كيف تحمي نفسية أطفالك وأنت تتابع أخبار الحروب؟

5 دقائق
نفسية الأطفال وأخبار الحروب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: خلال الأيام القليلة الماضية، ومع اندلاع أحداث الحرب في غزة، سألني أطفالي الكثير من الأسئلة حول جدوى الحرب ومصير الأطفال وأين سينامون بعد أن تهدمت بيوتهم. كنت حريصة للغاية وأنا أتحدث إليهم، على حماية نفسياتهم، وفي هذا المقال سأخبركم كيف تُمكن حماية صحة أطفالكم النفسية في أثناء متابعتكم أخبار الحروب.

ماذا تفعل كل صباح بعد أن تستيقظ من النوم؟ هل تتابع أخبار الحروب؟ ماذا عن أطفالك الصغار في البيت؟ هل تعلم أن نفسيات الأطفال تتأثر تأثراً عميقاً بأخبار الحروب حتى لو كانت الحرب على بعد آلاف الأميال؛ حيث إن رؤية صور الحرب وسماع أخبارها يمكن أن يهزا صورة العالم في عيون الأطفال، فلا يعود مكاناً آمناً بالنسبة إليهم.

وخلال هذه الأيام، يشاهد الأطفال صور الحرب في غزة على نحو متكرر، من خلال التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، وتتجسد تلك المشاهد في أصوات الصواريخ والمنازل المدمرة والأطفال الملطخين بالدماء، وأعمدة الدخان التي تتصاعد من كل مكان، ومحاولات الإخلاء الواسعة النطاق، ومشاهد توديع الأمهات لأطفالهن داخل أروقة المستشفيات. والأطفال الذين يتعرضون إلى تلك المشاهد سوف تتأثر صحتهم النفسية على نحو سلبي، وإليك في هذا المقال كيف تحمي نفسية طفلك وأنت تتابع أخبار الحروب.

لماذا تتأثر نفسية الأطفال بالحروب؟

يؤكد الطبيب النفسي المتخصص في الصدمات، أراش جافانباخت (Arash Javanbakht)، إن البشر كائنات اجتماعية ومتعاطفة. ولذلك؛ فإنهم يتأثرون بالصدمات النفسية التي تحدث مع الآخرين، وفيما يخص الأطفال، فإن التدفق المستمر للصور والفيديوهات التي تخص الحرب يمكن أن يجعل الأمر يبدو وكأن الأزمة تحيط بهم في كل مكان. وقد لا يميز الأطفال الأصغر سناً بين الصور التي تظهر على الشاشة وواقعهم الشخصي؛ ولهذا فإنهم يعتقدون أنهم في خطر داهم، حتى لو كان الصراع يحدث بعيداً عنهم، وقد يتساءلون من وقت إلى آخر في أثناء الحرب: "هل سنموت جميعاً؟".

وفي سياق متصل، فإن الأطفال الصغار معتادون على رؤية العالم بالأبيض والأسود، أو الخير مقابل الشر. ولذلك؛ فإن صور الحرب تفقدهم الإحساس بالأمان وتجعلهم يشعرون أن العالم مكان مليء بالشر والأشخاص السيئين الذي يقتلون الأبرياء. ووفقاً لما ذكرته الاستشارية النفسية، لمى عودة؛ فإن قدرات الأطفال المعرفية والعصبية لم تتطور بعد بالكامل. ولذلك؛ فإنهم لا يستوعبون المعنى الكامل للحرب، ناهيك بأنهم لا يستطيعون تحليل الأمور وتفسيرها بطريقة منطقية مثل البالغين، وتضيف عودة إن الأطفال حين يتعاملون مع أحداث الحرب قد يشعرون بالذنب. 

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الحروب في نفسية الأطفال؟ وما الذي يمكن فعله للتخفيف عنهم؟

علامات تخبرك بأن طفلك متأثر نفسياً بأخبار الحرب

تنصح الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (The American Academy of Pediatrics AAP)، الآباء والمعلمين ممن يتعاملون بصفة وثيقة مع الأطفال، بضرورة تصفية معلومات الحرب وتقديمها للأطفال بطريقة يمكن فهمها والتعامل معها على نحو صحي. وفي بعض الأحيان، قد ترى بعض العلامات النفسية والجسدية التي تخبرك بأن طفلك متأثر نفسياً بشدة من أخبار الحرب؛ مثل: 

  1. اضطرابات النوم.
  2. رؤية الكوابيس في أثناء النوم.
  3. الشعور بالصداع.
  4.  معاناة آلام المعدة.
  5. ظهور اضطرابات في الشهية.
  6. السلوك التراجعي؛ بما فيه التراجع الاجتماعي، أو التصرف بأسلوب غير ناضج، أو سرعة الانفعال.
  7. الشعور بالحزن والقلق والاكتئاب.
  8. البكاء بصفة مستمرة.
  9. رفض الخروج من المنزل.
  10. التبول في أثناء النوم.
  11. الشعور بالذنب.
  12. زيادة معدل ضربات القلب.

ما السن المناسبة التي يمكن أن تتحدث فيها إلى أطفالك عن الحرب؟

توضح خبيرة الأمومة، ديبورا غيلبوا (Deborah Gilboa)، إنه من الأفضل الانتظار حتى سن 8 سنوات أو أكثر للتحدث إلى الأطفال حول الحروب وأحداث العالم الخطِرة. ولكن إذا سمع الأطفال الأصغر سناً عن الحرب من مصدر أخر، فحينها يجب التحدث إليهم ولكن بمعلومات مقتضبة وواضحة تتضمن الرسالة التالية: "ثمة حرب تدور في مكان بعيد، ونحن في أمان"، فالأمر الأهم بالنسبة إلى الأطفال هو ضرورة الشعور بالأمان والطمأنينة.

اقرأ أيضاً: كيف تتابع أخبار الحرب دون أن تفقد سلامك النفسي؟

كيف تحمي نفسية أطفالك في أثناء متابعة أخبار الحروب؟

في أوقات الحروب والأزمات، يخيم الإحساس بالحزن والقلق والاكتئاب. ولذلك؛ يتطلع الأطفال إلى والديهم بحثاً عن الشعور بالأمان والطمأنينة، وفيما يلي بعض الإرشادات التي قد تساعد على حماية نفسية الأطفال خلال متابعة أخبار الحرب:

  • اكتشف ما يعرفونه وما يشعرون به: نقطة البداية الجيدة هي أن تسأل طفلك عما يعرفه وكيف يشعر تجاهه. قد لا يعرف بعض الأطفال سوى القليل عما يحدث ولا يهتمون بالحديث عنه؛ لكن قد يشعر آخرون بالقلق والخوف في صمت. مع الأطفال الأصغر سناً، قد يساعد كل من الرسم والقصص والأنشطة الأخرى على فتح المناقشة؛ ولهذا اختر وقتاً مناسباً للحديث وتجنب تماماً التحدث عن الحرب قبل النوم مباشرة.
  • اشرح الغرض من الحرب: إذا كان طفلك أكبر سناً، فمن المحتمل أن يسألك عن سبب اندلاع الحرب. ولذلك؛ اشرح له الأمر بطريقة بسيطة: الحرب تهدف إلى منع حدوث المزيد من الأشياء السيئة في المستقبل. وضح له إن العنف ليس طريقة جيدة لحل النزاعات؛ ولكن في بعض الأحيان تقرر الدول أنها بحاجة إلى بدء حرب للحفاظ على سلامة الناس في المستقبل.
  • استمع إلى مخاوفه: من المهم للغاية الاستماع إلى مخاوف طفلك وعدم التقليل منها أو تجاهلها. إذا أخبرك بأنه خائف من القتل، فطمئنه بأن ذلك لن يحدث، وأخبره بأن ما يمر به من مشاعر أمر طبيعي. أظهِر له أنك تستمع إليه من خلال منحه اهتمامك الكامل، وتذكيره بأنه يمكنه التحدث إليك أو إلى شخص بالغ آخر تثق به وقتما يريد.
  • قلل مشاهدة أخبار الحرب: حُدّ من تعرض طفلك إلى أخبار الحرب عن طريق تقليل الوقت الذي يقضيه على شاشة التلفزيون والإنترنت. وفي هذه الحالة، يُعد إيقاف تشغيل الأجهزة الإلكترونية وفصلها مفيداً لصحة طفلك النفسية.
  • اعتنِ بنفسك: سوف تكون قادراً على حماية نفسية أطفالك من أخبار الحرب إذا كنت أنت نفسك لا تشعر بالقلق أو الهلع؛ حيث يلتقط الأطفال استجابات الوالدين تجاه الأحداث ويفعلون مثلها. ولذلك؛ إذا كنت تشعر بالقلق أو التوتر، فخصص وقتاً لنفسك للقيام بالأشياء التي تساعدك على الاسترخاء.
  • لا تتجنب الأسئلة الصعبة: وفقاً لما ذكرته الطبيبة النفسية ومستشارة الأطفال في منظمة إنقاذ الطفولة، آني ليمتشي (Ane Lemche)؛ فإن تجنب الحديث والإجابة عن أسئلة الحرب الصعبة قد يجعل الأطفال يشعرون بالخوف. ولذلك؛ حاول أن تشرح لهم قدر الإمكان وفقاً لما تسمح به أعمارهم.
  • شاهد الأخبار مع الأطفال الأكبر سناً فقط والمراهقين: بالنسبة إلى الأطفال الأكبر سناً والمراهقين، فإنهم سيشاهدون الأخبار على أي حال، سواء أكان ذلك من خلال هواتفهم أم من خلال متابعة الأخبار في الخارج. ولذلك؛ تابع الأخبار بصحبتهم، وتناقش معهم حول رؤيتهم للأحداث، واسمح لهم بطرح الأسئلة. أما بالنسبة إلى الأطفال ما قبل المدرسة أو المدارس الابتدائية، فمن المفضَّل أن تغلق التلفزيون فور عرض المشاهد المؤلمة.
  • امنحهم طريقة عملية للمساعدة: على سبيل المثال؛ تُمكنهم المشاركة في جمع التبرعات، أو إبداع رسومات من أجل السلام؛ حيث يمكن للأطفال الذين تُتاح لهم فرصة المساعدة أن يشعروا وكأنهم جزء من الحل بدلاً من الشعور بالعجز.
  • طمئنهم دائماً أنهم بخير: عادة ما يبحث الأطفال خلال هذا الوقت عن الشعور بالأمان. ولذلك؛ عليك طمأنة طفلك دائماً أنه بخير. استخدم أيضاً التطمينات غير اللفظية مثل العناق والابتسامات والقبلات، وحتى لو كنت تشعر بالقلق، أظهِر دائماً ثقتك في قدرتك على حماية طفلك ومحبته.
  • كن مستعداً لإعادة النظر في الموضوع مراراً وتكراراً: لا تتحدث إلى طفلك مرة واحدة فقط عن الحرب وتعتقد أن الموضوع قد انتهى! سوف يستمر طفلك في طرح الأسئلة وعليك في كل مرة أن تجيب عنها بصبر وتعاطف. وفي هذا السياق، يوضح أستاذ علم النفس التربوي، دان أوهير (Dan O’Hare)، إن القلق عند الأطفال قد يتجسد في صور غير لفظية، وقد يكونون أكثر هدوءاً أو أكثر عصبية من المعتاد،ويمكن للأطفال أن يكوّنوا وجهات نظر سريعة وفقاً للأحداث بأن العالم غير آمن ولا يمكن التنبؤ به؛ لذا تواصل معهم بطريقة عامة كل بضعة أيام.
  • علّم أطفالك المرونة: يجب أن يعلم أطفالك أن العالم يمر بأوقات سيئة، وأننا نواجه دوماً أوقاتاً لا نشعر فيها بالسعادة؛ ولكن تذكّر أن تعلّم المرونة يتطلب وقتاً، وأن كل طفل مختلف عن الآخر، فقد يستجيب طفلك إلى بعض استراتيجيات المرونة التي لا يستجيب إليها آخر.

في النهاية، حين تجد نفسك تشعر بالقلق أو الحزن، تذكّر أن هذا رد فعل طبيعي وإنساني تجاه معاناة البشر الآخرين. وإذا وجدت أطفالك يشعرون بالخوف، خذ قسطاً من الراحة، وشارك مع أطفالك بعض الأنشطة الممتعة بعيداً عن نشرات الأخبار. وإذا لاحظت أن طفلك ما زال حزيناً ومكتئباً بسبب الحرب، لا تتردد في طلب المساعدة من طبيب نفسي متخصص.

المحتوى محمي