خجل طفلك لا يعيبه، إليك طرق تقوية شخصيته

4 دقائق
خجل الطفل
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: ربما قد تكون رأيت طفلاً في إحدى المناسبات يخجل من التفاعل مع الحضور رغم مطالبة والداه إياه ألا يستحي وتشجيعه على الاندماج اجتماعياً، والتعامل السابق يعد خاطئاً لأن العلم يؤكد أن خجل الطفل يمثل أحياناً سمة شخصية، ومن أجل معرفة حقيقة ذلك علينا التفرقة بين الخجل والانطوائية والقلق الاجتماعي، وعندما تتأكد أن ما يعاني منه الطفل هو الخجل الذي يعطل حياته أو يستمر حتى بعد تعرّفه إلى الآخرين فينبغي اتباع الطرائق التي يقدمها المقال لتقوية شخصيته.
يواجه الكثير من الوالدين موقفاً متكرراً مع أطفالهم يتمثل أنه عندما يصطحبونهم إلى المناسبات الاجتماعية ينسحب الأطفال من التفاعل والتواصل مع الحاضرين، ما يضع الوالدين في وضع حرج يبررونه بأن طفلهم يعاني من الخجل، محاولين في الوقت نفسه تشجيعه على أن يندمج إجتماعياً ويتخلى عن خجله ويتحلى بالشجاعة.

الخطأ في رد الفعل السابق اعتبار الخجل سمة معيبة للشخص بينما هو في حقيقة الأمر يرتبط بتنوع البشر، فمثلما هناك الهادئ أو المنفعل يوجد كذلك الخجول أو المنفتح إجتماعياً، فليس هناك سبب منطقي للاعتذار عن خجل الطفل فهذا سيجعله ينسحب أكثر ويصبح محبطاً تجاه التفاعل مع محيطه.

بالأخص مع اعتبار نسبة الأطفال الخجولين غير قليلة، فبحسب دراسة أجراها المعهد الوطني الأميركي للصحة النفسية (National Institute of Mental Health) أعتبر نصف المراهقين الأميركيين أنفسهم خجولين، وأكد الكثير منهم أنهم كانوا خجولين أيضاً في طفولتهم، وهذا ما يجعل هناك حاجة لأن نفهم جوانب الخجل عند الأطفال جيداً حتى ننجح في استيعابهم.

ما الفرق بين الانطوائية والخجل؟

إذا ما وجد أحد الوالدين طفله غير محبذ للتواصل مع الآخرين قد يحتار بين اعتباره خجولاً أو انطوائياً، وهما سمتان مختلفتان بحسب عالم النفس جان أوتو (Jean Otto) الذي يشير إلى أن الطفل الخجول يشعر بعدم الراحة والضعف في المواقف الاجتماعية لكنه عندما تتاح له الفرصة للتعرف أكثر إلى الأشخاص المتواجدين يمكن أن ينفتح على التواصل معهم.

بينما الطفل الانطوائي يحتاج بطبعه إلى قدر معين من العزلة لا يتنازل عنه، وحتى لو ذهب إلى مناسبة اجتماعية على سبيل المثال وبها أشخاص يعرفهم مسبقاً فهو لا يتواصل معهم إلا في حدود معينة، وينسحب بعد مرور بعض الوقت من أجل الذهاب إلى عزلته مرة أخرى.

في السياق نفسه هناك أيضاً القلق الاجتماعي وهو حالة تصحبها أعراض جسدية مع الشعور بالتوتر وعدم الارتياح، ويمكن التفرقة بين الخجل والقلق الاجتماعي بظهور أعراض جسدية على الطفل أهمها الصداع أو آلام المعدة عند مواجهته مجموعة مواقف فيها تواصل مع الآخرين، ويظهر القلق الاجتماعي في معاناة بعض الأطفال من آلام جسدية واضحة في الليلة التي تسبق ذهابهم إلى المدرسة.

من الضروري كذلك معرفة أنه في بعض الأحيان يكون خجل الطفل بحسب المختص النفسي السعودي أسامة الجامع مصدره العيش في بيئة تتسم بالتدقيق والحماية والتحكم المفرط والانتقاد المستمر ما ينعكس عليه بانكماش شخصيته، ويكون العلاج في هذه الحالة العمل على تشجيع الطفل وتكليفه بمسؤوليات مستقلة ومساعدته على تجاوز مخاوفه وطمأنته، ودفعه للمشاركة في الأنشطة الاجتماعية وتعليمه مهارات التواصل الاجتماعي.

متى يدعو خجل الطفل إلى القلق؟

توجد العديد من الأساليب التربوية التي يمكن العمل من خلالها على دمج الطفل الخجول إجتماعياً، لكن أحياناً لا تفلح تلك الأساليب ويظل الخجل يتفاقم ليتحول إلى قلق اجتماعي لذلك تنصح طبيبة الأطفال كاتي لوكوود (Katie Lockwood) في حال امتداد تأثير الخجل في حياة الطفل مثل أن يضعف أدائه التعليمي أو يحجم عن ممارسة الأنشطة الرياضية بالتحدث مع مختص تعديل السلوك.

وتوجد العديد من العلامات وفقاً للمختصة النفسية هايدي غزال تجعل خجل الطفل يدعو إلى القلق، أبرزها أن يكون ذلك الخجل مستمراً وليس مؤقتاً، بمعنى أنه حتى بعد تعرف الطفل على الآخرين يفضل عدم التواصل معهم، وأيضاً إذا كان الطفل يخجل من الأطفال الذين في سنه وليس من البالغين فقط ومن ذلك لعبه بمفرده عندما يكون وسط أقرانه.

وتلفت غزال الانتباه إلى أن خجل الطفل قد ينتج عنه فقدانه فرصة التفاعل مع الأطفال الآخرين، وهي ممارسة ضرورية تعلمه المهارات اللازمة لتطوره مثل فهم مشاعر الآخرين وتبادل معهم اللعب والحديث، ما يجعل في النهاية مستوى إدراكه الاجتماعي ومهاراته الاجتماعية منخفضة عن الأطفال في نفس مرحلته العمرية.

طرق تقوية شخصية الطفل الخجول

يبحث الوالدون الذين لديهم أطفال خجولين عن طرق يعملون بها على تقوية شخصيات أطفالهم ومساعدتهم على تجاوز خجلهم، وذلك ما يمكنك تحقيقه باتباع عدة نصائح تقدمها المختصة النفسية لورا ماركهام (Laura Markham):

1. تعاطف مع طفلك وتجنب وصمه

الخطوة الأولى لدعم طفلك الخجول هي تجنب إصدار أحكام سلبية على خجله، فذلك سيساعده على الشعور بالرضا عن نفسه ومن ثم فتح المساحة لتطوير مهاراته الاجتماعية.

2. علمه تقبل الشعور بعدم الارتياح في بعض المواقف الاجتماعية

يعد الشعور بعدم الراحة جزء لا يتجزأ من التجارب الجديدة التي نعيشها، لذا علم طفلك أنه لا بأس أن يشعر بعدم الارتياح عندما يقابل أشخاصاً جدد أو يذهب لأماكن لم يزرها من قبل، وحينها سيكون الأجدى له أن يتفكر هل هناك خطر حقيقي أم لا؟ فهذا سيساعده على طمأنة نفسه والالتفات للتفاعل تدريجياً مع المحيطين به وصناعة تجربة إيجابية.

3. اجعله يراك نموذجاً إجتماعياً يحتذى به

يتحقق ذلك بأن تكون ودوداً مع الآخرين تمد لهم يد العون، ما ينعكس على طفلك بأن يقتدي بك ويسهل عليه الانخراط في المجتمع.

4. زوده بالمهارات الاجتماعية الأساسية

يحتاج طفلك إلى تعليمه أساسيات التواصل الاجتماعي مع الآخرين، مثل: كيفية التواصل بصرياً معهم ومصافحتهم والابتسام لهم والرد على أحاديثهم بطريقة مهذبة، ومن أجل تحقيق ذلك جرب أن تضع سيناريوهات للمحاكاة في المنزل تدربه من خلالها على التفاعل الاجتماعي.

5. دربه على التعبير عن احتياجاته والدفاع عن نفسه

يعد ذلك ضرورياً لزيادة ثقة طفلك بنفسه عندما لا تكون برفقته، على سبيل المثال مرنه على مواجهة الإهانة والدفاع عن نفسه بتهذيب، فتلك الممارسة مؤثرة للغاية في تقوية شخصيته أمام التنمر الذي من المحتمل أن يتعرض له.

6. حاول إرشاده إلى كيفية التعامل مع المواقف التي تثير قلقه

سيواجه طفلك بعض المواقف التي تجعله يشعر بالحرج الاجتماعي مثل تواجده في حفلة مدرسية، وهنا يأتي دورك في مده بإرشادات فعالة لكيفية التصرف، مثل أن يبحث عن صديق يعرفه أو أن يحاول الاندماج في بعض الأنشطة التي يفضلها وألا يركز على المشاعر التي تزيد إرتباكه.

يعد الخجل في حدوده المعقولة التي لا تجعله عائقاً يمنع طفلك من الذهاب إلى مدرسته أو ناديه أمراً طبيعياً لا يدعو للقلق، فليس كل الأطفال على نفس الدرجة من الانفتاح الاجتماعي ويمكن باتباع النصائح السابقة أن تجعل طفلك أقل خجلاً، لكن الأهم ألا تضغط عليه وتحتويه قدر الإمكان حتى تسهم في بناء شخصيته المتزنة.

المحتوى محمي