ما لا تعرفه عن العمل لساعات طويلة وتأثيره على صحتك النفسية

5 دقائق
ساعات العمل

قد يجد البعض منّا نفسه في موضع اختيار بين "العمل لساعات طويلة" (Long Working Hours) أو العمل لساعات محددة تتماشى مع المتوسط العالمي الذي تتفق عليه أنظمة العمل العالمية؛ إذ تتراوح ساعات العمل وفق الأنظمة العالمية بين نحو 7 - 10 ساعات عمل.

وهنا قد لا نعي بدرجة كبيرة أثر ذلك الاختيار المفصلي على صحتنا العامة، وبصفة خاصة صحتنا النفسية والعقلية!

ففي إحصاءات منظمة العمل الدولية (ILO)، أظهرت العديد من الأرقام نسباً مرتفعة من الموظفين والموظفات من حول العالم ممن تزيد ساعات عملهم عن 49 ساعة أسبوعياً؛ أي نحو 9.8 ساعات كل يوم!

وعادةً لا يختلف المختصون والمهتمون بهذه المسألة حول ما يترتب عليها من آثار صحية جسيمة قد تؤدي إلى الوفاة لأنها مثبتة، بالإضافة للكثير من الوظائف التي تقوم على نموذج عمل يُعزِّز من سهولة اختيار الموظفين لساعات طويلة تكاد لا تخلو من الآثار الواضحة لذلك التوجّه السلبي.

وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) بالتعاون مع منظمة العمل الدولية (ILO) تقريراً مشتركاً يتحدث بأسلوب تفصيلي عن عبء المرض والإصابة المرتبطَين بالعمل، نُشِرَ منتصف 2021 في المجلة الدولية للبيئة (Environment International)؛ حيث أكّد التقرير أن ساعات العمل الطويلة قد تكون واحدة من أضخم مخاطر الصحة على سكان هذا الكوكب.

ما هي ساعات العمل؟ وماذا يعني العمل لساعات طويلة؟ وما هي آثاره؟ وكيف يجب التعامل معه؟

ساعات العمل

في عام 1919 -أي قبل نحو مائة عام- اجتمعت عدة دول ووضعت معاييرَ للعمل؛ ومنها "ساعات العمل" (Hours of Work)، والتزموا بالإشراف عليها وتحديدها.

وفي عام 2019 -أي قبل نحو ثلاثة أعوام- جددت هذه الدول التزامها السابق وتعهّدت بضمان الإشراف بصورة مشددة على ساعات العمل؛ وذلك خلال إعلان المئوية بشأن مستقبل العمل.

وعموماً تُعد ساعات العمل الطويلة ظاهرة منتشرة في كل أنحاء العالم عندما نضع بعين الاعتبار عوامل هامة أخرى ذات صلة وثيقة كوقت التَنقُّل بين المنزل ومقر العمل والسفر وما إلى ذلك؛ ما قد يضر بالصحة العامة بشكل مباشر أو حتى غير مباشر.

وحسب تقرير علمي حديث منشور منتصف 2021 لصالح مجلة "ذا لانسيت" (The Lancet)؛ تختلف العواقب الصحية لساعات العمل الطويلة اعتماداً على محددات معيّنة مثل مدة ساعات العمل وخصائص الوظيفة والحالة الاجتماعية والاقتصادية والحالة الصحية للفرد.

متى تصبح ساعات العمل طويلة؟

تنص الاتفاقية على أن ساعات العمل يجب ألا تتجاوز 8 ساعات في اليوم و48 ساعة في الأسبوع، مع وجود بعض الاستثناءات بطبيعة الحال. ومع ذلك؛ يعتمد تعريف ساعات العمل الطويلة في بعض البلدان على اللوائح المحلية التي قد تكون مرنة في تعريفها لما سبق.

فمثلاً بحسب ما ينقله التقرير المشترك السابق؛ تتجه العديد من الدول حول العالم إلى تحديد ساعات عمل قياسية بين 35 ساعة إلى 40 ساعة أسبوعياً، وما يزيد عن ذلك يُعامل نظاماً كساعات عمل إضافية.

وعند النظر إلى تلك المسألة من قِبَل المختصين، فغالباً ما تُقسَّم ساعات العمل الطويلة إلى ثلاث فئات: من 41 ساعة إلى 48 ساعة أسبوعياً، و49 ساعة إلى 54 ساعة أسبوعياً، و55 ساعة فأكثر في الأسبوع، مع مقارنتها بصفة رئيسية مع ساعات العمل القياسية.

ما آثار ساعات العمل الطويلة على الصحة النفسية؟

تؤثر ساعات العمل الطويلة بصورة سلبية على الصحة النفسية والعقلية، وذلك الضرر من الممكن أن يمس جميع الناس، من جميع الأعمار والمهن والدول -حتى تلك المتقدمة.

ففي دراسة كورية حديثة قام بها فريق بحثي من جامعة سيول بالتعاون مع مراكز طبية مختصة ونُشِرَت في أغسطس/آب 2020 لصالح مجلة "پي إل أو إس ون" (PLOS ONE)، حلّل العلماء بيانات نحو أكثر من 3300 شخص يمثلون مجموعة عمرية بين 20 عاماً و35 عاماً.

قسّم العلماء المشاركون بحسب ساعات العمل الطويلة إلى أربع فئات: من 41 ساعة إلى 50 ساعة، ومن 51 ساعة إلى 60 ساعة، وأكثر من 60 ساعة، ثم عُملِت مقارنة مع من عملوا بين 31 ساعة إلى 40 ساعة في الأسبوع.

الجدير بالملاحظة، أظهرت النتائج أن ساعات العمل الطويلة مرتبطة بالتوتر والاكتئاب والتفكير في الانتحار حتى بين هؤلاء الشبّان، حيث تزيد حالات الاضطرابات النفسية والعقلية المذكورة مع زيادة عدد ساعات العمل الطويلة!

وفي دراسة أخرى نشرتها "المجلة الدولية لأبحاث البيئة والصحة العامة" (IJERPH) في منتصف 2019، درس العلماء آثار ساعات العمل الطويلة على الصحة بصفة عامة، والصحة المهنية على وجه الخصوص منذ عام 1997 وحتى 2018.

وقد حلّل الباحثون نحو 243 سجلاً من 46 ورقة علمية مختلفة تضمّنت نحو ما يزيد عن 814 ألف مشارك من 13 دولة؛ حيث وجدوا علاقة إيجابية بين ساعات العمل الطويلة وظهور بعض المشاكل الصحية الجسدية والنفسية والعقلية.

أظهرت النتائج المُفصّلة الآثار السلبية لساعات العمل الطويلة بصورة ملحوظة على مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والإجهاد الحاد والتوتر وحالات الاكتئاب والقلق وجودة النوم والوفيات الناجمة عن جميع الأسباب وتناول المشروبات الكحولية والتدخين.

وبالإضافة لما سبق؛ أوضحت البيانات الأثر السلبي لساعات العمل الطويلة على الصحة المُدرَكة بصفة شخصية، وحالات الصحة النفسية والعقلية المختلفة، وارتفاع ضغط الدم والسلوكيات الصحية، إلى جانب آثارها السيئة على حالات الذبحة القلبية وسوء الصحة الجسدية والإصابات وقلة النشاط البدني.

وبالمجمل؛ وجد العلماء أن ساعات العمل الطويلة زادت من احتمال المعاناة من المشاكل الصحية بنسبة 24.3%، والأهم من ذلك، كانت فرصة المعاناة من مشاكل صحية نفسية وعقلية أعلى من فرصة المعاناة من مشاكل صحية جسدية!

ووفقًا لما نشرته منظمة الصحة العالمية (WHO) بالتعاون مع منظمة العمل الدولية (ILO)؛ يعاني نحو 488 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من مشكلة ساعات العمل الطويلة.

كما يضيف التقرير أن نحو أكثر من 745 ألف شخص وافتهم المنيّة في عام 2016 بسبب أمراض القلب والسكتة الدماغية المرتبطة بالعمل لأكثر من 55 ساعة في الأسبوع!

أساليب التعامل مع ساعات العمل الطويلة

بالدرجة الأولى؛ حاول أن تتجنّب ساعات العمل الطويلة قدر الإمكان لما لذلك من تأثير على صحتك النفسية والعقلية حتى إن لم تكن الآثار المترتبة على ذلك واضحة بصورة ملحوظة منذ اللحظة الأولى!

وإذا كنت لا تملك الاختيار، فهنا جمعنا لك 10 نصائح حول كيفية التعامل مع ساعات العمل الطويلة:

  • قم بعمل جدول زمني دقيق كي تستطيع التحكّم بالمدة التي تقضيها في تنفيذ مهامك.
  • أتمتة ما تستطيع من أعمالك لتوفّر وقتك وجهدك وتعزّز صحتك.
  • راقب الوقت وكن حريصاً على عدم هدره فيما لا طائل منه.
  • تجنّب المشتتات واخلق لنفسك بيئة محفّزة. ولا يعني ذلك بالضرورة العمل في بيئة هادئة؛ وإنما توفير بيئة مناسبة تجعلك أكثر إنتاجية!
  • لا تفوّت القيلولة، فجرّب أن تغفو نحو 20 إلى 30 دقيقة منتصف النهار قبل أن تعود وتكمل جدول أعمالك المزدحم.
  • احرص على تناول أغذية كاملة صحية.
  • احرص على تخصيص دقائق بسيطة للراحة خلال ساعات عملك.
  • استفد من وقت التنقل جيداً، بوجه خاص إن كنت ممن يستخدمون النقل العام أو سيارات الأجرة.
  • اطلب المساعدة عند الحاجة، فقد يكون من الأجدر بك الاستعانة بمن يساعدك حتى إن تطلّب ذلك دفع تكاليف رمزية.

وبموضوعية تامة؛ يجب أن يسعى الإنسان لإنجاز أعماله بأسلوب صحي مُستدام يضمن أعلى مستويات العافية النفسية والعقلية. وبالمقابل، فمن يتهاون في تقدير حالته الصحية ويفرط بها لأجل إتمام مهام عمله فقد يخسر كليهما بصورة سيئة.

وعلى الرغم من العوائد الاقتصادية التي قد يحققها فسح المجال لممارسات ساعات العمل الطويلة؛ إلا أن آثارها قد تكون كارثية وعصيّة على التغيير في زمن قصير!

ختاماً؛ يجب أن يُعاد التفكير في ساعات العمل القياسية المحلية في الدول العربية، ففي المؤشرات التي أدرجتها منظمة العمل الدولية عن عام 2021 في احصائياتها، تنبأت بازدياد ملحوظ في عدد الأشخاص الذين يعملون أكثر من 49 ساعة عمل أسبوعياً.

المحتوى محمي