في حين لم تخرج جوائز الأوسكار عن التوقعات هذا العام؛ إلا أن الأنظار اتجهت للحفل الكبير، وأصبح حديث الملايين على وسائل التواصل الاجتماعي نتيجة رد فعل الفنان الأميركي الشهير "ويل سميث" بصفع مقدم الحفل "كريس روك" بعد مزحة الأخير حول رأس زوجة سميث الحليق.
صعد سميث على المسرح ليصفع مقدم الحفل، ثم عاد إلى مكانه ليوجه له عبارات بعدم التندُّر بزوجته، ليصمت الجميع لعدم معرفة سبب رد الفعل ذاك. ثم يأتي خطاب تسلُّم سميث للجائزة ليفك حل اللغز حول سبب رد فعله الذي رآه الكثيرون مُبالَغاً فيها.
الثأر للبقاء عاجزاً خلال الطفولة
ظل سميث مكتوف الأيدي تجاه ما تتعرّض له والدته من عنف على يد والده، لينشأ ذلك الطفل وهو يحمل بداخله غضباً شديداً لعدم قدرته على الدفاع عنها حينها، واستمر ذلك الغضب بداخله حبيساً - ذلك ما ورد في سيرته الذاتية التي نُشرت العام الماضي.
يقول سميث في سيرته الذاتية: "عندما كنت في التاسعة من عمري، شاهدت والدي يضرب أمي على جانب رأسها بقوة لدرجة أنها انهارت. رأيت دمها يسيل".
ويضيف أن تلك اللحظة -أكثر من أي لحظة أخرى- قد شكّلَت شخصيته، وحدَّدَت الرجل الذي أصبح عليه. كما أنه ضمن كل الأدوار التي قدّمها منذ ذلك الحين، والجوائز والأوسمة التي حصل عليها، كانت هناك سلسلة من الاعتذارات الدقيقة لأمه عن تقاعسه عن اتخاذ رد فعل مناسب لحمايتها في ذلك اليوم، لأنه جبان.
وأن ذلك النجم الذي نجح في رسم صورته أمام العالم أجمع، هو إلى حد كبير شخصية مُتقَنَة الصُنع، ومصمَّمَة لحماية نفسه، وإخفاء ذلك الجبان بداخله.
التعرُّض للعنف في الطفولة ومشاكل السلوك
تشير العديد من الدراسات إلى التأثير القوي للتعرُّض للعنف خلال مرحلة الطفولة والتأثير السلبي على السلوك في المراحل العمرية اللاحقة.
أوضحت دراسة من جامعة "نوتردام" أن مشاهدة الطفل للعنف والإيذاء قبل سن العاشرة تتنبأ بالسلوكيات العنيفة لاحقاً. كما يرتبط التعرُّض للعنف باستمرار بالسلوك المعادي للمجتمع بين الشباب، وصعوبة التفاعل مع الأقران؛ ما يتنبَّأ بقصور شديد في المهارات الاجتماعية.
كما أن السلوك العنيف بين المراهقين الذين تعرَّضوا لمستويات عالية من العنف المنزلي، يكون أعلى بثلاث مرات بالنسبة للفتيات ومرتين للصبيان، مقارنة بالمراهقين الذين نشؤوا في منازل منخفضة العنف.
التعرُّض للعنف وصعوبة اتخاذ القرارات
أوضحت مراجعة قام بها باحثون من جامعات بولونيا وهارفارد وجنيف، للدراسات حول تأثير التعرُّض للعنف وزيادة احتمالية عدم القدرة على اتخاذ القرارات اللازمة للسلوك الأخلاقي؛ مثل التعاطف مع الآخرين، والقدرة على التحكُّم في الانفعالات، إلى وجود رابط مهم بينهما.
كما يمكن أن يكون اتخاذ القرار الأخلاقي غير السليم في حد ذاته عاملاً يزيد من احتمالية تكرار العنف، فالأفراد الذين يفتقرون إلى القدرات العاطفية والمعرفية مثل التفاهم، والقدرة على التواصل مع مشاعر الآخرين، وضعف السيطرة على مشاعرهم الشخصية، تصبح أفعالهم وردود أفعالهم أكثر عنفاً.
مشكلات أخرى مرتبطة بالتعرُّض للعنف
وفقاً لموقع "أطفال أصحّاء" (Healthy Children)؛ تختلف استجابات الأطفال عندما يتعرّضون لحدث صادم. في حين يخاف بعض الأطفال ويلجؤون للبقاء بالمنزل كوسيلة للحماية، فقد يصبح آخرون أكثر عدوانيةً وعنفاً مع غيرهم؛ حيث يجدون في ذلك الطريقة المثلى لحل النزاعات استكمالاً لسلسة العنف التي يتعرّضون لها، مع شعور أقل بالتعاطف مع آلام وضيق الآخرين.
تتجلّى المشكلات الناتجة عن التعرُّض للعنف في:
- مشكلات سلوكية ونفسية وجسدية.
- فشل أكاديمي.
- تناول المشروبات الكحولية وتعاطي المواد المخدرة.
- الأفعال المتهوِّرة التي قد تصل لارتكاب جريمة.
بالإضافة إلى ذلك، فغالباً ما يعاني الأطفال الذين يتعرَّضون للعنف بشكل متكرر من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، ويستعيدون تلك الأحداث الصادمة مراراً وتكراراً في أذهانهم، ويكونون أقل قدرة على النجاح في حياتهم.
كيف يمكن التغلُّب على آثار العنف المنزلي؟
وفقاً لكريستين هاموند (Christine Hammond) الكاتبة لصالح موقع "سايك سنترال" (Psyche Central)؛ يمكن التغلُّب على الآثار النفسية للعنف المنزلي بعدة طرق مثل:
- الحفاظ على السلامة أولاً: تبدأ عملية الشفاء من جرح العنف الأسري عندما يكون المعتدى عليه في النهاية بعيداً عن المعتدي. لذلك، فقد يستغرق الأمر بعض الوقت من التخطيط والإعداد قبل أن تصبح حقيقة.
- استقرار البيئة: يحتاج الناجي من العنف إلى فترة راحة للتكيُّف مع الوضع الطبيعي الجديد قبل بدء العلاج.
- دعم دون قيد أو شرط: قد يكون ذلك الدعم من المحيط الأسري أو الأصدقاء الذين يهتمون بالأمر.
- تبادل الخبرات: إحدى أكثر الخطوات المفيدة للتعافي من سوء المعاملة والعنف بجميع أنواعه هي إيجاد مجموعة دعم مع ناجين تعرضوا لتجارب مشابهة. تتيح هذه التجربة المشتركة لأي شخص أن يدرك أنه ليس بمفرده في تعرُّضه للعنف.
- التئام الجرح: قد يحدث ذلك من خلال إعادة كتابة الحوار الداخلي حول الأحداث المسيئة التي حدثت. يساعد ذلك في رؤية الموضوع بصورة أكثر موضوعية.
- وضع المعايير: قد يشمل ذلك تحديد ما هو السلوك المقبول وما لا يمكن قبوله باعتباره انتهاكاً للخصوصية في التعامل مع الآخرين. سيساعد ذلك في تقليل الخوف من الدخول في علاقات أخرى.
وأخيراً؛ لا تأتي ردود الأفعال من فراغ. قد يكمن السبب ورائها وجود حدث قديم أثّر في الفرد بدرجة كبيرة رغم غياب كل معالمه الملموسة لكنه ظل عالقاً في ذاكرة الفرد، فيتحوَّل من غضب داخلي وشعور بالضعف والانكسار إلى "صفعة" تصبح حديث الملايين.