ملخص: تختلط الاتجاهات على الكثير من الأشخاص فتراهم يمشون في دوائر ويكررونها 15 مرة قبل أن يصلوا إلى وجهتهم في حين أنه كان بإمكانهم الوصول إليها بمجرد السير في خط مستقيم، وهذا ما يُسمى ضعف الإحساس بالاتجاه. وتقول المختصة النفسية والعصبية بياتريس ميليتر (Béatrice Millêtre): "ليس الإحساس بالاتجاه مشابهاً لطبيعة حواسنا الخمس؛ بل هو مجموعة من المعلومات التي يعالجها الدماغ".
الإحساس بالاتجاه هو قدرة المرء على معرفة موقعه والوصول إلى وجهته بسرعة وكفاءة دون أن يضيّع طريقه، الأمر الذي يبدو صعباً للغاية بالنسبة إلى البعض، فما السبب؟ وهل تخص هذه المشكلة النساء فعلاً؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟
ما أسباب ضعف الإحساس بالاتجاه؟
تقول سوسن ذات الـ 24 عاماً: "أضيّع الكثير من الوقت دائماً وأنا أحاول العثور على سيارتي حينما أركنها في نقطة لا تبعد عني أكثر من شارعين، فالجادات والساحات والاتجاهات كلها تختلط في رأسي". كحال سوسن؛ تختلط الاتجاهات على الكثير من الأشخاص فتراهم يمشون في دوائر ويكررونها 15 مرة قبل أن يصلوا إلى وجهتهم في حين أنه كان بإمكانهم الوصول إليها بمجرد السير في خط مستقيم، وهذا ما يُسمى ضعف الإحساس بالاتجاه. وتقول المختصة النفسية والعصبية بياتريس ميليتر (Béatrice Millêtre): "ليس الإحساس بالاتجاه مشابهاً لطبيعة حواسنا الخمس؛ بل هو مجموعة من المعلومات التي يعالجها الدماغ".
النصف الأيمن من الدماغ والإحساس بالاتجاه
أظهر استطلاع أن 50% من النساء يعتقدن أن الإحساس بالاتجاه لديهن معدوم أو ضئيل، في حين قال 85% من الرجال إنهم راضون عن قدرة التوجيه المكاني لديهم (مسح أُجري لصالح شركة بوكسباي (Boxby) البريطانية في مارس/آذار عام 2010). ويوضح معالج الغشطالت سيرج جينجر (Serge Ginger): "يشارك هرمون التستوستيرون في تكوين النصف الأيمن من الدماغ المسؤول عن المنطق المكاني، ومن ثم فحتى لو كان الرجال يتمتعون بذاكرة بصرية أضعف مقارنةً بالنساء فإن لديهم "شعوراً داخلياً" يساعدهم على إيجاد طريقهم". من جهتها ترفض بياتريس ميليتر هذا التمييز؛ إذ تقول: "في الواقع، يميل البعض إلى استخدام نصف دماغه الأيمن أكثر وهو مركز المهارات المكانية والإبداع، في حين يستخدم البعض الآخر النصف الأيسر أكثر وهو مركز المعرفة المتسلسلة والكلام؛ لكن ذلك لا يتعلق مطلقاً بالنوع الاجتماعي". أما الطبيب النفسي دومينيك دلما (Dominique Delmas) فيرى أن الإحساس بالاتجاه يمثل منعكساً بُدائياً ويقول: "في الحياة البُدائية، كانت مطاردة الفرائس مهمة الرجل ومن ثم كان عليه الابتعاد وتحديد اتجاهاته ليتمكن من العودة، في حين أن المرأة كانت تبقى في المنزل".
الغريزة الداخلية والإحساس بالاتجاه
تقول بياتريس ميليتر: "الإحساس بالاتجاه ليس معرفة كيفية قراءة الخريطة". نستخدم الإحساس بالاتجاه خلال المشي؛ حيث نرى مكاناً من بعيد فنقدّر أنه سيتعين علينا الانتقال مرة إلى اليسار ومرة إلى اليمين للوصول إليه. وتتابع المختصة النفسية والعصبية: "يأتي الإحساس بالاتجاه من اتباع الغريزة الداخلية؛ ولكي يثق المرء بها فإن عليه الاستماع إليها أولاً، ويتطلب ذلك منه التحلي بالثقة بالنفس التي قد يفتقر إليها بسبب مخاوفه أو تحكم والديه المفرط فيه خلال مرحلة الطفولة وسيطرتهما عليه".
عدم الرغبة في التعرف إلى أماكن محددة
تقول لبنى ذات الـ 34 عاماً: "أعثر على الاتجاهات بسهولة في مدينتي باستثناء مناطق معينة حيث قضيت فترة مراهقتي على سبيل المثال". في كتابه "البحث عن الوقت الضائع" (recherche du temps perdu)، يتحدث مارسيل بروست (Marcel Proust) عن العواطف القوية التي يمكن أن ترتبط بأسماء بعض الأماكن، ويقول دومينيك دلما: "يمثل نسيان معالم أماكن كانت معروفة بالنسبة إلى المرء ظهور مشاعر مكبوتة في نفسه عندما يواجه دلالة معينة ألا وهي اسم المكان المعنيّ، فدون أن يعي، قد يحذف من ذهنه الأماكن التي ارتبطت بلحظات مؤلمة في حياته، ولذلك حين يضيع اتجاهاته فيها فإنه يعبر عن رغبته في عدم التعرف إليها".
كيف تتعامل مع ضعف الإحساس بالاتجاه؟
1. لا تضخّم المسألة
يقول الطبيب النفسي دومينيك ديلما: "لأنها لا تسبب معاناة شديدة لصاحبها فإن مشكلة عدم الإحساس بالاتجاه تُثار غالباً بروح الدعابة"، وهذا مفيد لأن عدم إعطاء المشكلة أكبر من حجمها يساعد في التغلب عليها، حتى أن صعوبة التوجيه المكاني يمكن أن تمثل فرصة، فهي تسمح لك بالتنزه والانتباه أكثر إلى البيئة المحيطة بك.
2. لا تستخدم نظام تحديد المواقع
قد تظن أن استخدام نظام تحديد المواقع يمكن أن يساعدك ولكن المعالجة النفسية وعالمة البيولوجيا العصبية بياتريس ميليتر تقول: "يعوق نظام تحديد المواقع تطور إحساس التوجيه لدينا". ويوضح معالج الغشطالت سيرج جينجر إن تحديد الاتجاهات دون الاستعانة بنظام تحديد المواقع يوقظ ما يسميه "البوصلة الداخلية" لدينا، وباختصار يعيدنا إلى الغريزة الداخلية التي نتمتع بها جميعاً والتي أخمدتها التكنولوجيا.
3. مارِس النشاطات التي تحسّن الإحساس بالاتجاه
يقول سيرج جينجر: "يسرع المرح عملية التعلّم"، ولهذا فإن ألعاب المضمار أو سباقات التوجيه الجماعية هي طرائق فعالة لتعزيز الإحساس بالاتجاه. وتقترح بياتريس ميليتر تمريناً آخر: "قبل أن تغادر المنزل، تصوَّر على الخريطة حدود المنطقة التي تود الذهاب إليها ولا تأخذ الخريطة معك، وكلما تقدمت يمكنك توسيع الحدود التي تصورتها وكأنك توسع ساحة اللعب الخاصة بك".
الحل الذي ابتكرته هيفاء لتعزز إحساسها بالاتجاه
تقول هيفاء ذات الـ 38 عاماً وهي صاحبة متجر: "لسنوات، لم أكن قادرةً على تصور الشوارع الثلاثة التي تفصل بين عملي ومحطة المترو في ذهني، وفي إحدى المرات اشتريت دفتر مذكرات وسميته "دفتر أسماء الأماكن"، وكنت كلما رأيت مَعلَماً جميلاً أسجل اسمه واسم الشارع الموجود فيه في هذا الدفتر، وفي كل مرة كنت أضيع فيها طريقي أفتح دفتري لأستعين به، وعلى هذا النحو صرت أعرف الكثير من الأماكن الخفية في المدينة، حتى أن بعض أصدقائي ينسخ صفحات الدفتر ليستعين بها عند تنظيم جولات المشي".