الفكرة
كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة سنغافورة الوطنية بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا، أن نوع الميكروبات التي تنمو في أمعاء الطفل خلال سنوات حياته الأولى يمكن أن يشكل الأساس لصحته النفسية في المستقبل. فالأمعاء ليست جهازاً هضمياً فحسب، بل مركزاً عصبياً خفياً يرسل إشارات يومية إلى الدماغ ويؤثر في حالته العاطفية.
اعتمد الباحثون على متابعة 55 طفلاً منذ عمر السنتين حتى عمر سبع سنوات ونصف، ووجدوا أن الاختلاف في تركيبة البكتيريا داخل الأمعاء يحدث تغيراً في شبكات الدماغ المسؤولة عن المشاعر، ما يجعل بعض الأطفال أكثر عرضة للقلق والاكتئاب عند الكبر.
لماذا هي مشكلة مهمة؟
لأن القلق والاكتئاب قد لا يظهران فجأة في مرحلة البلوغ، إنما تنمو بذورهما مبكراً منذ مرحلة الطفولة، حين يتكون توازن الميكروبات في الأمعاء، هذه الميكروبات تؤثر في كيمياء الدماغ عبر إنتاج مواد تؤثر في الهرمونات والمزاج، أي أن الاضطراب المبكر فيها قد يحدث برمجة دائمة تجعل الطفل حساساً للضغوط النفسية عند المراهقة والرشد.
ما هي أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة؟
- الأطفال الذين احتوت أمعاؤهم على معدل مرتفع من بكتيريا لاكنوسبايراسي وبكتيريا كلوستريديوم في عمر السنتين أظهروا لاحقاً نشاطاً غير متوازن في شبكات الدماغ المسؤولة عن العاطفة وضبط الانفعالات.
- هذا الاضطراب في التواصل بين الأمعاء والدماغ كان مرتبطاً بظهور القلق والحزن والانطواء في سن المدرسة، ما يشير إلى أن الميكروبات تسهم في تشكيل المزاج منذ الصغر.
- بعض أنواع البكتيريا مثل الفيلونيلا ارتبطت بزيادة خطر الاضطرابات النفسية، بينما كانت الأنواع المنتجة للأحماض الدهنية المفيدة مرتبطة بالهدوء العاطفي والاستقرار النفسي.
التوصيات والتطبيقات العملية
- أطعم طفلك طعاماً طبيعياً غنياً بالألياف مثل الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، فهي تغذي الميكروبات النافعة التي تدعم صحة الدماغ.
- تجنب الإفراط في المضادات الحيوية أو الأغذية المصنعة، لأنها تضعف تنوع الميكروبات وتزيد خطر الاضطرابات النفسية لاحقاً.
- راقب سلوك طفلك بعين الوقاية لا الخوف؛ فالعصبية الزائدة أو الخجل الشديد قد يكونا من الإشارات المبكرة لاختلال توازن الميكروبيوم المعوي.
مثال تطبيقي
إذا كان الطفل يتناول أغذية فقيرة بالألياف وغنية بالسكريات المصنعة، فقد تفقد أمعاؤه تنوعها الميكروبي المفيد، فيصبح أكثر عرضة للتوتر والمزاج المتقلب عند المراهقة، لذا فإن تصحيح النظام الغذائي في السنوات الأولى يمكن أن يحميه من ذلك.
يمكن للوالدين تطبيق النصائح الغذائية بأنفسهم، لكن في حال ظهور أعراض قلق أو اكتئاب واضحة، يستحسن مراجعة مختص نفسي أو طبيب أطفال.
محاذير
- الدراسة رصدية، تظهر علاقة ارتباط لا سببية مؤكدة.
- العينة صغيرة (55 طفلاً) وتحتاج النتائج إلى تأكيد في دراسات أوسع.
- أجريت الدراسة في بيئة سنغافورية، وقد تختلف الأنماط الغذائية في الدول العربية، ما يستدعي الحذر عند تعميم النتائج.
المصدر
عنوان الدراسة: Childhood gut microbiome is linked to internalizing symptoms at school age via the functional connectome
الترجمة: ميكروبيوم الأمعاء في الطفولة مرتبط بأعراض القلق والاكتئاب في سن المدرسة عبر الشبكات الوظيفية في الدماغ.
المجلة: Nature Communications
الباحثون: فرانسيسكا كورداسي وزملاؤها من جامعة سنغافورة الوطنية وجامعة كاليفورنيا.
تاريخ النشر: سبتمبر/أيلول 2025