دور وسائل التواصل الاجتماعي في وباء الوحدة والعزلة الاجتماعية

3 دقائق
”ذعرتني الأخبار لكن لم أكن متفاجئة“. هكذا تحدثت أستاذة العلوم الاجتماعية والسلوكية
https://www.shutterstock.com/

”ذعرتني الأخبار لكن لم أكن متفاجئة“ هكذا تحدثت أستاذة العلوم الاجتماعية والسلوكية "برين أُستن" (Bryn Austin) في أحدث إصدارات كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد عن تأثير "ميتا" (Meta)؛ الشركة الأضخم في عالم التواصل الاجتماعي، بعد انتشار التسريبات التي أدانت تصرفات موظفي الشركة الذين اهتموا فقط بتعظيم العائد المالي بغض النظر عن صحة المراهقين التي تأذت كثيراً حسب دراساتهم الداخلية.

مفاهيم مرتبطة بالتواصل الاجتماعي

تُقاس جودة العلاقات الاجتماعية من خلال جميع الجوانب الإيجابية والسلبية؛ التي قد تتمثل في الدعم العاطفي أو الاختلاف والتوتر، ويُعرّف العلماء العزلة الاجتماعية على أنها الغياب النسبي للعلاقات الاجتماعية، أما الاندماج الاجتماعي فهو المستوى الكلي للمشاركة في العلاقات الاجتماعية.

ماهية وسائل التواصل الاجتماعي

بدأت منصات التواصل الاجتماعي على أنها وسائل لجعل العالم اللامتناهي قريةً صغيرةً؛ من خلال ربط الناس ببعضهم، وتعزيز الروابط الاجتماعية، وتسهيل الوصول، بَيد أن التضخم السريع في عدد المستخدمين جعل من هذه المنصات وسيلةً لسوق جديد يعتمد على هؤلاء المستخدمين وبياناتهم. وفي خِضم تعدد وسائل التواصل الاجتماعي المجانية؛ ينسى بعض المستخدمين -جهلاً منهم- أن السلعة هي وقتهم وانتباههم من خلال اقتصاد قائم على الانتباه، يقيس العوائد المالية بعدد النقرات، وعدد المشاهدات، ووقت التصفّح. ومن الممكن أن نلاحظ كيف خلق لنا هذا التحول في منظومة شركات التواصل الاجتماعي، العديد من الشركات التريليونية الضخمة؛ مثل ألفابيت (Alphabet) التي تمتلك جوجل والعديد من الشركات التكنولوجية الأخرى عتاداً وبرمجيات، أو ميتا (Meta) التي تمتلك فيسبوك وواتساب وإنستغرام. بالإضافة إلى أن شركات التواصل الاجتماعي عادةً ما تقع في مشكلات أخلاقية تتعلق بكيفية استخدام بيانات المستخدمين وتطوير برمجيات الذكاء الاصطناعي التي تفتقد لأبسط الأخلاقيات البشرية، ويتضح ذلك في تسريبات فيسبوك.

وباء الوحدة والعزلة الاجتماعية في زمن وسائل التواصل الاجتماعي

تضاعفت مؤشرات الوحدة الخطيرة بين المراهقين في دراسة حديثة من كلية الدراسات العليا للتعليم بجامعة هارفارد (Harvard Graduate School Of Education)؛ حيث تحدث 61% من المشاركين عن شعورهم الجاد بالوحدة معظم الوقت أو كل الوقت. ويعتقد "ريتشارد وايسبورد" (Richard Weissbourd)؛ المحاضر في كلية الدراسات العليا للتعليم بجامعة هارفارد، أن وسائل التواصل الاجتماعي تزيد من وطأة الوحدة والعزلة الاجتماعية من خلال نقل صور غير صحيحة عن الواقع، أو حتى اختلاق مشكلات نفسية وعقلية تتعلق بعدد مرات الإعجاب أو إدمان إعجاب الآخرين وقبولهم. ويذكرنا ريتشارد أن الوحدة والعزلة الاجتماعية قد تحمل مشكلات صحيةً تتمثل في الاكتئاب، والقلق، وأمراض القلب، وإساءة استخدام المواد الإدمانية. وتضيف "بيرن أُستن" أن وسائل التواصل الاجتماعي تخلق مشكلات بين المراهقين؛ مثل دوامة المقارنة مع الآخرين التي تتمحور حول صورة الجسم والشكل، كما أن التجارب السلبية -على حد قولها- تجذب مزيداً من الانتباه مقارنةً مع نظيراتها الإيجابية؛ وهذا ما يفسّر تجاهل مدراء فيسبوك لنتائج دراساتهم الداخلية التي تسببت فيها برمجيات الذكاء الاصطناعي.

هل تجعلنا وسائل التواصل الاجتماعي وحيدين ومعزولين؟

نعم من الممكن جداً أن تجعلنا منصات التواصل الاجتماعي بدناء، ووحيدين، ومعزولين. أيضاً يطرح لنا "أنتوني سيلارد" خبير التدريب والقيادة  أفكاره عن كيفية استغلال منصات التواصل الاجتماعي لوحدتنا؛ حيث يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي تسعى بكل الطرق لجعلنا وحيدين ومعزولين حتى نعتمد عليها في التواصل مع من حولنا. بالإضافة إلى أن الاتصال بمن حولنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى المزيد من الوحدة والعزلة الاجتماعية، ويقلّل من رغبتنا في وجود علاقات اجتماعية حقيقية في الواقع. توضح إحدى الإحصائيات التي يستعرضها أنتوني أن 3 من كل 5 أميركيين يشعرون بالوحدة حتى قبل حلول الوباء الأخير. بالإضافة لما سبق؛ تخبرنا دراسة عن أن الاستخدام اللاواعي لمنصات التواصل الاجتماعي، ارتبط مع أعراض الاكتئاب، كما ارتبط قضاء المزيد من الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي بمشاكل ارتفاع اختفاء الاهتمام، وزيادة مشاكل التركيز، والإجهاد والوحدة. أيضاً توصلت دراسة حديثة إلى أن زيادة التجارب السلبية التي تعرّض لها المشاركون خلال استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي ارتبطت بارتفاع حالة العزلة الاجتماعية التي يعايشونها. ومضمون هذه الدراسة يوازي نتائج دراسة أقدم بقليل؛ والتي وجدت أن المشاركين الشبان في الدراسة في مراحل عمرية بين 19 سنة إلى 32 سنة الذين سجلوا أعلى الأرقام من حيث معدل استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي، كانوا أكثر عرضةً للشعور بـ "العزلة الاجتماعية" (Perceived Social Isolation).

كيف نتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي؟

توصلت دراسة من جامعة بنسلفانيا إلى أن تحديد وقت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بنحو نصف ساعة فقط بمعدل ثلاثة أيام أسبوعياً، ارتبط بانخفاض ملحوظ في معدلات الوحدة والاكتئاب أن متابعة المشاركين الشخصية لاستخدامهم، عززن وعيهم، وساهمت في انخفاض ملحوظ في مؤشرات القلق والخوف من فوات اللحظات الاجتماعية؛ حيث استنتجوا أن الوعي بالسلوكيات المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي، يساعدنا على التعامل بعقلانية واتزان.

ختاماً؛ أثبتت العديد من الدراسات دور وسائل التواصل الاجتماعي في وباء الوحدة والعزلة الاجتماعية؛ والتي جعلت منّا سلعة بشكل لا أخلاقي - بحيث يتم استغلالنا مادياً بشتى الطرق. يجب أن نعي جميعاً تأثير هذه المنصات علينا، وتأثير اقتصاد الانتباه على تسليع أوقاتنا وانتباهنا، وأن نفهم سلوكياتنا عند التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، ونسعى لتحييد خطورة قضاء الوقت في ما لا فائدة منه.

المحتوى محمي