ما أسباب رهاب الظلام وكيف يمكن التغلب عليه؟

رهاب الظلام
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما يحل المساء يسيطر على بعض الأشخاص خوف لا يرحم، فالظلام بالنسبة إليهم هو مسكن الأشباح المخيفة! ما سبب رهاب الظلام؟ وكيف يمكن التغلب عليه؟
عندما يستيقظ في منتصف الليل، يسارع حسن ذو الـ 53 عاماً إلى تشغيل أضواء المنزل. يقول حسن: “أخشى أن أرى عينين تلمعان في الظلام أو ظلالاً على الجدران. وعلى الرغم من أنني أحاول ألا أفكر بالأمر فإن خوفي يكون دائماً أقوى مني”.

في طفولته، كان حسن يستنجد بالمحيطين به عندما يشعر بالخوف من الظلام ويجد من يهدئ من روعه ويطمئنه. أما اليوم فلم يعد يفصح لأحد عن خوفه هذا؛ إذ أصبح مصدر خزي له في هذا السن.

تقول مختصة علم النفس بياتريس كوبر روير: “على عكس الخوف الطبيعي الذي يتمثل دوره في التحذير من خطر حقيقي؛ لا يستند الرهاب إلى سبب واضح كما يؤدي إلى التباس الأمور على المحيطين بالشخص الذي يعاني منه”.

يبقى المصابون برهاب الظلام حبيسي مخاوفهم حتى بزوغ الفجر وفي غمرة هذا التوتر الذي يصيبهم بآلام في المعدة، يجدون أنفسهم مجبرين على اتباع عدة استراتيجيات بغية تجنب المواقف التي تثير خوفهم، فيتركون الغرف مضاءةً ويتحققون عشرات المرات من عدم وجود شيء تحت أسرّتهم ويرفضون الخروج وحدهم ليلاً.

ويؤكد الطبيب النفسي لويس فيرا أن سلوك التجنب هذا يؤدي إلى تعزيز الخوف، ويوضح قائلاً: “تصبح العادات التي يتخذها الشخص المصاب برهاب الظلام لحماية نفسه مصدر هوس له وتحول دون قدرته على عيش حياته بصورة طبيعية”.

رهاب الظلام والمخاطر الوهمية

لكن السؤال هو: مم يخاف المصابون برهاب الظلام؟ قد يخافون من مهاجم يتربص بهم على ناصية الشارع، أو وحش قابع خلف الستائر.

يقول لويس فيرا: “يخاف المصاب برهاب الظلام في الدرجة الأولى من أن يجد نفسه عاجزاً في مواجهة خطر مفاجئ وغير متوقع يفقده صوابه؛ إذ تتزاحم أفكار في ذهنه من قبيل: “ماذا لو ظهر لي وحش فجأة بالفعل؟ ماذا لو اقتحمت هذه الأمور المنافية للعقل واقعنا وقلبت قواعده وقوانينه؟”. ويؤدي هذا الشعور بفقدان السيطرة إلى تنامي مخاوفه، وبناءً على ذلك يحاول توقع المخاطر ظناً منه بأن ذلك سيساعده على الهروب منها عند اللزوم؛ ما يجعله في حالة يقظة دائمة”.

يقول مختص التحليل النفسي بول ديني: “من جهة أخرى يمثل الخوف من الظلام مواجهةً مع الذات تؤدي إلى صراع داخلي يسيطر على المرء، فالوحش أو المعتدي الذي يتخيله هو في حقيقة الأمر رمز لمعاناته الداخلية ومحاولة منه لملء فراغ داخلي كبير يسبب له الألم”.

اقرأ أيضا:

فراغ داخلي كبير

يقول بول ديني: “يُمثل الليل بالنسبة للطفل انقطاع العلاقة مع والدته”. ويدفعه ذلك إلى محاولة العثور عليها مجدداً باستخدام موارده النفسية فيفكر فيها ويقنع نفسه بأنه حتى لو لم يكن يراها فهي ما زالت موجودة، ويتخيل على سبيل المثال أنها تمسك يده ليساعد نفسه على النوم بسلام”.

أما إذا كانت علاقة الأم بالطفل تتسم بالتفكك أو على العكس من ذلك الترابط الزائد عن الحد، فإن الانفصال عنها سيكون مصدر خوف عميق بالنسبة إليه.

وتشير بياتريس كوبر روير إلى أن الأم الضعيفة لا تستطيع أن تمد الطفل بالأمن الداخلي الكافي لتمكينه من مواجهة الليل والوحدة؛ إذ يصبح كل ما هو خارج مجال رؤيته غير موجود بالنسبة إليه ما يجعل الخوف من الموت والانفصال النهائي أبرز المخاوف التي يثيرها الظلام في نفسه.

يرافق الخوف من الظلام بعض الأشخاص إلى سن الرشد ويوضح بول ديني قائلاً: “يجد الشخص البالغ نفسه عاجزاً عن تهدئة الخوف الذي عانى منه في طفولته لأنه لم يحصل على الوسائل اللازمة لذلك، ومن ثم فهو لن يكون قادراً على طمأنة نفسه بنفسه”.

في حالات أخرى قد تثار هذه المخاوف مجدداً عند التعرض لحادث ما كالصعوبات المهنية أو الانفصال أو الفجيعة. تقول بياترس كوبر روير: “تحيي أحداث الحياة المؤلمة هذه في نفس الإنسان حالة الطفل الذي يستنجد بأمه وحيداً في الظلام”.

اقرأ أيضا:

كيف تتعامل مع رهاب الظلام؟

نصائح مختص العلاج النفسي لويس فيرا

يقول لويس فيرا: “يمكنك السيطرة على خوفك من الظلام بصورة تدريجية كما يلي: اجلس في مكان مظلم نسبياً لبضع دقائق في البداية، ثم تنفس بعمق وركز على فكرة أنه ليس ثمة أي سبب للخوف. كرر التمرين مع إطالة مدته وزيادة ظلمة المكان تدريجياً وتذكر في كل مرة أنك تمارسه لتعالج رهابك”.

نصائح مختص التحليل النفسي بول ديني

يقول بول ديني: “لا تخجل من إبقاء غرفتك مضاءةً ليلاً وحاول قراءة رواية جيدة أو فكر بخططك للإجازة القادمة؛ إذ تقاوم المشاعر الإيجابية التي تتولد عن أمور كهذه الشعور بالخوف. ولكن في حال لم تفلح هذه الوسائل في الحد من مخاوفك فأنا أنصحك باستشارة مختص في العلاج النفسي ليساعدك على اكتشاف جذور هذه المخاوف”.

نصائح مختصة علم النفس بياتريس كوبر روير

تقول بياتريس كوبر روير: “اسأل نفسك سواء كنت لوحدك أو ضمن جلسة لدى المعالج النفسي: هل سبق لي أن عشت ليلةً مرعبةً؟ كيف كان وقت النوم بالنسبة إلي في مرحلة الطفولة؟ يساعدك تتبع أصل مخاوفك على التغلب عليها”.

تجارب أشخاص تغلبوا على رهاب الظلام

تخلصتُ من خوفي عندما عشتُ وحدي

“تخلصتُ من خوفي من الظلام عندما غادرتُ منزل والديّ لأعيش وحدي لأن ذلك فرض عليّ التعامل مع هذا الخوف بمفردي. وتمكنتُ تدريجياً من إقناع نفسي بعدم الركض كالمجنونة إلى سيارتي أو إبقاء شقتي مضاءةً ليلاً، فدربت نفسي على التنفس بهدوء واستخدام حواسي الأخرى لأجد طريقي في الظلام. والأهم من ذلك أنني كنتُ أكرر لنفسي دائماً أنه لن يصيبني أي مكروه وأن هذا الهلع لن يساعدني في شيء، ولدهشتي فقد نجح الأمر!”.

علمتني اليوغا كيف أتحكم بعواطفي

تقول سوسن ذات الـ 28 عاماً: “علمتني اليوغا كيف أتحكم بعواطفي، وذلك على الرغم من عدم تقبلي لتجربتها في بادئ الأمر، ففكرة إغماض عينيّ، حتى في وضح النهار، كانت تثير خوفي. وفي أحد الأيام وافقتُ على مرافقة إحدى صديقاتي إلى جلسة اليوغا، لقد كان صوت المدرب مطمئناً وتمكنت من إعادة التركيز على ذاتي وفي غضون شهرين تولد لدي سلام داخلي كان كافياً لأتخلص من خوفي. أمارس جلسات الاسترخاء حالياً بصورة يومية، وتحول وقت النوم بفضلها إلى متعة حقيقية”.

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي !!