ما أعراض رهاب الألم؟ وكيف يمكن تشخيصه وعلاجه؟

6 دقيقة
رهاب الألم
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: لا أحد يحب الشعور بالألم، فالجميع يحاولون قدر الإمكان تجنب التجارب الصعبة المسببة له، ومع ذلك، ثمة أشخاص يشعرون بالرعب والذعر والخوف الشديد من الألم أو مجرد التفكير في الألم، وهؤلاء الأشخاص مصابون برهاب الألم، فما أعراض هذا الرهاب؟ وكيف يمكن علاجه؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

نحاول جميعاً تجنب الألم أياً كانت حدته، وذلك عن طريق السعي إلى تخفيفه بزيارة الأطباء وتناول العلاج اللازم؛ لكن هناك بعض الأشخاص الذين يخافون بشدة من الألم ويحاولون بقوتهم كلها تفاديه. وفي الكثير من الأوقات، يطورون سلوكيات شديدة الحذر إلى درجة أنهم نادراً ما يغامرون بالخروج من البيت، أو يشاركون في أي موقف قد يكون الألم فيه نتيجة محتملة؛ وهذا يعني أن هؤلاء الأشخاص يعانون رهاب الألم ( Algophobia)، فماذا يعني هذا المصطلح؟ وكيف يمكنهم التعافي من هذا الاضطراب؟ الإجابة في هذا المقال.

ما رهاب الألم؟

يتألف مصطلح "رهاب الألم" (Algophobia) في أصله اليوناني من مقطعين: (algo) التي تعني "الألم"، و(phobos) تعني "الرهبة" أو "الخوف". ووفقاً لما ذكره استشاري الطب النفسي هشام غسان ذكر الله؛ فإن رُهاب الألم هو خوف شديد من الألم الجسدي يؤدي إلى القلق المفرط، وغالباً ما يكون السبب وراء هذا الخوف المبالغة في تقدير مدى سوء الألم، وعلى الرغم من أن معظم الأشخاص يخافون الألم، فالمصابون بهذا الرهاب يختبرون مشاعر قوية من الذعر والخوف والقلق تجاه الألم، ومن المحتمل أيضاً أن يشعروا بالقلق الاستباقي في الفترة التي تسبق الألم، أو  بمجرد التفكير فيه.

وقد يواجه الشخص المصاب برهاب الألم صعوبات شديدة تخص التركيز بسبب الخوف من شعوره بالألم، ويمكن أن ينشغل تماماً بفكرة الألم ويجد نفسه يبحث باستمرار من حوله عن أي مخاطر محتملة أو يفحص جسده بحثاً عن أي علامات إصابة أو ألم، وفي نهاية المطاف، يكون للخوف والقلق والذعر الذين يشعر بهم تأثير كبير في صحته النفسية والعاطفية وسلوكه اليومي.

تعرّف إلى أعراض رهاب الألم 

يؤكد استشاري الطب النفسي، هانسال بهاشيش (Hansal Bhachech)، إن رهاب الألم يندرج ضمن فئة اضطرابات القلق، وعادة ما يختبر الناس هذا الرهاب بإحدى طريقتين؛ إما الخوف الشديد من تجربة الألم، وإما الخوف من التعامل مع الألم، وتشمل أعراض هذا الرهاب:

  1. فرط التعرق.
  2. زيادة معدل خفقان القلب.
  3. اضطراب المعدة وعسر الهضم.
  4. ضيق التنفس.
  5. الشعور بالغثيان.
  6. الانخراط في سلوكيات التجنب.
  7. الخوف الشديد والذعر والقلق عند التفكير في الألم أو الشعور به.
  8. تضخيم المخاطر المحتملة من الأشياء العادية. على سبيل المثال؛ يظن الشخص المصاب برهاب الألم إذا كان يشعر بالصداع أنه يعاني ورماً في المخ، أو يعتقد أنه خرج في نزهة مع أصدقائه سوف تُكسر ساقه.
  9. مواجهة صعوبة في التركيز.
  10. الشعور بالهلاك الوشيك.
  11. الإفراط في تناول الأدوية المسكنة للألم؛ مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين.
  12. تجنب الأصدقاء الذين يعانون الأمراض.
  13. رفض مشاهدة برنامج تلفزيوني أو فيلم يظهر فيه شخص يتألم.
  14. اضطرابات في النوم، خاصة عند التفكير في الألم.
  15. الشعور بالرغبة الشديدة في الهروب والاختباء.

لماذا يُصاب البعض برهاب الألم؟ 

هناك العديد من الأسباب المحتملة المؤدية إلى الإصابة برهاب الألم؛ حيث يمكن أن يُصاب به بعض الأشخاص لسبب محدد بينما يعاني آخرون عواملَ متعددة أسهمت في تطور هذا الرهاب. وفي الأحوال كلها، تجب معرفة السبب الجذري لرهابك حتى تحدد المحفزات الأولى وتعالج أي أفكار سلبية مرتبطة بها؛ وهذا يمكن أن يسهّل إدارة الأعراض، ويقلل تأثير رهاب الألم في حياتك اليومية؛ أما الأسباب الأكثر شيوعاً فهي:

  1. الإصابة بالألم المزمن: الأشخاص الذي يعانون الألم المزمن هم الأكثر عرضة إلى الإصابة برهاب الألم؛ وذلك لأن الألم المزمن عادة ما يكون منهكاً ويستمر مدى الحياة وفي كثير من الأوقات يؤثر في صحة الأفراد النفسية والعاطفية، ويمكن أن يحدث رهاب الألم نتيجة تجربة غير مباشرة؛ مثل أن تشهد ألماً مزمناً لدى شخص آخر؛ وهذا يسهم في تطوير خوفك من الألم.
  2. وجود تجربة سلبية تنطوي على الألم الشديد: تعد التجربة السلبية التي تنطوي على الألم الشديد سبباً شائعاً للإصابة برهاب الألم، ومن أهم الأمثلة للتجارب المؤلمة:
  • التعرض إلى إصابة منعتك من الحركة وسببت لك الكثير من الألم.
  • الخضوع إلى عملية جراحية دقيقة صاحبها الألم الشديد.
  • معاناة الألم المرتبط بحالة تهدد الحياة؛ مثل السرطان.
  1. الإصابة بأحد اضطرابات الصحة النفسية مثل الاكتئاب: يمكن أن تجعلك اضطرابات الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب أكثر حساسية للألم؛ وذلك بسبب وجود خلل في الهرمونات والتوازن الكيميائي بالدماغ الذي ينظم المشاعر، فالمناطق نفسها التي تنظم عواطفك في الدماغ مسؤولة عن الأحاسيس الجسدية بما فيها الألم.
  2. معاناة أحد الأشخاص المقربين ألماً شديداً: يمكن أن تُصاب برهاب الألم عندما ترى شخصاً تحبه يعاني ألماً شديداً وتبدأ في الخوف من تجربة الألم بنفسك؛ حيث إن رؤية تأثير الألم في حياته يمكن أن يسبب لك الشعور بالخوف أو القلق. وفي الكثير من الأوقات، يُصاب الأفراد برهاب الألم إذا شهدوا تجربة معاناة أحد أفراد العائلة في أثناء الطفولة أو إذا مات الشخص الذي يعاني الألم؛ حيث قد تتطور عندها علاقة بين الألم والموت.
  3. اجترار الخوف: يحدث ذلك عادة بعد تجربة سلبية تنطوي على الألم، ويتضمن اجترار الخوف الانخراط في عمليات تفكير سلبية متكررة، ومع مرور الوقت، يمكن أن تصبح هذه الأفكار مزعجة للغاية وتجعلك تتذكر التجربة على أنها أكثر إيلاماً مما كانت عليه في الواقع.
  4. الرهاب المكتسب: يعني الرهاب المكتسب أنك لاحظت رهاب الألم لدى شخص آخر، وتعلمت أن تخاف من الألم بنفسك، فالأطفال الذين يكبرون مع أحد أفراد الأسرة المقربين؛ مثل أحد الوالدين أو الأشقاء، الذين يعانون رهاب الألم هم أكثر عرضة إلى الإصابة به في الكبر.
  5. فرط الحساسية للألم: الشخص الذي يعاني فرط الحساسية للألم لديه مستقبلات ألم حساسة للغاية؛ ما يجعل جسمه يبالغ في رد فعله تجاه الألم ويصبح أي ألم يشعر به أكثر شدة، ويمكن أن يحدث فرط التألم بسبب تلف مستقبلات الألم، أو الأعصاب الطرفية وقد لا يكون قابلاً للشفاء، وتجدر الإشارة إلى أن فرط الحساسية للألم يمكن أن يسبب شعور الشخص بالقلق أو الرهبة والخوف الشديد عند توقع الألم؛ ما قد يؤدي إلى رهاب الألم.

كيف يمكن تشخيص رهاب الألم؟

قد يكون من الصعب تشخيص رهاب الألم، خاصة عند الأشخاص الذين يعانون حالات الألم المزمن أو أولئك الذين شُخّصَت إصابتهم بمرض عضال، فإذا كنت تعاني الألمَ بالفعل، فقد يكون من الصعب فصل الألم الذي تعانيه عن خوفك المبالغ فيه من الألم؛ ولذلك إذا كنت تعتقد أنك تعاني رهاب الألم فإن خطوتك الأولى ستكون تحديد موعد مع طبيبك من أجل تشخيصك بدقة وقتذاك سوف تحتاج إلى تزويد الطبيب الخاص بك بالكثير من المعلومات. على سبيل المثال:

  1. كم مرة تشعر بالألم؟
  2. ما مدى شدة الألم؟ وما مدة استمراره؟
  3. كيف يؤثر الألم في حياتك؟
  4. هل تتجنب أي أنشطة أو مواقف لمنع ظهور الألم؟
  5. هل تشعر بالخوف أو القلق أو الذعر عند التفكير في الألم؟
  6. ما مدى تأثير هذا الخوف أو القلق على حياتك اليومية وسلوكك؟
  7. ما الأعراض الأخرى التي تشعر بها عندما تفكر في الشعور بالألم؟
  8. منذ متى تشعر بالخوف أو القلق من الألم؟

سينظر الطبيب في إجاباتك ويفحص تاريخك الطبي، وقد يراجع أيضاً الأدوية التي تتناولها، وأحياناً يستخدم اختباراً يسمى "مقياس أعراض قلق الألم" (PASS-20)، وهو مقياس مكون من 20 عنصراً لفحص استجابات القلق والخوف لديك، سيُسجَّل كل سؤال على مقياس من 0 (أبداً) إلى 5 (دائماً)، ويمكن أن يساعد هذا المقياس في تحديد مقدار الخوف والقلق الذي تشعر به وما إذا كانت أعراضك شديدة بما يكفي لتصنيفها على أنها رهاب الخوف، وتجدر الإشارة إلى أن الخوف الشديد من الألم يجب أن يستمر مدة 6 أشهر متواصلة حتى يُشخّص على أنه رهاب ألم.

6 خطوات فعالة لعلاج رهاب الألم 

توجد خطوات فعالة يمكنك اتباعها للتعامل مع رهاب الألم ستؤدي في نهاية المطاف إلى تخفيف حدة الأعراض وتقليل الأثر السلبي الذي يسببه هذا الرهاب في حياتك؛ أهمها:

  1. افهم خوفك: إن فهم خوفك على نحو مفصل ومعمق؛ يمكن أن يساعد في جعل رهابك أكثر قابلية للتحكم، وفهم الخوف يعني هنا معرفة السبب الجذري الذي أدى إلى تطوير رهابك من الألم، ويشمل أيضاً التعرف إلى الأفكار والمشاعر السلبية المرتبطة بالألم.
  2. مارِس التمارين الرياضية: تعد التمارين الرياضية طريقة فعالة للتحكم في حالتك المزاجية وذلك عن طريق تقليل التوتر والقلق وتخفيف الألم، ويمكن أن تساعد ممارسة الرياضية على تقليل الألم المزمن عن طريق بناء العضلات  والحفاظ على مرونتها وتقليل التعب والالتهاب وتقليل حساسية الألم.
  3. تحدَّ الأفكار والمشاعر السلبية: قد تشعر بالضيق أو القلق عند التفكير أو التحدث عن الألم أو تذكر الوقت الذي كنت تشعر فيه بالألم؛ ولهذا إذا وجدت نفسك تفكر في الألم على نحو سلبي أو تعاني مشاعرَ مزعجة، فحاول تعطيل أفكارك ومشاعرك لمنع خوفك من التزايد. ذكّر نفسك بأن الأنشطة التي تتجنبها لا تشكل خطراً عليك، وأن الألم جزء طبيعي من الحياة، وإذا بدأت تحس بمشاعر سلبية، فذكّر نفسك بأن هذه المشاعر ستنتهي قريباً وأن خوفك لا يتناسب مع التهديد الحقيقي.
  4. تصور نفسك وأنت تتغلب على خوفك: يمكن أن تساعدك تقنيات التصور في التغلب على رهاب الألم، وذلك من خلال تخيل نفسك وأنت تواجه خوفك وقلقك وتتغلب عليهما بنجاح، ويمكن القول إن تصور المواقف التي تتجنبها حالياً لأنها تسبب لك الألم بطريقة إيجابية يمكن أن يساعد على طمأنة عقلك بأن كل شيء على ما يرام، وأنك لست في أي خطر؛ حيث إن عقلك لا يستطيع  التمييز في كثير من الأحيان بين الأفكار والواقع؛ لذا فإن تصور المواقف والأنشطة بشكل إيجابي يمكن أن يطمئن عقلك بأنها لا تشكل تهديداً لك.
  5. أجرِ بعض التغييرات في نمط حياتك اليومي: يمكن للعوامل المرتبطة بأسلوب الحياة مثل قلة النوم وارتفاع مستويات التوتر والنظام الغذائي السيئ أن تؤدي إلى تفاقم أعراض الرهاب لديك؛ ولذلك عليك إجراء بعض التغييرات في روتينك اليومي مثل:
  •  الحصول على قسط كافٍ من النوم.
  • تناول الطعام الصحي.
  • تجنب الكافيين والسكر.
  1. احصل على العلاج النفسي: إذا لم تستطع التغلب على رهاب الخوف من خلال الخطوات السابقة، ففي هذه الحالة عليك الاستعانة بالعلاج النفسي الذي يمكن أن يشمل:
  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يركز هذا النوع من العلاج على مساعدتك في تغيير طريقة تفكيرك حول الألم؛ حيث سيثقفك طبيبك النفسي المعالج حول أسباب الألم وكيفية معالجة دماغك للألم، ويمكن أن تساعدك هذه المعلومات على تقليل رهاب الألم.
  • العلاج بالتعرض: يعرضك هذا النوع من العلاج تدريجياً إلى الأنشطة أو الحركات التي كنت تتجنبها سابقاً لاعتقادك أنها ستسبب الألم. على سبيل المثال؛ قد يساعدك القيام بتمارين رفع الساق الخفيفة في التغلب على خوفك من ألم الساق.

المحتوى محمي