استخدم هذه التقنية اليابانية للتغلب على القلق والاكتئاب

5 دقائق
حمّام الغابة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: "الاستحمام في الغابة" أو "حمّام الغابة" أو "شينرين يوكو" هو مصطلح ظهر في اليابان في فترة الثمانينيات، وهو ممارسة تأملية واعية تنطوي على الانغماس في الغابة من خلال حواسك جميعها، ولها العديد من الفوائد للصحة النفسية.

في الثمانينيات من القرن الماضي، ظهر في اليابان مصطلح جديد هو "شينرين يوكو" (Shinrin-yoku) ويقابله في اللغة الإنجليزية "Forest Bathing" وفي العربية "حمّام الغابة"، ولا يُقصد بالاستحمام ما تحمله الكلمة من معنى؛ وإنما الاستجمام والاسترخاء في أحضان الطبيعة. وقد ظهر المصطلح ليصف ممارسة فيزيولوجية ونفسية علاجية في مواجهة التقدم التكنولوجي الهائل الذي اجتاح الدنيا حينها، وإلهام السكان لإعادة الاتصال بغابات البلاد وحمايتها. وسرعان ما تبنى اليابانيون هذا النوع من العلاج؛ بل وانتشر حول المعمورة، وإليك كل ما يتعلق بهذه الممارسة وفوائدها للصحة النفسية.

ما هو حمّام الغابة أو الاستجمام في الطبيعة؟

حمّام الغابة هو ممارسة تأملية واعية تعني أن تنغمس في الطبيعة من خلال حواسك جميعها، وهذا يعني أن تهتم وتراقب محيطك باستخدام البصر والشم والسمع واللمس دون أن تمتلك أي وجهة أو هدف سوى ملاحظة البيئة المحيطة بك وتقديرها.

على سبيل المثال؛ أن تلاحظ ألوان أوراق الأشجار وأشكالها المختلفة، وتراقب حركة ظل أوراق الشجرة على الأرض أو سطح الماء، وتستنشق رائحة الأوراق المتساقطة والتربة، وتستمع إلى صوت الأغصان التي يحركها الهواء أو صوت المياه، وتلمس قوام لحاء الأشجار، ويمكنك في نهاية الرحلة أن تشرب الشاي مع القرفة أو شيء آخر لتجربة حاسة التذوق في الغابة.

وجدير بالذِّكر إن مصطلح "حمّام الغابة" يشبه إلى حدٍّ كبير مصطلح "الحمّام الشمسي"، والفكرة هي أن ينخرط الشخص بكامل حواسه في ملاحظة المحيط وتنفس الأوكسجين وزيوت الخشب التي تنبعث من الأشجار؛ وكأنه يستحم بجو الغابة بدلاً من المياه.

اقرأ أيضاً: كيف تساعدك ممارسة البيودانزا في مكافحة الاكتئاب بالاعتماد على الرقص؟

فوائد الاسترخاء في الطبيعة للصحة النفسية

قد يكون المصطلح وليد العصر الحديث في اليابان؛ لكن الممارسة ليست جديدة فعلياً، فنحن نشعر فطرياً بتأثير الطبيعة فينا؛ بل ولكثير من الأسباب بات "الاستحمام" في الغابة أو الطبيعة يُسمى بالعلاج في الغابات، أو طب الغابات؛ وهو علم جديد متعدد التخصصات ينتمي إلى فئات الطب البديل والطب البيئي والطب الوقائي الذي يشمل دراسة آثار بيئة الغابات في صحة الإنسان.

ومن الدراسات عن هذا التأثير، مراجعةٌ نُشرت في دورية الصحة البيئية والطب الوقائي (Environmental Health and Preventive Medicine) عام 2017، وأشارت إلى أن بيئة الغابات تعزز الصحة والرفاهية، وذكرت وجود ارتباط بين مقدار تعرض الفرد للبيئات الخضراء والنتائج الإيجابية التي انعكست على الصحة.

ووفقاً للدراسات التي ذكرتها المراجعة؛ فثمة أدلة أولية تشير إلى وجود تأثير إيجابي للطبيعة والأشجار في الصحة الجسدية؛ إذ إنها ذات تأثير إيجابي في الوظيفة الإدراكية، والوظيفة المناعية، ومستويات السكر في الدم لدى مرضى السكري، وضغط الدم المرتفع، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وتشير الدراسات التي أُجريت على مرضى الجراحة إلى أن التعرض لبيئة خضراء يرتبط بارتفاع معدل الشفاء وانخفاض معدل الوفيات، بالإضافة إلى العديد من الآثار الإيجابية في الصحة النفسية؛ ومنها:

اقرأ أيضاً: ما هو دور العلاج بالرقص والحركة في تعزيز الصحة النفسية؟

الحدّ من التوتر والاكتئاب

أظهرت دراسة منشورة في دورية الصحة العامة (Public Health) عام 2019، أن الاستجمام والاسترخاء في أحضان الطبيعة يخفّض مستويات هرمونات التوتر مثل الأدرينالين البوليّ والنورأدرينالين والكورتيزول؛ ما يسهم في تحسين الحالة المزاجية ويقلل درجات التوتر والارتباك والتعب والاكتئاب والغضب. وتشير نتائج الدراسة إلى أنه قد تكون للارتماء في أحضان الطبيعة آثار وقائية من الأمراض المرتبطة بنمط الحياة.

كما وجدت مراجعة أُخرى منشورة في المجلة الدولية لأبحاث البيئة والصحة العامة (International Journal of Environmental Research and Public Health) عام 2020، أنه من المحتمل أن تكون الطريقة اليابانية "شينرين يوكو" فعالة من حيث التكلفة في التخفيف من مشكلات الصحة النفسية، وتعزيز الرفاهية النفسية الشاملة، خصوصاً عند الأشخاص الذين يعانون الإجهاد والاكتئاب والوحدة والعزلة الاجتماعية وتحديات الصحة النفسية الأخرى، وقد أظهرت النتائج وجود علاقة إيجابية مهمة بين الطبيعة واليقظة ومقاييس الرفاهية النفسية.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد الموسيقى على علاج أو تخفيف الضغوط؟

الحدّ من القلق وتعزيز المزاج

يقول الاختصاصي والمعالج النفسي، أسامة الجامع، إن إطالة النظر في المساحات الطبيعية الخضراء له أثره الإيجابي في مزاج الإنسان، والقدرة على التخفيف من أثر الضغوط بعد يوم عمل مجهد.

ووجدت مراجعة منشورة في المجلة الدولية للصحة النفسية والإدمان (International Journal of Mental Health and Addition) عام 2022، تحسناً ثابتاً في الحالة المزاجية بعد جلسات "حمّام الغابة"، بالإضافة إلى أنها تحدُّ بفعالية من أعراض الصحة النفسية على المدى القصير، وخصوصاً القلق.

وفي دراسة أخرى منشورة في مجلة الاستدامة (Sustainability)، توصل الباحثون إلى أن ساعتين من "حمّام الغابة" كفيلتان بتقليل الشعور بالقلق واجترار المشكلات وتعزيز التواصل الاجتماعي والشعور بالتعاطف.

بالإضافة إلى ذلك، تنبعث من النباتات وأشجار الغابات مركبات زيتية عطرية مضادة للميكروبات تُسمى "المبيدات النباتية" (Phytoncides)، تحمي النباتات والأشجار من الحشرات والجراثيم. وبالنسبة إلى البشر، يساعد استنشاق هذه الزيوت على زيادة مستوى الخلايا القاتلة الطبيعية في الدم التي تكافح العدوى والسرطانات، وتدعم وظيفة الجهاز المناعي، وتعزز الحالة المزاجية والانتباه، وتحسن النوم، وتزيد القدرة على الإبداع.

اقرأ أيضاً: كيف يمنحك الاندماج مع الطبيعة سعادة لا تقدَّر بثمن؟

تعزيز اليقظة الذهنية 

اليقظة الذهنية هي نوع من أنواع التأمل الذي تركز فيه انتباهك ووعيك على ما تحس به في اللحظة الراهنة؛ أي الإحساس الواعي بمحيطك بالإضافة إلى حالتك الداخلية في الوقت الحالي، بدلاً من التفكير فيما حدث في الماضي أو فيما سيحدث في المستقبل، ودون إصدار أحكام أو تأويلات. باختصار؛ إنها الانتباه إلى ما هو موجود الآن.

واليقظة الذهنية تقلل التوتر والقلق وتحسِّن الانتباه والذاكرة وتعزز تنظيم المشاعر والتعاطف. وبالطبع، تنطوي ممارسة حمّام الغابة على اليقظة؛ حيث تركز حواسنا على ما هو موجود حولنا في اللحظة الراهنة.

إذ يساعد المشي في الغابة والانغماس فيها على الابتعاد عن الشاشات، ويوقف اجترار الأفكار السلبية والقلق والتفكير الوسواسي، ويساعد على الخروج من دوامة المشاعر السلبية التي يسببها الكثير من الإجهاد اليومي والمزاج السيئ.

اقرأ أيضاً: كيف نستخدم الطبيعة لعلاج الاضطرابات النفسية؟

كيف تمارس الطريقة اليابانية للاسترخاء في الطبيعة؟

تختلف ممارسة "حمّام الغابة" عن التنزه الاعتيادي في الطبيعة؛ إذ إن النزهة الاعتيادية في الحديقة أو الغابة قد تنطوي على المشي السريع، أو الدردشة مع صديق، أو الاستماع إلى الموسيقا، أو تفقّد الهاتف المحمول، أو تشتت الأفكار ببساطة وعدم التركيز بوعي على ما يحيط بك. في المقابل، ينبغي عند "الاستحمام" في الغابة تركيز الحواس بغية ملاحظة أدق التفاصيل الصغيرة خلال الرحلة، وهو أمر قد لا تقوم به في نزهة اعتيادية.

وعليك أن تعلم أن "حمّام الغابة" ليس حلاً سريعاً أو دواءً سحرياً؛ بل ممارسة تتطلب الالتزام، وقد أظهرت الأبحاث أن قضاء 120 دقيقة على الأقل أسبوعياً في الطبيعة يرتبط بالصحة الجيدة والرفاهية، وبالطبع يمكنك تقسيم هذا الوقت إلى نزهات قصيرة مثلما تشاء.

في الأحوال جميعها، عندما تريد ممارسة هذه الطريقة، تأكد أن تأخذ وقتك في التجربة وأن تنخرط بحواسك أكملها، وأن تلاحظ أحاسيسك التي تشعر بها، وكيف ترتبط بالعالم الطبيعي. وإليك ما تريد الانتباه إليه في أثناء المشي في الغابة:

  • ماذا ترى؟
  • ما أنواع الأشجار التي يمكنك تمييزها؟
  • هل تسمع صوت تهشُّم الأوراق والأغصان اليابسة تحت قدميك؟
  • هل تشعر بنسيم خفيف؟
  • هل تشعر بحركة حيوان قريب؟
  • هل يمكنك التنفس بعمق؟
  • هل تستنشق رائحة الأشجار؟
  • هل تشعر بنعومة أوراق الصنوبر؟
  • هل تشعر برابط قوي مع الطبيعة حولك؟
  • هل تشعر بالهدوء؟
  • هل تشعر بالاستمتاع؟

ختاماً، يمكن القول إنه في خضمّ هذا العالَم المتسارع المشغول و"الأونلاين" دائماً، قد يعمل الاستجمام في الطبيعة بوصفه علاجاً تكميلياً مع العلاج الأساسي، خصوصاً في حالات أمراض الصحة النفسية، أو قد يكون إجراء وقائياً لأولئك المعرضين لخطر الإصابة بأمراض نفسية وأمراض أخرى.

المحتوى محمي