ملخص: هل مررت بضائقة مالية من قبل؟ بماذا شعرت حينها؟ لا بد أنك كنت في حالة نفسية سيئة، والحقيقة أننا جميعاً قد نمر بضغوط مالية، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي العالمي الراهن. وفي سياق متصل، توصلت دراسة حديثة إلى نتيجة مفادها أن الضغوط المالية تؤثر في صحتك أكثر من الحزن، فما قصة هذه الدراسة؟ الإجابة يتضمنها هذا المقال.
محتويات المقال
هل تشعر بالإرهاق والتوتر بسبب الضغوط المالية؟ إذا كان الأمر كذلك فأنت لست وحدك؛ حيث أضحى يتعين على الكثير منا التعامل مع الضغوط المالية وعدم اليقين الاقتصادي في هذا الوقت العصيب. وسواء كانت مشكلاتك نابعة من فقدان العمل، أو زيادة الديون، أو النفقات غير المتوقعة، فالضغط المالي هو أحد أكثر الضغوط شيوعاً في الحياة الحديثة، ليس فقط بسبب تأثيره في مسار حياتك اليومية؛ لكن لأنه يؤثر تأثيراً مباشراً في صحتك النفسية؛ حيث توصلت دراسة حديثة أجراها باحثون في كلية كينغز لندن (King's College London) ونُشرت في يناير/كانون الثاني 2024 إلى نتيجة مفادها أن الضغوط المالية يمكن أن تؤثر في صحتك النفسية أكثر من الحزن، وإليك تفاصيل علاقة الضغوط المالية بالصحة النفسية من خلال هذا المقال.
ما الضغوط المالية؟
الضغط المالي هو حالة من التوتر والقلق المرتبطَين بالمال، فإذا كنت تجد صعوبة في تغطية نفقاتك الحالية أو كنت قلقاً بشأن أموالك الحالية أو المستقبلية، فأنت تعاني الضغط المالي الذي ينقسم إلى:
- صعوبات مالية: وذلك حين لا تكون لديك أموال من أجل تغطية نفقاتك الأساسية؛ مثل شراء المواد الغذائية، ودفع الفواتير الدورية، والحصول على الرعاية الصحية.
- تصورات سلبية حول وضعك المالي الحالي والمستقبلي: تحدث هذه الحالة حين تكون أموالك تغطي نفقاتك؛ لكنك تشعر بالقلق والخوف من الأوضاع الاقتصادية العامة؛ ما يؤدي إلى معاناتك القلق والضيق.
ويمكن أن يواجه أحد الأشخاص صعوبة في تغطية نفقاته ويرى ذلك على أنه مقبول، ولا يشعر بالقلق المفرط؛ في حين قد يكون شخص ما آمناً مالياً على نحو معقول ولكنه ما يزال يشعر بالتوتر الشديد بشأن موارده المالية.
وعادة ما يعاني الأشخاص ذوو الدخل المنخفض الضغوط المالية بسبب عدم كسب ما يكفي من المال، أو بسبب وظائفهم التي تفتقر إلى المرونة، وعلى الرغم من أنهم قد يعملون في بيئات غير آمنة، فإنهم يخشون ترك وظائفهم؛ لأنهم لن يتمكنوا من إعالة أنفسهم مالياً في أثناء بحثهم عن وظيفة أخرى.
يُذكر أن الضغوط المالية يمكن أن تتحول إلى مشكلة كبرى إذا عطّلت حياتك اليومية. على سبيل المثال؛ قد تجد أنك لا تستطيع التركيز على أجزاء أخرى من حياتك أو الاستمتاع بها؛ لأن التوتر المرتبط بالمال يسبب لك القلق الشديد.
اقرأ أيضاً: ما تأثير الصدمات المالية في صحتك النفسية؟ وكيف تتعامل معها؟
8 أعراض للضغوط المالية
من الطبيعي أن نشعر بالقلق بشأن المال بين الحين والآخر؛ لكن في بعض الأحيان، يؤدي هذا القلق إلى تراجع جودة حيواتنا وقدرة كل منا على العمل. إذا كنت تعاني بعض العلامات التالية، فقد يعني ذلك أن الضغوط المالية بدأت تؤثر في صحتك على نحو ملحوظ:
- الشعور المستمر بالقلق والإرهاق بسبب وضعك المالي.
- الإحساس باليأس وعدم القيمة.
- تجنب المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والتواصل مع الدائنين.
- إلغاء الخطط الاجتماعية وتجنب الأصدقاء بسبب الشعور بالإحراج والخجل.
- الغضب أو الانزعاج من الأشخاص الذين يشاركون في شؤونك المالية؛ مثل أحد أفراد العائلة الذين تشارك معهم الفواتير أو مدير العمل الذي يحدد زيادة راتبك.
- تجنب القرارات أو المعاملات المالية؛ مثل إجراء عمليات شراء، أو دفع الفواتير، أو التحقق من رصيدك البنكي.
- تسارع ضربات القلب أو الأعراض الجسدية الأخرى؛ مثل الصداع وآلام المعدة، عند التفكير في الأمور المالية.
- ظهور اضطرابات النوم.
ما أكثر السلوكيات المالية إضراراً بالصحة النفسية؟
يمكن أن تحدث الضغوط المالية بسبب العديد من العوامل؛ مثل تدني الوضع الاجتماعي والاقتصادي، والبطالة، ونقص التعليم، وعدم المساواة في الدخل. وفي حين أن بعض السلوكيات يمكن أن تسبب ضغوطاً مالية ونفسية مؤقتة؛ مثل ارتفاع الإيجار والقروض، فإن عوامل مثل عدم المساواة في الدخل وفجوات الفرص يمكن أن تؤدي إلى قلق مزمن واكتئاب مستمر، وفيما يلي أكثر السلوكيات المالية إضراراً بالصحة النفسية:
- إدمان التسوق: يُعرف إدمان التسوق بأنه الرغبة في إنفاق المال على الشراء، على الرغم من العواقب الضارة مثل المشكلات والضغوط المالية، وغالباً ما يشتري الشخص المدمن على التسوق أشياء لا يريدها أو يحتاج إليها؛ لكنه مع ذلك ينخرط في عملية الشراء كوسيلة للشعور بالرضا وتجنب المشاعر السلبية مثل القلق والاكتئاب. ويضر إدمان التسوق بالصحة النفسية على نحو كبير؛ حيث يسبب القلق والشعور بالذنب وتدني احترام الذات.
- استئجار السكن: هناك علاقة قوية بين السكن والصحة النفسية؛ فكونك بلا مأوى أو تواجه تحديات في المكان الذي تعيش فيه مثل تكلفة الإيجار أو وجودك مع أشخاص غير مألوفين أو العيش في مكان صاخب ومزدحم وغير مريح يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بصحتك النفسية.
ووفقاً لاستطلاع أجرته شركة هاريس الأميركية لاستطلاعات الرأي (Harris Insights & Analytics)؛ تَبين أن المستأجرين يشعرون بالقلق أكثر من ممتلكي المنازل، ففي الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الإيجار بالنسبة إلى المستأجرين، يشهد معظم أصحاب المنازل ارتفاع قيمة منازلهم.
- القروض: تؤثر الديون بشدة في صحتك النفسية؛ فهي تسبب التوتر والقلق والاكتئاب ويمكن أن تؤثر في عملية اتخاذ القرار، وتعزلك عن الآخرين، علاوة على أن التفكير المفرط في القروض وكيفية سدادها يسبب الإجهاد واضطرابات النوم وانخفاض احترام الذات، خاصة إذا كانت قد أدت إلى عرقلة قدرتك على الادخار أو دفع الفواتير وشراء الحاجات الأساسية.
- الشراء بالتقسيط: يُعد الوقوع في إغراء الشراء بالتقسيط من الأمور المنتشرة للغاية في الوقت الراهن، خاصة بسبب الرسائل الإعلانية التي نتلقاها على الدوام؛ والتي تخبرنا بأننا سنكون أفضل ومحبوبين جديرين بالثقة والنجاح إذا اشترينا أحدث صيحات الملابس أو أفضل مستلزمات العناية الشخصية.
وتكمن جاذبية فكرة الشراء بالتقسيط في الحصول على السعادة والإشباع الفوري قبل دفع المبلغ بالكامل؛ لكن الحقيقة هي أن الشراء بالتقسيط يمكن أن يضر بصحتك النفسية على نحو كبير؛ ففي حال تأخرك عن السداد، ستكون هناك غرامة تأخير؛ ومن ثَمَّ ديون مركبة؛ الأمر الذي سيتسبب في شعورك بالقلق والتوتر والإجهاد، إلى جانب ظهور صراع العلاقات مع الوالدين أو شريك الحياة بسبب الضغوط المالية.
ما تأثير الضغوط المالية في صحتك النفسية؟
توصلت دراسة بحثية أجراها باحثون في كلية كينغز لندن (King's College London) ونُشرت في يناير/كانون الثاني 2024 إلى نتيجة مفادها أن الضغوط المالية يمكن أن تؤثر في صحتك أكثر من الحزن، وشملت العينة البحثية للدراسة ما يقرب من 5,000 شخص فوق سن الخمسين، ومن بين الضغوط الستة الشائعة التي سُئل عنها المشاركون في الدراسة؛ وهي: الضغوط المالية، والإعاقة، والحزن الشديد، والمرض، والطلاق، كانت الضغوط المالية الأكثر خطورة على المدى الطويل.
وارتكزت عملية تحليل مخاطر الضغوط في هذه الدراسة على 4 مؤشرات حيوية في الدم: الكورتيزول؛ وهو هرمون يُنتَج استجابةً إلى الإجهاد، وبروتين سي التفاعلي (C-reactive protein) والفيبرينوجين (Fibrinogen)؛ وهما من العناصر المناعية التي تستجيب إلى الالتهابات، وعامل النمو المشابه للأنسولين (IGF-1) الذي يرتبط بالشيخوخة وطول العمر، وقد تَبين من الدراسة أن الأشخاص الذين تعرضوا إلى الضغوط المالية كانوا أكثر عرضة بنسبة 60% إلى تدهور المؤشرات الحيوية الأربعة.
في هذا السياق، تؤكد أستاذة علم الأوبئة في جامعة كاليفورنيا (The University of California)، أوديسا هاميلتون (Odessa Hamilton)، إن الضغوط المالية أكثراً ضرراً بصحة الأفراد؛ وذلك لأن هذا النوع من الضغوط يؤدي إلى التوتر ويؤثر بشدة في مناحي الحياة كافةً؛ حيث يمكن أن يسبب المشكلات الأسرية والرفض الاجتماعي، وحتى الجوع أو التشرد.
علاوة على أن التوتر يؤدي إلى مشكلات صحية طويلة المدى؛ حيث له تأثير كبير في شيخوخة الجسم، ومن المعروف أن الإجهاد الحاد الناجم عن الضغط المالي يؤدي إلى سلسلة من التغيرات الهرمونية في الجسم، هذا بالإضافة إلى زيادة معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم. ويستجيب الجهاز المناعي أيضاً عن طريق إنتاج المزيد من الجزيئات المسببة للالتهابات. ويمكن أن تؤدي الضغوط المالية أيضاً إلى:
- الأرق وصعوبات النوم: فلا يوجد شيء سيُبقيك متقلباً في أثناء الليل أكثر من القلق بشأن الفواتير غير المدفوعة أو التأخر في سداد الإيجار. وفي هذا السياق، توضح المختصة النفسية حليمة أبو حطب إن الأزمات المالية تزيد اضطرابات النوم.
- الاكتئاب: يمكن أن يجعل العيش بصحبة المشكلات والصعوبات المالية أي شخص يشعر بالإحباط واليأس، ويعاني من أجل التركيز أو اتخاذ القرارات.
- الانسحاب الاجتماعي: يمكن للضغوط المالية أن تدفعك إلى الانسحاب بعيداً عن الأصدقاء، وتقليص حياتك الاجتماعية؛ الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم التوتر لديك.
- أساليب التكيف غير الصحية: وأهمها التدخين أو تعاطي المخدرات أو شرب الكحوليات، أو الإفراط في تناول الطعام، بالإضافة إلى التفكير في الانتحار.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر ضغوطك المالية في علاقتك الزوجية؟وماذا تفعل للحد منها؟
كيف تتعامل مع الضغوط المالية؟
بغض النظر عن سوء وضعك المالي في هذه اللحظة، فهناك حتماً طريقة للخروج منه، ويمكن أن تساعدك هذه الاستراتيجيات على كسر الحلقة المفرغة، وتخفيف الضغط الناتج من المشكلات المالية، والعثور على الاستقرار مرة أخرى؛ وأهمها:
- اكتشف سبب ضغطك المالي: ابدأ بتحديد المصادر الرئيسة للضغط المالي؛ وأهمها:
- عدم القدرة على دفع الفواتير.
- كثرة الديون.
- فقدان الوظيفة.
- التسوق المفرط.
- اجرد أموالك: إذا كنت تكافح من أجل تغطية نفقاتك، فقد تعتقد أنه يمكنك تخفيف التوتر عن طريق تجنب فتح الفواتير، أو عدم الرد على المكالمات الهاتفية من الدائنين، أو تجاهل بيانات البنك وبطاقات الائتمان؛ لكن إنكار حقيقة سوء وضعك سيؤدي إلى تفاقم الأمر على المدى الطويل. لذلك؛ الخطوة الأولى لوضع خطة لحل مشكلات المالية هي جرد دخلك وديونك وإنفاقك على مدار شهر واحد على الأقل.
- تتبع النفقات الخاصة بك: هل يدفعك الملل أو معاناة يوم مرهق في العمل إلى التوجه إلى المركز التجاري أو التسوق عبر الإنترنت؟ هل تشتري قهوة باهظة الثمن في طريقك إلى العمل كل يوم؟ إذا كنت تريد التوقف عن القلق بشأن المال فعليك تغيير علاقتك بالمال عن طريق تتبع نفقاتك الصغيرة منها والكبيرة، فمن خلال هذا التتبع ستعرف أين تذهب أموالك.
- توقع ما هو غير متوقع: ليست هناك طريقة لتجنب الصعوبات التي تفرضها عليك الحياة، سواء كان ذلك فقدان وظيفة، أو نفقات رعاية صحية غير متوقعة. ويمكن لهذه النفقات أن تؤثر في ميزانتيك المالية إذا لم تكن مستعداً لها؛ لهذا عليك دائماً إنشاء صندوق للطوارئ والاستعداد للأمور غير المتوقعة كلها.
- كُن لطيفاً مع نفسك: تذكر في أثناء مراجعتك لعادات ديونك وإنفاقك أنّ أي شخص يمكن أن يواجه صعوباتٍ وضغوطاً مالية، خاصة في مثل هذه الأوقات. لا تستخدم هذا كذريعة لمعاقبة نفسك على أي أخطاء مالية متصورة؛ امنح نفسك فترة راحة وركز على الجوانب التي يمكنك التحكم فيها بينما تتطلع إلى المضي قدماً.
- احصل على الدعم من الأصدقاء والمقربين: نفضل حين نمر بالضغوط والمشكلات المالية الانسحاب من التجمعات العائلية ولقاءات الأصدقاء؛ ننزوي في ركن خاص ونرفض التحدث مع أحد بسبب الشعور باليأس والثقل والخجل والإحراج. لكن في هذه المرحلة، علينا الاعتراف بأننا في حاجة إلى المساعدة، ومجرد وجود الآخرين حولنا لتقديم الدعم العاطفي يمكن أن يساعدنا على تقليل الشعور بالوحدة. وفي مواقف أخرى، قد يتمكن كل من الأصدقاء وأفراد العائلة من المساعدة على تقديم النصائح العملية أو مساعدتك في حل المشكلات، خاصة إذا كانوا في موقف مماثل من قبل. تذكر أن الضغوط المالية شائعة؛ لذا فمن المحتمل جداً أن يكون أحد الأشخاص في دائرتك قد مر بموقف مماثل من قبل وستكون لديه أفكار أو على الأقل مساعدة ليقدمها.
- حدد ميزانية للإنفاق والتزم بها: يمكنك تحقيق ذلك عن طريق تحديد ميزانية يومية أو أسبوعية أو شهرية. يحب بعض الأشخاص تقسيم الميزانية إلى فئات؛ بينما قد يفضل البعض الآخر وجود ميزانية شهرية شاملة. جرّب لتصل إلى ما هو الأفضل بالنسبة إليك، وكُن طموحاً في خفض إنفاقك؛ ولكن لا تنسَ أن تكون واقعياً أيضاً، وتذكر أن التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها؛ ولكن إذا التزمت به، فسترى تحسينات بمرور الوقت.