في الوقت الذي تدعو فيه الحكومة الفرنسية المواطنين إلى الالتزام بخطة "رصانة الطاقة" في المنازل (خطة أطلقتها الحكومة الفرنسية لتقنين استهلاك الكهرباء)، أظهرت دراسة حديثة أن العيش في أماكن سيئة التدفئة أو سوء التدفئة المنزلية يؤدي إلى عواقب وخيمة على الصحة العقلية.
إضافةً إلى المشكلات الصحية الجسدية يمكن أن يؤثر سوء التدفئة في الصحة العقلية أيضاً، وهو ما خلصت إليه دراسة واسعة شملت 40 ألف عائلة ونُشرت نتائجها في مجلة العلوم الاجتماعية والطب (Social Science and Medicine) في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2022.
تأثير سوء التدفئة المنزلية في الصحة العقلية
يؤدي العيش في منازل سيئة العزل والتدفئة إلى آثار سلبية في الصحة العقلية، وهي ظروف تلاحَظ غالباً لدى الأسر التي تعاني انعدام الأمن المالي أو تفتقر إلى الطاقة اللازمة للتدفئة. في عام 2021، عانى 12 مليون فرنسي برداً شديداً في منازلهم لأكثر من 24 ساعة وذلك وفقاً للمؤشر السنوي لشكاوى الطاقة (Médiateur national de l'énergie)، وكان ذلك بسبب ضعف العزل الحراري في 40% من المنازل، في حين افتقرت 36% من الأسر إلى الموارد المالية اللازمة لتدفئة منازلها.
تؤكد الدراسة المنشورة في مجلة العلوم الاجتماعية والطب أن العيش في مسكن تقل فيه درجة الحرارة عن 19 درجة مئوية يؤثر سلباً في صحة سكانه، وكان الباحثون المشرفون على الدراسة قد استعانوا بالبيانات التي قدمتها دراسة طولية للأسر في المملكة المتحدة، وهي عبارة عن استطلاع شمل 40 ألف أسرة في المملكة أو نحو 100 ألف فرد، وخلصوا إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في منازل سيئة التدفئة عرضة للإصابة بالاضطرابات العقلية بمقدار الضعف، ويرتفع ذلك إلى 3 أضعاف لدى الأشخاص الذي لديهم تجربة سابقة مع العلاج النفسي. ويقول المتخصص في التأثيرات الصحية لنقص الوقود والعضو في مجموعة "منبر الأمل" (Chaire Hope)، ريجيس لارجيلييه (Régis Largillier): "تشير الدراسات الحالية إلى أن الأفراد المتضررين من نقص الوقود يستهلكون ثلاثة أو أربعة أضعاف المؤثرات العقلية التي يستهلكها بقية السكان في المتوسط".
العزلة والشعور بالإحباط من أبرز تأثيرات نقص التدفئة
تمثّل تكلفة التدفئة سبباً للضغط النفسي والمالي للكثير من أرباب الأسر، ويقول الباحثون في تقريرهم: "إن عجز أرباب الأسر عن تدفئة منازلهم وعائلاتهم يحد من استقلاليتهم وشعورهم بالسيطرة على ظروفهم ويمكن أن يصل تأثير ذلك حد التسبب بالتفكك الاجتماعي والعزلة الذاتية".
سيكون الأشخاص الأكثر تعرضاً للبرد هم الأكثر تضرراً جسدياً ونفسياً ولا يبدو أن الأمور تتجه نحو التحسن، وجدير بالذكر أنّ موقع وزارة الصحة الفرنسية كان قد ذكر أن الاحتباس الحراري لن يحد من تأثير البرد في البلاد، إضافةً إلى أنّ أزمة الطاقة المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية قد أدت إلى تردٍ ملحوظ في ميزانية العائلات التي تعاني ضعفاً في مواردها المالية أساساً ومن المرجح أن تضطر نتيجةً لذلك إلى الحد من استهلاكها للكهرباء.