ملخص: مع التغيرات الموسمية كل عام، يدور الجدال المعتاد بين محبّي الصيف والشتاء على مواقع التواصل الاجتماعي، فهل ثمة تأثير لتغيرات الطقس في حالتنا النفسية؟
محتويات المقال
يمنحنا فصل الصيف فرصة رائعة لارتداء الفساتين الملونة والملابس المبهجة، وارتياد الشواطئ، وتناول الفاكهة اللذيذة مثل المانغو، وشرب العصائر الباردة المنعشة. ومع ذلك، فإن لفصل الصيف وجهاً آخرَ يبدو مخيفاً؛ حيث إن درجات الحرارة المرتفعة تؤثر في حالتنا المزاجية ومشاعرنا وانفعالاتنا على نحو كبير، فكيف يحدث ذلك؟ وما الطريقة التي يمكننا بها التحكم في حالتنا المزاجية جرّاء ارتفاع درجات الحرارة؟
اقرأ أيضاً: كيف يتأثر لاعبو كرة القدم نفسياً بتغيرات الطقس؟
ما الذي تفعله حالة الطقس بالمشاعر والانفعالات؟
يؤكد أستاذ علم النفس الحيوي بجامعة نيويورك الدكتور نايجل باربر (Nigel Barber) إن أدمغة البشر تستجيب استجابة معقدة لحالة الطقس، فخلال شهور الشتاء، يدفع نقص ضوء الشمس الجسم إلى إنتاج الميلاتونين (وهو هرمون النوم)؛ ولذلك قد يشعر بعض الأفراد بالنعاس في أثناء العمل، وفي الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي عدم التعرض لضوء الشمس بما يكفي خلال الشتاء إلى انخفاض هرمون السيروتونين؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى الاكتئاب أو الإصابة بالاضطراب العاطفي الموسمي (Seasonal affective disorder)؛ وهو نوع من الاكتئاب يرتبط بالتغيرات في المواسم وعادة ما تبدأ أعراضه في الخريف وتستمر طوال أشهر الشتاء.
ولأن عدم التعرض لضوء الشمس بما يكفي يترافق مع نسبة قليلة من فيتامين د الذي يلعب دوراً مهماً في نشاط السيروتونين؛ فإن الأجواء المعتدلة المشمسة ذات تأثيرات إيجابية في الحالة المزاجية؛ حيث إن قضاء الوقت في الهواء الطلق عندما تكون الشمس مشرقة يمكن أن يزيد إنتاج السيروتونين، ويحسن الذاكرة؛ بل ويحفز العملية الإبداعية. أما درجات الحرارة المرتفعة، فإنها مرتبطة بارتفاع معدل الجريمة والعنف.
اقرأ أيضاً: كيف ولماذا يظهر الاضطراب العاطفي الموسمي في فصل الصيف؟
ما تأثير درجات الحرارة المرتفعة في الحالة النفسية؟
سلطت الجمعية الأميركية للأطباء النفسيين (American Psychiatric Association، واختصاراً APA) الضوء على تحديات الصحة النفسية والعقلية الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، ففي عام 2018، توصلت دراسة أجرتها مجلة "نيتشر" (Nature) إلى نتيجة مفادها أن ارتفاع درجات الحرارة قد يؤدي إلى 40,000 حالة انتحار إضافية في الولايات المتحدة والمكسيك بحلول عام 2050.
وفي العام نفسه، أجرى عالم الاقتصاد بجامعة ستانفورد مارشال بيرك (Marshall Burke) دراسة بحثية نُشرت في مجلة "نيتشر كلايميت" (Nature Climate) وتوصل فيها إلى النتيجة نفسها؛ وهي أن زيادة متوسط درجة الحرارة يرتبط بزيادة حالات الانتحار.
كما وجدت دراسة بحثية أخرى نُشرت خلال سنة 2021 في "مجلة الاقتصاد العام" أن جرائم العنف في لوس أنجلوس زادت بنسبة 5.7% في الأيام التي ارتفعت فيها درجات الحرارة فوق 85 درجة فهرنهايت مقارنة بالأيام الباردة.
وفي سياق متصل، أكدت الطبيبة النفسية والمؤسسة المشاركة في تحالف الطب النفسي المناخي، روبن كوبر (Robin Cooper) إن موجات الحرارة الشديدة تُعد من أكثر الظواهر الجوية فتكاً، فخلال عام 2015، تسببت الموجة الحارة بالهند في وفاة 2,500 شخص بسبب ارتفاع درجات الحرارة؛ كما أفاد مركز السيطرة على الأمراض أنه بين عامَيّ 1999 و2010، كان ثمة ما متوسطه 618 حالة وفاة سنوياً بسبب الحرارة الشديدة.
هذا وقد أكدت دراسة نشرتها مجلة "ذا لانسيت بلانيتيري هيلث" (The Lancet Planetary Health) أن زيادة درجات الحرارة تؤدي إلى زيادة الاكتئاب والقلق؛ وذلك لأن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر في الناقل العصبي السيروتونين؛ أحد أهم منظمات الحالة المزاجية لدينا.
أما الطبيبة النفسية هند البدواوي، فقد لفتت النظر إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى توتر الأوتار العصبية المسؤولة عن توازن الحالة النفسية عند الإنسان؛ ومن ثَمّ ظهور بعض السلوكات العنيفة والمشاحنات والحدة في التعامل مع الآخرين.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر التغير المناخي في صحتنا النفسية؟
طرائق التحكم بغضبك الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة
يعتقد الاختصاصي النفسي الإكلينيكي، تشاد باك (Chad A. Buck) أن الأشخاص يعانون إحباطاً وغضباً متزايداً خلال فصل الصيف؛ حيث يؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلى زيادة معدل ضربات القلب ما يؤدي بدوره إلى زيادة احتمالية ردود الأفعال الغاضبة والعدوانية، ويقدم الدكتور تشاد عدة نصائح للتحكم في الغضب الناجم عن ارتفاع درجة الحرارة:
- تحديد محفزات الغضب الخاصة بك: هل تكره قيادة السيارة في شمس الظهيرة؟ هل تنزعج بشدة من الوقوف في الطوابير عند درجة حرارة 40 درجة مئوية؟ حدد محفزات الغضب لديك وبعد ذلك قد تحتاج إلى إجراء تغييرات في جدولك اليومي وإنهاء مهماتك اليومية إما في الصباح الباكر وإما في المساء المتأخر.
- فهم حدود ما هو تحت سيطرتك وتقبله: من الناحية الواقعية، يمكنك فقط التحكم في استجابتك للمواقف والظروف ولا يمكنك التحكم في الطقس؛ لذا فإن الشعور بالإحباط المفرط تجاه ارتفاع درجة الحرارة لن يساعدك على التحسن، الأمر ليس تحت سيطرتنا وعلينا تقبل ذلك.
- التنفس العميق والتأمل: يمكن أن تكون صعوبة التنفس علامة جسدية على الغضب؛ ولهذا عليك أن تركز على تنفسك لتمنح نفسك فرصة للتفكير بعقلانية. ابدأ في التنفس بطريقة مدروسة وإيقاعية للغاية، فعلى سبيل المثال: استنشق من خلال أنفك للعد حتى 4، واحبس أنفاسك للعد حتى 4، ثم قم بالزفير من خلال فمك للعد حتى 4، كرر تمارين التنفس عدة مرات حيث يمكن أن تؤدي الأنفاس العميقة إلى إبطاء معدل ضربات القلب وتساعد على تنظيم جسمك وعقلك، ولا تنسَ قضاء 15 دقيقة في التأمل كل صباح.
- تحويل طاقة الغضب إلى أنشطة إيجابية: يستنزف الغضب قدراً هائلاً من طاقة البشر؛ حيث إنه يلف في دائرة مفرغة تنتقل من الفكرة إلى الشعور ثم السلوك. ولذلك؛ علينا توجيه طاقة الغضب الهائلة إلى أنشطة إيجابية مثل ممارسة الرياضة أو الاستمتاع بالفن مثل الرسم والكتابة التي تعد متنفساً رائعاً لمشاعر الغضب.
اقرأ أيضاً: ما هو الاكتئاب الموسمي؟ وكيف يمكن علاجه؟
في النهاية، قد ننسى أحياناً شرب الماء بسبب جدول الأعمال اليومية المزدحم؛ ولكن الحفاظ على ترطيب أجسامنا مهم للغاية خلال فصل الصيف كما هو مهم أيضاً اللجوء إلى تمارين اليوغا والاسترخاء والحصول على قسط كافٍ من النوم، وإذا لم تستطع التحكم في غضبك بسبب حرارة الجو عليك أن تطلب المساعدة من المتخصصين النفسيين؛ لا تتجاهل مشكلات الغضب أو تقلبات المزاج، فقد تصاب بمشكلة خطِرة تتعلق بالصحة العقلية في وقت لاحق من الحياة.