لماذا لا ننام جيداً في الأماكن الجديدة علينا؟

صعوبة النوم في مكان غريب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ليس شيئاً غريباً أن نعاني من صعوبة النوم في مكان غريب أو في الأماكن الجديدة، وبصفة خاصة عندما تجبرنا الظروف من حولنا على مفارقة مكان معتاد ومألوف بالنسبة لنا.
والجدير بالاهتمام أن السبب وراء فقدان القدرة على النوم قد لا يكون تلك العوامل التي لطالما اعتدنا أن نضعها محل الاتهام كالتعب من السفر أو اضطرابات ساعاتنا البيولوجية أو حتى الأرق؛ بل بالعكس إنها غريزة بشرية متأصلة في ذواتنا وجيناتنا.

ففي ستينيات القرن الماضي لاحظ علماء في الولايات المتحدة الأميركية هذه الظاهرة الغريبة التي سنتعرف إليها بأسلوب مفصّل لاحقاً، وذلك خلال تحليلهم لسجلات مخطط كهربية الدماغ (EEG) في إحدى الدراسات التي ضمّت 43 شخصاً ناموا لمدة 4 ليالٍ متتالية في بيئة مجهزة داخل المختبر.

ما الذي يجعل من الصعب علينا النوم في الليلة الأولى من نزولنا في مكان لا نعرفه جيداً؟ ما الأسباب الكامنة وراء هذه الحالة؟ كيف تؤثر على جودة نومنا ومدته؟ ما هي الأساليب الناجحة للتعامل معها؟

ملاحظة صعوبة النوم في مكان غريب

جرت العادة ألا يتم تسجيل بيانات الليلة الأولى من نوم المشاركين في المختبر لتوفير الورق ووقت التسجيل الممل، كما يخبرنا أجنيو الابن (Agnew Jr.) وويلس ويب (Wilse Webb) وروبرت ويليامز (Robert Williams) في تقريرهم العلمي المنشور يناير/كانون الثاني 1966.

فقد تكهّن العلماء في حينها أن هذه الممارسات قد تكون نتيجة مبادرة بعض العلماء مسترشدين بالحدس أو الخبرة أو مجرد الحذر نتيجة تعارض بعض تسجيلات مخطط كهربية الدماغ المأخوذة من الأشخاص في الليلة الأولى من النوم في المختبر مع بقية الأيام.

وبناءً على ما سبق؛ كُتِبَ التقرير المذكور حتى يعالج الفجوات العلمية في هذا الشأن ويتحدث بإسهاب عمّا أسموه “تأثير الليلة الأولى” (First-Night Effect – FNE).

تأثير الليلة الأولى في نومنا

يصف تأثير الليلة الأولى (FNE) حالة النوم المضطرب في البيئات غير المألوفة بالنسبة لنا، وهو رد فعل غريزي وواحد من أساليب البقاء التي جعلت البشرية تبقى على قيد الحياة كل هذه المدة.

فمع احتمال وجود خطر قريب منّا عندما ننام في بيئة غير مألوفة يبقى نصف الدماغ متنبّهاً وجاهزاً لأن يوقظنا من نومنا عند اكتشاف أي إشارات خارجية غير معروفة.

وبصفة عامة، فهذا التفسير قادر على أن يعطي بُعداً مفهوماً لتلك الظاهرة المعروفة في تسجيلات تخطيط النوم (Polysomnography)؛ والتي كما لاحظها ويليامز وزملائه تتميز بانخفاض وقت النوم الإجمالي وجودة النوم وقلة نوم حركة العين السريعة وإطالة زمن تحققها في أثناء الليلة الأولى.

بالتالي، كما أصبحنا نعرف الآن، في أغلب الأحيان، ما يتم استبعاد بيانات الليلة الأولى في تحليلات تسجيلات تخطيط النوم (PSG) لأنها تعكس فترة تكيّف الشخص مع المكان ولا تمثل أنماط النوم المعتادة.

ويعلّق فريق بحثي من جامعة رور بوخوم الألمانية وجامعة كوينزلاند الأسترالية في دراسة نُشِرَت مارس/آذار 2021 على ما سبق، بأن من المرجّح تَعدُّد عوامل تأثير الليلة الأولى (FNE).

فقد تظهر هذه الظاهرة في مختبرات النوم نتيجة الانزعاج الناجم عن الأقطاب الكهربائية الموصولة بالجسم وتقييدها لحركات الجسم، إلى جانب الآثار النفسية المُحتملة للخضوع للفحص أو حتى ما نمر به كبشر عند تجربة بيئة نوم جديدة علينا وغير مألوفة.

وإجمالاً، فحتى هذه اللحظة يظل تأثير الليلة الأولى (FNE) محدوداً؛ بحيث تتحسّن جودة نوم المشاركين الأصحاء تحسّناً كبيراً في الليلة الثانية.

وتتفق نتائج دراسة أحدث ومنشورة من قِبَل كلية الطب بجامعة شانتو الصينية في يناير/كانون الثاني 2022 مع ذلك. فقد حلل العلماء بيانات 53 دراسة تضمّنت 1,422 مشاركاً، ووجدوا تأثير الليلة الأولى ظاهراً في مختلف الأعمار، مع انخفاضه بصورة ملحوظة في الليلة الثانية والثالثة بصفةٍ مماثلة لما حدث في الدراسات السابقة.

كيف يساهم تأثير الليلة الأولى في ارتفاع دين النوم؟

عندما يتسبب تأثير الليلة الأولى (FNE) في تدهور جودة النوم ومدته، يخلق ذلك نوعاً من تراكم التعب والإجهاد والكثير من التغيرات الفيزيولوجية التي تتنبأ بحاجتنا إلى النوم لمدة كافية. ففي المتوسط يحتاج معظم البالغين إلى نحو 7 – 9 ساعات من النوم كل ليلة، وذلك للحصول على صحة مثالية.

وهذا التراكم يُعرف بـ “دين النوم” (Sleep Debt) بحسب شركة “بايو ستراب” (Biostrap) المختصة في تطوير أدوات علمية صحية، فعندما يختل التوازن في النواقل العصبية يؤثر ذلك على إيقاع الساعة البيولوجية أو الساعة الداخلية والإشارات العصبية التي تُخلَق عندما نحتاج إلى النوم.

فعلى سبيل المثال؛ عندما نشعر بالنعاس أو الخمول نتيجة حرمان أجسامنا من النوم، تتراكم علينا ديون النوم ويتعيّن علينا سدادها في أوقات أخرى.

الأساليب الناجحة للتعامل مع تأثير الليلة الأولى

لا شك في وجود تأثير الليلة الأولى (FNE) على جودة النوم ومدته؛ والتي قد تمتد لتؤثر على جودة صحتنا الجسدية والنفسية والعقلية. وفي حين قد لا نتمكن من تجنّبه، فيمكن بقليل من التخطيط استخدام بعض الأساليب الناجحة للتعامل معه؛ ومنها:

  • الحرص على تعويض ديون النوم حتى لا تتراكم وترهقنا.
  • تجنب الكافيين قبل 6 ساعات من الوقت الذي نخطط للنوم فيه.
  • استخدم غطاء العينين إذا لم تكن الغرفة التي سننام فيها مظلمة تماماً.
  • تجنّب التعرّض لأي مشتتات قد تعيق حصولنا على قدر كافٍ من النوم.
  • السفر قبل يوم واحد من مواعيدنا الهامة؛ ما يمنحنا وقتاً كافياً للتكيّف والراحة.
  • الحرص على قضاء بعض الوقت في الضوء الطبيعي لمساعدة ساعة جسمنا البيولوجية على عملية التكيّف.
  • النوم في نفس الفندق والغرفة أثناء السفر المتكرر متى ما كان ذلك ممكناً، لأن الدماغ يمتلك ذاكرة قوية للأماكن التي يعتبرها مألوفة؛ ما قد يساهم في تجنّب تأثير الليلة الأولى (FNE).

لا ينبغي أن نستهين بتأثير الليلة الأولى؛ بل يجب أن نبادر في تحسين جودة نومنا ومدته، وفي نفس الوقت، علينا ألا نستغرب من تلك الغريزة الإنسانية التي ساهمت في بقائنا أحياء كل تلك السنين.

المحتوى محمي !!