفر والتنقّل لمسافات طويلة، فقد باتت حالة معروفة باسم "فرق التوقيت الاجتماعي" تستحوذ على عدد كبير من الناس على نحو متزايد. ويوضّح الخبراء إنّها قد تكون مصدر اضطراب محتمَلاً لأنماط نومنا ورفاهيتنا عموماً. يكشف هذا المقال عن طبيعة تأثيرات هذه الظاهرة، ويقترح استراتيجيات فعّالة لاستعادة النوم المريح ومواءمة إيقاع ساعتنا البيولوجية.

ماذا يُقصد بفرق التوقيت الاجتماعي؟

يشير مصطلح "فرق التوقيت الاجتماعي" (Social Jet Lag) إلى الاختلال والتعب واضطراب النوم الذين يحدثون عندما تكون ساعتنا الداخلية أو إيقاع الساعة البيولوجية غير متزامن مع التزاماتنا الاجتماعية وروتيننا اليومي، وهو مصطلح صاغه الباحث وأستاذ علم الأحياء الزمني الألماني، تيل روينينبيرغ (Till Roennenberg) عام 2006.

وتحدث هذه الحالة عندما يضطّر الأشخاص إلى تعديل أنماط نومهم في أيام الأسبوع لتلبية متطلّبات العمل أو الدراسة أو الالتزامات الاجتماعية الأخرى، ثم تغييرها في عطلات نهاية الأسبوع لممارسة تفضيلاتهم الشخصية أو أنشطتهم الاجتماعية.

ويوضّح الأستاذ المساعد في الطب السريري من كلية الطب بجامعة جنوب كاليفورنيا، راج داسغوبتا (Raj Dasgupta)، إن مثل هذا النمط من النوم يعرضّ الأشخاص لخطر تأثيرات الحرمان المزمن من النوم الذي يمكن أن يزيد خطر إصابتهم بحالات طبية مثل السكري وأمراض القلب.

اقرأ أيضاً: ما تأثير اضطراب الساعة البيولوجية في صحتك النفسية؟ وكيف تعيد ضبطها؟ 

كيف يؤثّر فرق التوقيت الاجتماعي في صحتك؟

إيقاع الساعة البيولوجية هو دورة طبيعية مدتها 24 ساعة تنظم العمليات الفيزيولوجية المختلفة في الجسم؛ بما فيها أنماط النوم والاستيقاظ، وإنتاج الهرمونات، والتمثيل الغذائي. لذلك؛ يمكن أن يؤدّي عدم انتظام ساعات النوم إلى أضرار صحيّة ونفسية عميقة نذكر منها الآتي:

  • زيادة الوزن والإصابة بالأمراض المزمنة: تؤثّر التغيرات في إيقاع الساعة البيولوجية في الدورة الدموية، فتؤدّي إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وخطر الإصابة بالسمنة وداء السكري، لا سيما لدى المراهقين. إذ يؤثّر الإيقاع اليومي المضطرب في توقيت إفراز الهرمونات ونشاط الخلايا المناعية، ناهيك باحتمالية انخراط الأشخاص المتأثّرين بهذه الحالة في عادات سيئّة مثل تدخين السجائر واستهلاك الكافيين الزائد، وكلاهما يمكن أن يزيد اضطراب أنماط النوم.
  • الاكتئاب وتغيرات الحالة المزاجية والإدراك: وجدت دراسة أُجريت في 2021 أن الأفراد الذين لديهم جداول نوم غير منتظمة ودورات نوم غير متوازنة، لديهم احتمالية أكبر للإصابة بالاكتئاب والقلق مقارنة بأولئك الذين لديهم أنماط نوم ثابتة. وكشفت نتائج الدراسة كذلك أن تكرار التغييرات في جداول النوم ارتبط بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب بين المشاركين. كما يمكن أن تكون لفرق التوقيت الاجتماعي آثار سلبية في الأداء الأكاديمي، لا سيما بين المراهقين والشباب الذين هم أكثر عرضة لتأثيره؛ حيث تتداخل أنماط النوم المضطربة مع قدرتهم على تعلّم معلومات جديدة على نحو فعّال في البيئات التعليمية.

اقرأ أيضاً: 3 استراتيجيات فعالة لتتغلب على عمى الوقت وتلتزم بمواعيدك

فرق التوقيت الاجتماعي عند المراهقين

يمكن أن يؤثّر فرق التوقيت الاجتماعي في الأشخاص جميعهم؛ غير أنّ فئة المراهقين تعاني هذه المشكلة الشائعة على نحو أكبر نظراً لأنه المراهقين يميلون إلى النوم والاستيقاظ المتأخّر، وبخاصة في نهاية الأسبوع. وقد يبدو ذلك سلوكاً اعتيادياً بالنسبة لأيّ مراهق يعيش في زمن السوشيال ميديا وشتّى أنواع وسائل الترفيه الأخرى كما يؤكّد اختصاصي الطب الباطني وطب النوم، هادي جرادق؛ الذي يحذّر من أن قلّة النوم لدى هذه الفئة تؤدّي إلى ضعف النمو الجسدي والعقلي.

ويمكن أن تظهر آثار هذه الحالة خلال أيام الدراسة؛ إذ يجد المراهقون صعوبة كبيرة في الاستيقاظ والالتحاق بمدارسهم أو الحفاظ على التركيز في أثناء الحصص الدرسية، ناهيك بالشعور الدائم بالتعب والإرهاق حتّى خلال ساعات النهار. كما يمكن أن يلاحظ بعض الآباء تغيّرات في سلوكات أبنائهم من المراهقين، وظهور مشكلات صحية لديهم تخصّ المعدة مثل الإمساك أو الإسهال. وينصح الخبراء الآباء بالخطوات التالية لمساعدة أبنائهم على التغلّب على هذه المشكلة:

  • اجعل ابنك المراهق يستيقظ في الوقت نفسه كل يوم.
  • لا تدع ابنك المراهق يبقى نائماً، وشجّعه على أن يأوي إلى الفراش مبكّراً في إجازة نهاية الأسبوع.
  • وفّر له بيئة غرفة مساعدة على النوم.
  • حاور ابنك بشأن مشكلته.
  • طبّق ما تعِظُه به على نفسك أوّلاً.
  • أوقف تشغيل الأجهزة الإلكترونية على الأقل قبل 30 دقيقة من موعد النوم.
  • ميّز الفرق بين شعور ابنك بالتعب وسلوكات الكسل لديه.

نصائح مهمّة للتغلّب على مشكلة فرق التوقيت الاجتماعي

على الرغم من تحذيرات المختصين بشأن المخاطر المحتملة لاضطراب النوم والآثار الناتجة من فرق التوقيت الاجتماعي، فلِحُسن الحظ ثمّة خطوات بسيطة يمكن لأيّ شخصٍ اتخاذها بهدف تخفيف تأثيراته السلبية تدريجيّاً وإحداث توازن على مستوى حاجة الجسم إلى النوم والأنشطة اليومية. وتتمثّل أبرز هذه الخطوات في الآتي:

  1. نظافة النوم: يُقصد بالنوم النظيف أو نظافة النوم (Sleep Hygiene)؛ الحفاظ على مواعيد نوم ثابتة كلّ يوم بما يشمل إجازات نهاية الأسبوع، فقد أبلغ مشاركون في دراسة أُجريت عام 2019 عن مستويات نوم أفضل، واكتئاب وتوتّر أقلّ، وتحسّنٍ في توقيت ردود أفعالهم المعرفية، بعد أن حافظوا على أوقات نومهم واستيقاظهم في غضون 15 إلى 30 دقيقة من الوقت نفسه كل يوم.
  2. تغيير نمط الحياة: يساعد بعض الممارسات الإيجابية على تحسين إرهاق فرق التوقيت؛ ويتضمن ذلك تمرينات الاسترخاء لإدارة الإجهاد، والحد من تناول الكافيين صباحاً، وتجنُّب تناول الوجبات الثقيلة قبل النوم، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام.

اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن دين النوم وكيفية سداده

وأخيراً، إن التغيير المتكرّر لساعة جسمك الداخلية يؤدي إلى عواقب تطال صحتك النفسية والجسدية، فقد تزداد اضطرابات المزاج مع زيادة اضطرابات النوم، وترتفع مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية، وتضعف الوظيفة الإدراكية؛ غير أن الالتزام بنصائح الخبراء في تحديد أولويات جدول نوم ثابت والحفاظ على إيقاع يومي مستقرّ يساعد على الحفاظ على التوازن النفسي والبدني.

المحتوى محمي