دراسة حديثة: صدمات الطفولة تزيد القلق لكنها قد تقوي المرونة النفسية

10 دقائق
المرونة النفسية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

كشفت دراسة بحثية حديثة أجرتها جامعة ييل الأميركية (Yale University) ونُشرت في مارس/آذار 2025 أن الأشخاص الذين يتعرضون لصدمات الطفولة ويواجهون أحداث الحياة المؤلمة في أثناء نمو أدمغتهم هم أكثر عرضة بنسبة 40% للإصابة باضطرابات القلق بحلول سن البلوغ، وعلى الرغم من ذلك فإن معظم الأشخاص الذين يتحملون هذه الصدمات في أثناء الطفولة والمراهقة يثبتون قدرتهم على الصمود في مواجهة تحديات الحياة، وإليك أهم تفاصيل الدراسة عبر هذا المقال.

دراسة تؤكد: صدمات الطفولة تزيد القلق لكنها قد تعزز المرونة

سلطت الدراسة البحثية السابق ذكرها الضوء على العلاقة المعقدة والمتشابكة بين صدمات الطفولة والتعرض للاضطرابات النفسية مثل القلق؛ إذ أكدت نتائج الدراسة أن التعرض المبكر للأحداث المؤلمة قد يعطل المسارات العصبية المسؤولة عن تنظيم المشاعر والتوتر، ما يمهد الطريق للإصابة باضطرابات القلق في المستقبل، وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض الأشخاص لا يستسلمون لهذا التأثير ويطورون مرونة نفسية في مواجهة أحداث الحياة الصعبة.

ووفقاً لنتائج الدراسة، فإن تعزيز المرونة النفسية يتوقف على حدة الصدمات النفسية؛ حيث إن التعرض لمستويات منخفضة إلى متوسطة من الصدمات والأحداث المؤلمة خلال مرحلة الطفولة الوسطى (بين سن 6 و12 عاماً) قد يعزز المرونة النفسية والقدرة على الصمود في مواجهة القلق في وقت لاحق من الحياة.

وقد فحص الباحثون المشاركون في الدراسة الجهاز الحوفي في أدمغة 120 شخصاً بالغاً باستخدام تكنولوجيا التصوير العصبي المتقدمة، وهي المنطقة التي غالباً ما تُعطّل لدى الأشخاص الذين يعانون اضطرابات القلق، تضمنت منهجية الدراسة تعريض المشاركين لإشارات مختلفة تدل على الخطر أو الأمان، مع تتبع التنشيط العصبي المرتبط بهذه المحفزات.

وكشفت النتائج أن الأشخاص الذين تعرضوا لمستويات منخفضة أو معتدلة من صدمات الطفولة في منتصف الطفولة والمراهقة كانت لديهم مستويات أقل من القلق، بالمقارنة مع الأشخاص الذين تعرضوا لمستوى مرتفع من الصدمات النفسية.

وأوضحت أستاذة الطب النفسي في جامعة ييل، والمؤلفة الرئيسة للدراسة، لوسيندا سيسك (Lucinda Sisk)، أن التعرض للصدمات والأحداث المؤلمة في الطفولة يؤدي إلى ارتفاع مستويات القلق في أثناء فترة البلوغ، وعلى الرغم من ذلك، فالأمر لا يحدث بهذه البساطة، لأن الأشخاص الذين عانوا الشدائد في أثناء الطفولة والمراهقة قد يثبتون قدرتهم على المرونة النفسية بسبب التنشيط الزائد للقشرة الجبهية.

في سياق متصل، تشرح أستاذة علم النفس في جامعة ييل، والباحثة المشاركة في الدراسة، ديلان جي (Dylan Gee)، أن نتائج هذه الدراسة توفر نظرة ثاقبة على الفترات الحساسة التي يكون فيها دماغ الأشخاص مرناً حيث تُظهر النتائج أن توقيت التعرض لصدمات الطفولة مهم جداً لأنه يحدد العمليات العصبية الأساسية التي قد تسهم في خطر أو مرونة الأشخاص بعد الصدمات.

اقرأ أيضاً: من المدرسة إلى الجامعة: كيف نقوي المرونة النفسية عند الطلبة الجدد؟

ما هي المرونة النفسية (Psychological Flexibility)؟

يمكن القول إن المرونة النفسية هي وسيلة تساعدك على صقل قدرتك على التكيف مع المواقف المختلفة وقبول المشاعر واتخاذ القرارات وفقاً لقيمك الخاصة حتى عندما تصبح الحياة صعبة، وعلى عكس أصحاب التفكير الجامد فإن المرونة تجعلك تواجه تحديات الحياة بسلاسة، وبدلاً من الانغلاق على نفسك وتجنب مواقف الحياة المزعجة فإنها تجعلك قادراً على قبول المشاعر المزعجة واتخاذ خيارات قد تكون غير مريحة في الوقت الحالي.

ويشرح أستاذ علم النفس بجامعة الملك عبد العزيز، محمد سالم القرني، أن المرونة النفسية تعني القدرة على التعافي من التحديات والنكسات، وهناك العديد من العوامل التي تسهم في ترسيخ السلوك المرن، مثل سمات الشخصية والتنشئة والعوامل البيئية إضافة إلى الدعم الاجتماعي.

وتعد المرونة النفسية جزءاً رئيسياً من العلاج بالقبول والالتزام (ACT)، وهو نوع من العلاج مصمم لمساعدة الأشخاص على قبول المشاعر غير المريحة، وذلك لأن محاولة التحكم في تلك المشاعر أو قمعها أو تجنبها يجعلها أسوأ، ومن ثم عليك أن تتقبل مشاعرك الصعبة وأفكارك المقلقة دون إصدار أحكام، وتتضمن بعض العناصر الرئيسية للمرونة:

  • الحضور الكامل في اللحظة الحالية دون التفكير في الماضي أو القلق بشأن المستقبل.
  • الانفتاح على التجارب ووجهات النظر الجديدة عوضاً عن الانغلاق على أنماط التفكير الجامدة.
  • قبول المشاعر السلبية والصعبة وتحملها والبحث عن طرائق لإيجاد معنى من أجل النمو الشخصي.
  • التعامل مع الانتكاسات مثل فقدان الوظيفة، وذلك من خلال البقاء إيجابياً والبحث عن وظيفة أخرى.

كيف تعزز مرونتك النفسية وتنجح في التعامل مع تحديات الحياة؟

تعتقد المختصة النفسية، راشيل غولدمان (Rachel Goldman)، أن المرونة النفسية مهمة جداً للصحة النفسية إذ إنها تساعد على تقليل مستويات القلق والتوتر والاكتئاب، كما يمكن أن تعزز ثقتك بنفسك واحترامك لذاتك وتحسّن علاقاتك بالآخرين، وحتى تبني مرونتك النفسية حاول اتباع النصائح التالية:

1. اعترف بمشاعرك المختلفة

اسمح لنفسك أن تحس بمشاعرك جميعها دون الحكم عليها بأنها سيئة أو خاطئة، على الجانب الآخر، تقبل المشاعر والأفكار المزعجة وتأكد أن الانزعاج وعدم اليقين جزءان من هذه الحياة، ولهذا بدلاً من محاولة قمع مشاعرك المزعجة كن على يقين أن تلك المشاعر تعلّمك طريقة التكيف مع ظروفك المتغيرة.

2. مارس اليقظة الذهنية

تعد اليقظة الذهنية واحدة من أفضل الأدوات لبناء المرونة النفسية؛ وحين تمارس اليقظة الذهنية، تصبح أكثر وعياً بمشاعرك وأفكارك عندما تأتي وتذهب، لكنك لا تنجرف معها. على سبيل المثال، إذا كنت تشعر بالتوتر، فإن اليقظة الذهنية تساعدك على ملاحظة التوتر دون الاستجابة له على الفور، وهذا يخلق مساحة بينك وبين العاطفة، ما يسمح لك بالاستجابة على نحو مدروس بدلاً من الاستجابة على الفور دون تفكير.

ومن أجل ممارسة اليقظة الذهنية، حاول تخصيص القليل من الوقت كل يوم للتركيز على بعض الأنشطة بما يشمل ممارسة التأمل الذهني أو اليوغا أو التنفس العميق، ومع مرور الوقت ستجد أنك أصبحت أكثر وعياً واستعداداً للتكيف مع بيئتك المتغيرة.

اقرأ أيضاً: دليلك لتعزيز مرونتك النفسية ضد الصدمات 

3. تحدَّ أنماط تفكيرك الجامدة

يمكنك أن تنخرط في أنماط التفكير الجامدة حين تجد نفسك متعثراً في أفكار بالأبيض والأسود، أو تنظر إلى الأمور بمنطق كل شيء أو لا شيء. على سبيل المثال، حين تفكر أن ارتكاب أدنى خطأ في أثناء تأدية عملك يعني أنك فاشل، ويمكن القول إن هذا النوع من التفكير يحدّ من قدرتك على التعامل مع المواقف الجديدة، وقد يعوق نموك المهني. وحتى تتوقف عن هذا النمط من التفكير، اسأل نفسك "هل هذا التفكير صحيح؟"، "هل هناك طريقة أخرى لرؤية الموقف؟" ومن خلال تحدي أنماط التفكير الجامدة، سوف تفتح مساحة للتفكير الأكثر مرونة.

4. طوّر عقلية النمو

حين تمتلك عقلية النمو وتطورها فهذا يعني أنك تعتقد أن الذكاء والمهارات المختلفة ليست محدودة أو فطرية أو ثابتة، ولكن يمكن تطويرها مع العمل الجاد والمحاولات المستمرة. على سبيل المثال، إذا كنت تطور عقلية النمو فهذا سيجعلك لا ترى الفشل والنكسات على أنهما نهاية الطريق المسدود، إنما مجرد عثرة في طريقك للتعلم والنمو.

5. حدد لنفسك أهدافاً وخططاً واقعية

يعد تحديد أهداف وخطط واقعية أمراً مهماً من أجل بناء المرونة النفسية؛ حيث تمنحك الأهداف والخطط إحساساً بالمعنى والاتجاه، وفي الوقت نفسه، تحفزك على المضي قدماً، ولكن يجب أن تكون تلك الأهداف والخطط واقعية، لأنها إذا كانت غير واقعية ستجعلك تشعر بالإحباط.

6. انفتح على التجارب ووجهات النظر المختلفة

حاول تعزيز انفتاح ذهنك على نحو أكبر من خلال البحث عن وجهات نظر مختلفة عن وجهة نظرك، على سبيل المثال، يمكنك إجراء محادثات معمقة وجهاً لوجه مع الآخرين، علاوة على ذلك، ابحث عن آراء متنوعة ومختلفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بك، وتابع الأشخاص الذين لا يتوافقون بالضرورة مع خلفيتك وأفكارك، واستمع إلى ما يقوله الأشخاص الذين يأتون من ثقافات وبلاد مختلفة، وذلك لأن معرفة المزيد عن وجهات نظر الآخرين ستساعدك على أن تصبح أكثر تعاطفاً ومرونة.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: المرونة العقلية تقلل خطر الوفاة بنسبة 53% فكيف تتمرن عليها؟

7. تعاطف مع نفسك

مهما بذلنا من جهد سنرتكب أخطاء أو نواجه انتكاسات، وفي هذا الوقت من السهل أن ننجرف في انتقاد الذات، لكن بدلاً من جلد نفسك، حاول ممارسة التعاطف مع الذات، وهذا يعني معاملة نفسك بلطف وتفهم. على سبيل المثال، إذا حدث خطأ ما، ذكّر نفسك بأن الجميع يخطئون، ولا يجب أن تكون مثالياً إذا كنت تمر بيوم صعب وتشعر بالإحباط، فبدلاً من انتقاد نفسك، حاول أن تقول لها: "لا بأس، أنا أحاول وأفعل أفضل ما بوسعي".

المحتوى محمي