ملخص: لا يمكن لأحد أن ينكر عيش معظمنا اليوم حياة ضاغطة تتكاثر مهامها ويقل فيها الوقت المتاح، وهذا يُشعرنا في نهاية المطاف بالتوتر الذي باستمراره يؤثر في صحة كل منا بصفة عامة وفي صحة قلوبنا بصفة خاصة، ومن ضمن ملامح هذا التأثير معاناة ارتفاع ضغط الدم، فما العلاقة بين صحتنا النفسية وضغط دم كلٍ منا؟ وكيف نديرها بأفضل طريقة ممكنة؟ يقدم لك هذا المقال الإجابة الوافية.
محتويات المقال
يوجد سؤال شائع معتاد يبادرك به الطبيب عندما تذهب إليه تشكو من آلام مفاجئة؛ وهو: كم بلغ قياس ضغط دمك في آخر مرة قسته فيها؟ إذ إن ارتفاع ضغط الدم يُحدث العديد من المشكلات الصحية التي تضر بحالة الجسم وتؤدي إلى اضطراب عمل أجهزته، وتُعد الحالة النفسية واحدة من أهم العوامل التي تسهم في ارتفاع ضغط الدم عندما تسوء.
للتوضيح أكثر فالعلاقة بين ضغط الدم والصحة النفسية متشابكة للغاية، فعندما نضطرب نفسياً غالباً ما يرتفع ضغط الدم. وعلى الجانب الآخر، عندما يرتفع ضغط الدم، تتراجع صحتنا النفسية بنسبة كبيرة، فما الذي يجعل العلاقة بهذا التعقيد؟ وكيف تمكننا إدارتها بأفضل صورة ممكنة؟ هذا ما سنتعرف إليه من خلال المقال.
كيف يمكن أن يؤدي سوء الصحة النفسية إلى ارتفاع ضغط الدم؟
يؤكد الطبيب النفسي طارق الحبيب إن الحالات النفسية الشديدة من أهم الأسباب المؤدية إلى ارتفاع ضغط الدم المفاجئ الذي يشكل عامل خطر أساسياً للإصابة بالأمراض القلبية والسكتات الدماغية، وحديث الحبيب تؤكده دراسة علمية أجرتها جامعة مالايا الماليزية (University Malaya) وتوصلت إلى وجود علاقة واضحة بين المرض النفسي وضغط الدم ومعدل ضربات القلب ودرجة الحرارة وانتظام التنفس.
وتشير الباحثة في الدراسة رينلي ليم (Renly Lim) إلى أنهم راجعوا 12 دراسة علمية أخرى أجريت على أشخاص يعانون القلق والاكتئاب ونوبات الهلع، ووجدوا أنه بغض النظر عن الفئة العمرية، فالمرض النفسي يرتبط بدرجة كبيرة بزيادة معدل تغير ضغط الدم على مدار اليوم.
يمكن رصد تفاصيل النتيجة السابقة في كون الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب والقلق والتوتر واضطراب ما بعد الصدمة لفترات طويلة تطرأ عليهم تغيرات فيزيولوجية؛ منها زيادة معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستوى هرمون التوتر (الكورتيزول)، وتؤدي التأثيرات السابقة بمرور الوقت إلى تراكم الكالسيوم في الشرايين وظهور أمراض القلب؛ وهو ما قد يتطور لاحقاً إلى الإصابة بقصور القلب والسكتات الدماغية والنوبات القلبية.
يتداخل هنا أيضاً عنصر مهم للغاية هو أن الإصابة بالاضطرابات النفسية مثل القلق أو الاكتئاب تزيد احتمالية وقوع الشخص في سلوكيات التكيف الضارة؛ مثل التدخين أو شرب الكحوليات أو عيش نمط حياة غير صحي؛ ما يجعله أكثر عرضة إلى معاناة ارتفاع ضغط الدم والإصابة بأمراض القلب.
لكن حتى نجعل الصورة أكثر وضوحاً ودقة، فالعلاقة بين سوء الحالة النفسية وارتفاع ضغط الدم تتوطد عندما تكون الاضطرابات النفسية مزمنة، فمثلاً إذا كان الفرد يعمل في وظيفة تتضمن التوتر على نحو يومي، ففي هذه الحالة، سيكون ارتفاع ضغط الدم نتيجة منطقية من جراء تعرضه إلى التوتر باستمرار؛ أما المواقف الضاغطة التي نمر بها بين الحين والآخر فغالباً لا تصل درجة خطورتها إلى التأثير في ضغط الدم على نحو مستمر إنما يكون تأثيرها مؤقتاً.
ويضيف الطبيب شيلدون شيبس (Sheldon Sheps) بعداً مهماً وهو أن مضادات الاكتئاب التي يصفها الأطباء النفسيون لعلاج الاكتئاب أو القلق؛ مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنورإبينفرين (SNRIs) واحد من أهم آثارها الجانبية ارتفاع ضغط الدم ما يجعل المريض النفسي أكثر عرضة إلى الإصابة به عن غيره.
ما العلاقة بين ضغط الدم المرتفع وتراجع الصحة النفسية؟
يؤكد أستاذ علم الأوبئة في جامعة بوسطن الأميركية (Boston University)، ميريل إلياس (Merrill Elias)، إن معاناة ارتفاع ضغط الدم تؤثر في صحة القلب وسلامة الأوعية الدموية؛ ما يؤدي تباعاً إلى التأثير في الوظائف المعرفية، فتقل القدرة على الانتباه والتعلم وتتراجع قوة الذاكرة وتضعف مهارة اتخاذ القرارات، بالإضافة إلى أن ارتفاع ضغط الدم قد يُحدث سكتات دماغية صغيرة تمر دون ملاحظتها لكنها فعلياً تقلل قدرة الدماغ على العمل.
كما أن ارتفاع ضغط الدم باستمرار يمكن أن يجعل الشخص خائفاً وقلقاً من تأثير ذلك في صحته الجسدية وسلامته؛ ما يجعله يعيش حالة نفسية سيئة تتعقد في حال عدم نجاحه في السيطرة على معدل ضغط دمه على الرغم من بذلك الجهد لتحقيق ذلك.
7 نصائح عملية للمحافظة على معدل ضغط دم صحي
على الرغم من تعقد العلاقة بين الصحة النفسية وضغط الدم، فإنه يوجد بعض النصائح الفعالة التي يمكن باتباعها جعلها أكثر اتزاناً؛ أهمها:
1. التزم بنمط حياة صحي
يشمل ذلك النوم الجيد وممارسة الرياضة بانتظام وتناول الأطعمة الصحية وتقليل العادات السيئة قدر الإمكان، فالحياة الصحية تعزز صحتك النفسية وتقلل احتمالية إصابتك بأمراض القلب.
2. خصّص وقتاً للاسترخاء
يوجد العديد من الأنشطة التي تمكنك ممارستها في هذا الوقت مثل تمارين التنفس والتأمل واليوغا، وجميعها ستخفف من توترك وتزيد جودة نومك.
3. تعلم كيفية إدارة حياتك ووقتك
شعور خروج الأمور عن السيطرة مرهق نفسياً للغاية ويجعلك تشعر بالقلق لا محالة، وهذا التأثير سيمس ضغط دمك؛ لذا خذ خطوات استباقية وتعلم مهارات إدارة وقتك ومهامك حتى تقلل توترك إلى الحد الأدنى.
4. شاهد الأفلام الكوميدية
يؤكد المختص النفسي عبد الله آل دربا إن الفكاهة التي تتضمنها الأفلام الكوميدية تؤدي إلى تحسين الحالة النفسية وتوسيع الشرايين وخفض ضغط الدم، كما أنها تقلل الضغط العصبي وتزيد قدرة الجسم على محاربة الأمراض.
5. لا تُحمل نفسك ما لا تستطيع
أود أن أخبرك بمعلومة بديهية لكنها ضرورية؛ وهي أنه لا يمكنك التحكم في تصرفات الآخرين لكن إلى حد كبير يمكنك التحكم في ردود أفعالك؛ لذا فالأولى أن تركز على معالجة مشكلاتك وتنحي الأمور الخارجة عن سيطرتك جانباً حتى تنعم بحياة أهدأ.
6. ابحث عن العلاقات الصحية
يساعدك قضاء الوقت مع من تحب على أن تشعر بالسعادة والرضا عن نفسك، ويجنبك أيضاً التكلفة الباهظة للوحدة المؤذية لصحتك الجسدية والنفسية.
7. لا تتردد في طلب استشارة المعالج النفسي
عندما تشعر أن حالتك أصبحت سيئة إلى درجة أنه لا يمكنك إيجاد حلول فعالة لمشكلاتك، ففي هذا الوقت لا تتوانى عن الذهاب إلى المعالج النفسي ليساعدك على تحديد الأسباب الحقيقية ومن ثم يضع لك الحلول المجدية.