لا بد وأنك قابلت من حولك أشخاصاً ينتابهم ضِيق وخوف تجاه الأماكن المغلقة. أو حتى أنت نفسك قد تشعر بعدم ارتياح -على سبيل المثال- حينما تشاهد هواة النزول للكهوف الأرضية ذات المداخل الضيقة، أو عندما تَهُم بحضور مناسبة تتوقع أنها مكتظة بالناس.
ذلك الضِيق والخوف وعدم الارتياح يُمثِّل رهاب الأماكن المغلقة (Claustrophobia) الذي يُصيب ملايين البشر من كل بقاع الأرض دون استنثاء، ويؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في جودة حياتهم، ويهدد سلامة صحتهم النفسية والعقلية كما سنعرف!
أشار العلماء عام 2017 بعد تحليل مسوحات الصحة النفسية التي نشرتها منظمة الصحة العالمية (WHO)، إلى أن نسبة انتشار رهاب الأماكن المغلقة بلغت نحو 2.2% بين كل أنواع الرهاب الأخرى، بحسب دراسة نشرتها مجلة الطب النفسي في جامعة كامبريدج البريطانية.
للحظة قد تبدو هذه النسبة ضئيلة! لذا لتوضيح ضخامة هذا العمل البحثي أكثر، فمن المهم ذكر عدد الجهات البحثية المشارِكة التي بلغت نحو 25 جهة؛ حيث درست بيانات نحو 125 ألف مشارك مثّلوا 25 مسحاً وطنياً للصحة النفسية من 22 دولة مختلفة تضم كل القارات المأهولة.
وفي نفس السياق؛ يقدِّر موقع خدمات الصحة الوطنية البريطانية أن نحو 10% من البريطانيين معرضون للمعاناة من رهاب الأماكن المغلقة في مرحلةٍ ما من حياتهم.
والآن بما أنه لا شك لدينا في مدى انتشار رهاب الأماكن المغلقة عالمياً؛ دعونا نتعرف معاً أكثر إلى كيفية حدوثه وأعراضه والأساليب المُثلى للتعامل معه.
ما هو رهاب الأماكن المغلقة؟
بحسب الباحثة بريندا كاي فيديرهولد التي كتبت عن رهاب الأماكن المغلقة في كتاب "التطورات في الواقع الافتراضي واضطرابات القلق" (Advances in Virtual Reality and Anxiety Disorders)؛ يُعرف رهاب الأماكن المغلقة بأنه خوف واضح ومستمر ومفرط أو غير معقول، يحدث إمّا عند توقع الذهاب لمكان مغلق أو خلال التواجد فيه، وهو غالباً ما ينتج عن حدثٍ صادم وقع خلال مرحلة الطفولة المبكرة.
ولكي ترتقي حالات الضِيق والخوف وعدم الارتياح إلى مستوى الرهاب الذي يصنف من اضطرابات القلق؛ تخبرنا فيديرهولد عن وجوب استمرار الأعراض لمدة ستة أشهر متتالية على الأقل.
وبالنسبة لمن يعاني من رهاب الأماكن المغلقة، فالشعور بالحصار أو التواجد في مكان مغلق يصاحبه خوف وانزعاج ملحوظ في الحالات الخفيفة. أمّا في الحالات الشديدة، فيظهر رهاب الأماكن المغلقة على شكل نوبات ذعر وقلق أكثر حِدّة.
وفي العادة؛ تتسبب تلك المشاعر غير المُحبَّبَة إمّا في تجنب المريض لتلك المواقف المخيفة، أو تحمُّلها مع الشعور المستمر بقلق شديد وعدم ارتياح ورغبة شديدة في الهروب من المكان!
المسببات المُحتَمَلة لرهاب الأماكن المغلقة
قد يُصاب الأطفال بذلك الرهاب نتيجة معيشتهم مع مصاب آخر يعاني منه؛ وذلك من خلال الربط بين المشاعر السلبية التي يعيشونها، والشعور بالعجز عن تهدئة الشخص المصاب، حسب تقرير خدمات الصحة الوطنية البريطانية عن رهاب الأماكن المغلقة.
وفي حالات أخرى؛ قد يظهر رهاب الأماكن المغلقة لدى الكبار بسبب معاناتهم كأطفال مع الحصار أو الاحتجاز لفترة مُعيَّنة في مكان مغلق، أو بعد التعرض للتخويف أو الإساءة.
ومن الممكن أيضاً أن يظهر رهاب الأماكن المغلقة بسبب التجارب أو المواقف السيئة؛ مثل المرور بتجارب غير جيّدة مع المطبات الهوائية خلال رحلات الطيران.
أعراض رهاب الأماكن المغلقة
تصف لنا ستيفاني واتسون؛ الكاتبة لعدد من المنصات الطبية المتخصصة مثل "ويب إم دي" ومنشورات "هارفارد الصحية" و"كليفلاند كلينيك"، بعضاً من أعراض رهاب الأماكن المغلقة؛ حيث تختلف باختلاف الموقف وحِدّة حالة القلق أو حالة نوبة الهلع.
فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ يمكن أن يؤدي التواجد داخل مكان مغلق إلى ظهور أعراض مثل:
- جفاف الفم.
- صداع الرأس.
- ألم في الصدر.
- التعرق والإعياء.
- ضيق في التنفس.
- الرعشة والغثيان.
- الحيرة أو الارتباك.
- الإحساس بالاختناق.
- تسارع نبضات القلب.
- الخوف من الأذى أو المرض.
- الرغبة في استخدام دورة المياة.
وبالإضافة إلى ما سبق؛ يخبرنا موقع "خدمات الصحة الوطنية البريطانية" عن بعض الأعراض النفسية التي تصاحب الحالات الشديدة وتجعل المعاناة من رهاب الأماكن المغلقة أكثر سوءاً وعمقاً؛ مثل:
- الخوف من الإغماء.
- الخوف من الموت.
- الخوف من فقدان السيطرة على الأمور.
أساليب العلاج المناسبة لرهاب الأماكن المغلقة
من المهم التأكيد على أن تجاهل المشكلة لا يعني حلها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر باضطرابات القلق التي من شأنها تقليل جودة الحياة والتأثير على صحة الإنسان النفسية والعقلية.
فمن دون علاج؛ قد يلجأ الفرد إلى تجنُّب التواجد في الأماكن المغلقة كليةً؛ ما يؤثِّر في حياته وأدائه لمهامه اليومية.
ففي الحالات الشديدة على سبيل المثال؛ قد يمنع الرهاب الإنسان من أداء عدد من المسؤوليات المهمة التي تتطلب منه المرور من نفق أو الذهاب إلى مكان مزدحم، وهَلُم جرّاً.
لذا تنصح واتسون بالقيام بالخطوة الأولى التي تتمثّل في الحصول على العلاج من خلال زيارة مختص في الصحة النفسية والعقلية؛ حيث يمكن أن يساعد ذلك في اقتراح بعض من الخطط العلاجية الفعّالة، مثل:
- العلاج بالتعرض: بحيث يتم وضع المريض في المواقف التي تخيفه -في بيئة آمنة- لمساعدته في التغلُّب على مخاوفه.
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): حيث يتم تقديم العلاج بالتخاطب مع المريض وجهاً لوجه من قِبل المختص.
- العلاج من خلال الواقع الافتراضي (VR): بحيث يتم استخدام المحاكاة الحاسوبية في بناء سيناريوهات افتراضية تناسب المرضى وتساعدهم في خلق تجربة مماثلة للواقع لمساعدتهم على مواجهة مخاوفهم في بيئة آمنة.
- الاسترخاء والتخيّل: حيث يمكن للمريض تعلُّم طرقاً لتهدئة خوفه عندما يكون في موقف من شأنه إثارة مخاوفه.
- العلاج بالأدوية: حيث يمكن للطبيب المعالج أو المختص النفسي أن يصف أدوية القلق أو مضادات الاكتئاب لمساعدة المريض في التعامل مع المواقف التي تسبب له الخوف.
وفي المجمل؛ يُشكِّل الدعم النفسي من البيئة المحيطة فارقاً ملحوظاً؛ حيث تنصح واتسون بالتحدث إلى الشريك أو أفراد العائلة والأصدقاء، أو حتى أن يُطلَب منهم الحضور في جلسات العلاج.
ختاماً؛ ينبغي أن نتعامل مع رهاب الأماكن المغلقة بجدية حالما نستطيع أن نميّز أعراضه الجسدية والنفسية، سواءً كنّا نحن مَن نعاني منه، أو أي إنسان آخر حولنا، فقد يؤدي تجنب علاجه إلى تدهور الصحة العامة - وخصوصاً النفسية!