لماذا نكره أنوفنا؟

5 دقائق

عندما تنظر إلى وجه أحدهم من الجانب، أو من الأمام وجهاً لوجه، فإن أول ما ستلاحظه هو شكل الأنف الخاص به؛ وهو ذلك الجزء من الوجه الذي يصعب إخفاؤه بمستحضرات التجميل، ويظهر بوضوح لأنظار الجميع، ونحن نادراً ما نشعر بالرضا عن شكل أنفنا.

  • عيب صغير وعقدة نفسية كبيرة
  • أنفي الذي لا أعرفه
  • أنفي يعبّر عني

لكن لماذا نهتم كثيراً بشكل أنفنا، وكيف يمكننا أن نتصالح معه؟

يحدثنا عن ذلك مختص في علم الأعراق البشرية، ومعالجة نفسية، وجرّاح تجميل، ويحاولون في ضوء خبراتهم، تحليل "عقدة شكل الأنف".

أنفي قبيح، ويشبه منقار طائر النعار، تدل كلمات كهذه على "مدى قسوتنا تجاه أنوفنا". لا شك في أن شكل هذا العضو الذي يتوسط وجهنا هو من أكثر الأمور التي تؤرقنا. إضافةً لذلك؛ هل سمعت أحداً يقول من قبل: "يا له من أنف جميل"؟ إذا كان الناس يتفقون بشكل أو بآخر على ماهية "العيون الجميلة" أو "الشعر الجميل"، فلا يبدو أنهم يحددون ماهو شكل "الأنف الجميل". وعلى الرغم من ذلك، يتفق الجميع على معايير شكل الأنف القبيح، فهو طويل جداً، أو كبير جداً، أو أفطس جداً، أو محدب، أو معقوف.. إلخ.

لكن هل يتعلق الأمر بالناحية الجمالية فقط، وهل يمكن لجراحة تجميل الأنف أن تنهي مشكلة شكله الذي لا يعجبنا؟ من وجهة نظر المتخصصين الذين حاورناهم: "فإن الأمر ليس بتلك البساطة؛ إذ إن نظرة الشخص لأنفه غالباً ما تتجاوز كونه مجرد عنصر في وجهه، وبسبب التدقيق المستمر فيه، فإنه يبالغ في الأهمية التي يوليها لشكله".

لمَ لا نأخذ الوقت الكافي لنكتشف سبب مشكلتنا مع أنوفنا، ونعرف أسباب هذه "الحرب" التي أعلناها عليها منذ أن كنا في سن المراهقة؟ فيما يلي نتعرّف أكثر على السر وراء أنفنا الذي لا نحبه.

عيب صغير وعقدة نفسية كبيرة

يقول مارك رونغي: "لا ترجع معاناة الشخص مع شكل أنفه إلى مشكلة من الناحية الجمالية". يعاني الشخص في سن المراهقة من عقدة نفسية بسبب شكل أنفه؛ إذ يرتبط ذلك بسن البلوغ لديه، ومن المؤكد أن الشخص في هذه المرحلة لا يجد نفسه جميلاً؛ لكننا نعلم أن مشكلة شكل الأنف بالتحديد تعود إلى تلك الفترة من حياته.

وبالنسبة للبعض قد يكون ذلك مشكلةً كبيرةً؛ إذ إن أي شخص يشعر بالإحراج بسبب شكل أنفه، يصبح غير قادر على رؤية أي شيء آخر سواه.

فهو يراه كل صباح في المرآة، وكلما مر أمام واحدة، وبتعبير آخر؛ لن يرى سوى ما يشعره بالضيق بشأن شكل أنفه.

ويوضح مارك رونغي: "في الواقع؛ لا يلجأ المرضى إليّ لإجراء جراحة تجميلية للأنف، بغية الحصول على شكل مطابق لمعايير الجمال الحالية، بقدر ما يرغبون في التخلص من عيب معين فيه؛ مثل نتوء ما على سبيل المثال، ويعود إليّ تحديد هذا العيب والعمل على تصحيحه".

وحتى لو كنتُ قادراً على إجراء جراحة تجميلية للأنف ليكون الأجمل على الإطلاق، فإن عدم معرفة كيفية الاستماع لمطلب المريض تجعله غير راضٍ عن هذا الإجراء. ومن الضروري أن يحدد الشخص دافعه وراء اتخاذ هذه الخطوة بصورة دقيقة، آخذاً في الاعتبار الجانب النفسي للموضوع.

من المؤكد أن معاناة الشخص مع شكل أنفه لا تعود إلى أسباب متعلقة بالنواحي الجمالية؛ إذ غالباً ما يكون لديه فكرة مبالغ فيها حول تفاصيل قد لا ينتبه الكثيرون لها من الأساس.

على سبيل المثال؛ بعد خضوع الشخص لجراحة تجميل الأنف، من المألوف ألا يلاحظ أحباؤه هذا التغيير الذي أجراه، لدرجة أن بعضهم قد يبادره عند رؤيته بالقول: "لقد غيرت قصة شعرك! هذا رائع!".

قد يكون فهم ذلك صعباً بالنسبة لشخص اعتاد التركيز على شكل أنفه لسنوات طويلة؛ لكن ما يجب أن نعلمه هو أننا عندما ننظر إلى شخص ما، فإننا ننظر إليه ككل، وليس إلى أنفه فقط".

أنفي الذي لا أعرفه

تقول صوفي تشيفال: "أنت لا تعلم أبداً كيف يبدو شكل أنفك بالضبط؛ وهو أمر يشعرك بالضيق الشديد".

مثل جميع العقد النفسية التي تنشأ لدى الشخص؛ تنتج عقدة شكل الأنف عن "استجابة شرطية" لديه. ونوضح ذلك كما يلي: نحن نربط سمة جسدية ما؛ وهي قد تكون "عنصراً محايداً" في البداية، بصفة إيجابية أو سلبية لدى الشخص، وبناءً على هذا الربط يحكم الشخص على نفسه.

على سبيل المثال؛ قد يكون كافياً أن يقول لي أحد الأولاد الخبثاء في المدرسة: "أنفك كبير كحبة بطاطس"، ليصبح شكل أنفي مصدر قلق لي، ثم يصبح هذا القلق جزءاً أساسياً من حياتي؛ ما يؤدي في النهاية إلى عقدة نفسية لدي بسبب ذلك.

كما يمكن ملاحظة "استجابة شرطية" مماثلة ضمن العائلة فيما يتعلق بشكل الأنف؛ مثلاً عندما يسمع الشخص بطريقة متكررة جملة: "أنفك تماماً كأنف فلان" أنف جدّه مثلاً، ليتساءل في نفسه هل أنفي يشبه أنف جدي فعلاً؟ وتدريجياً؛ يصبح أنفه بالنسبة له هو جدّه ذاته.

لكن ربطه بشخص قد لا يرغب في أن يكون مثله بهذه الطريقة؛ كأن يكون جده شخصاً غير عطوف مثلاً، سيؤدي به إلى رغبة في التخلص من أنفه.

لكنني أعتقد أن لعقدة شكل الأنف خصوصيةً أخرى، وفرضيتي بهذا الشأن، هي أن سبب قلق الإنسان بشأن مظهره هو عدم إدراكه له تماماً.

يبدو ذلك متناقضاً بالطبع؛ لكن الآخرين الذين يعرفونني أقل مما أعرف نفسي، يدركون شكل أنفي أفضل مما أدركه، فهم يرونني "بالأبعاد الثلاثة"، لذا لن أتمكن من إدراك مظهري بالضبط، كما يدركه الآخرون، إنه أمر يسبب الشعور بالضيق، لأن ذلك يعني أنني لا أتحكم في صورتي التي يرونها. يرى الآخرون شكل أنفي من جميع الزوايا وفي كل الأوقات، بينما تقتصر رؤيتي له على الجهة الأمامية منه، وليس بمقدوري إخفاؤه. بالطبع هنالك الصور الملتقطة؛ لكنها لا تتيح رؤيةً ثلاثية الأبعاد، ففي بعض الأحيان قد لا نميز أنفسنا فيها، أو قد نجد شكلنا مريعاً. وبنفس الطريقة؛ نحن لا نحب رؤية أنفسنا في مقاطع الفيديو من جميع الزوايا ونحن نتحرك، وغالباً ما تصدمنا رؤية أنفسنا كذلك".

أنفي يعبّر عني

تقول موريل آلتمان: "غالباً ما ننظر إلى شكل أنفنا كرمز لعمق شخصيتنا". من بين جميع النساء اللواتي قابلتهن، فإن أولئك اللواتي يعانين من عقدة بسبب شكل الأنف، يعتبرنها -دون أن يدركن ذلك- عائقاً أمام التمتع بالمعايير المثالية للأنوثة. حتى أنه في أحد المرات اعترفت فتاة مراهقة لي أن شكل أنفها يُمثل بالنسبة لها صورةً سلبيةً عن ذاتها، وأنها دائماً ما تقول لنفسها إنها لا تستحق الاهتمام. إنها رسالة قوية، فهي تشير إلى أن شكل أنفنا قد يكشف عن حقائق حولنا لا نرغب بالكشف عنها".

المثير للدهشة هو أن الكثيرين يربطون بين شكل أنوفهم وشخصياتهم بطريقة عفوية، كما لو كان يرمز إلى عمق هذه الشخصية؛ وبالتالي يشعر أولئك الذين لا يحبون شكل أنفهم بالألم، وبأنه يعكس الصورة الخاطئة عنهم، تلك الصورة التي لا يملكون سيطرة عليها ولا يشعرون أنها تعبر عنهم. ومن هنا يأتي السؤال: ماذا يكشف شكل أنفي عني؟ من هو ذاك الشخص القابع "خلف أنفه"؟

يشعر الشخص غير الراضي عن شكل أنفه بأن أنفه هذا يعبر عنه بطريقة قاسية. على سبيل المثال؛ أخبرتني إحداهن أن شكل أنفها يشبه "منقار نسر عابس"، وأخبرتني أخرى أن أنفها يقدم صورةً مجحفةً عنها... وقد يرى شخص ما أن أنفه الكبير لديه مقدرة خطيرة في إبعاده عن الآخرين، بينما يرى آخر أنه يعبر عن مقدار ذكائه؛ وبالتالي فإن شكل أنفه غير الجميل يعكس بالنسبة له عدم براعة عقله!

هذه هي الطريقة التي نمنح بها أنوفنا القوة للتأثير في علاقتنا مع الآخرين. أنف ذو شكل جميل من شأنه أن يلهم التعاطف والإحسان ... أما ذاك ذو الشكل الجذاب والمؤثر، فسيكون بمثابة وعدٍ بالانفتاح المحتمل على الآخرين، وفي المقابل؛ يُعتبر شكل "الأنف السيئ" عقبةً أمام صاحبه حينما يرغب في التعامل مع الآخرين.

لكن لماذا نصل إلى مثل هذه الاستنتاجات؟ لأننا عندما نعاني من عقدة ما، فإننا نميل إلى أن نأخذ في الاعتبار -دون وعي- الفكرة الأفلاطونية القائلة بأن ما هو جميل هو خيّر. دعونا نتذكر شخصيات السحرة في طفولتنا؛ إذ ليس من قبيل الصدفة أن تُمثَّل هذه الشخصيات الشريرة دائماً في القصص الخيالية بأنف قبيح، بينما على العكس من ذلك؛ إذا كنت تتذكر المسلسل التلفزيوني "ساحرتي المحبوبة" (Ma bien-aimée sorcière)؛ ستجد تلك الساحرة الطيبة اللطيفة بأنفها الجميل، إنها جملة من التمثيلات الثقافية، وهي إن كانت خاطئةً، فهي تنطوي على الرغم من ذلك على تأثير قوي في أذهان الناس.

اقرأ هذا المقال أيضاً: تمارين الوجه: 10 دقائق لإعادة تشكيل الوجه

المحتوى محمي