على مر السنين، يعمل الباحثون على اكتشاف علاجات جديدة للأمراض المختلفة الآخذة في الزيادة يوماً بعد يوم، لتمكين الأفراد من العيش لفترات أطول بصحة جيدة، ما أدى إلى ارتفاع متوسط الأعمار على المستوى العالمي من 21.5 في عام 1970 إلى أكثر من 30 عاماً في عام 2019، ليصبح 8% من السكان أكبر من 65 عاماً.
كذلك، فإن معدل العمر العالمي المتوقَّع أصبح 72.6 سنة لعام 2019، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، ما أدى إلى تغيرات كبيرة في الهيكل العمري للسكان.
على الرغم من أن هذا الارتفاع في متوسط الأعمار قد يكون إشارة جيدة للتقدم العلمي، فإنه يشير أيضاً إلى جانب مظلم شددت عليه دراسة حديثة نُشرت في دورية "لانسيت" للصحة العامة، وهو زيادة مرتقبة مفزعة في حالات الخرف التي قد تصل عالمياً إلى 153 مليوناً بحلول عام 2050.
الخرف
بحسب مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، فالخرف ليس مرضاً محدداً، ولكنه مصطلح عام يشير إلى ضعف القدرة على التذكر أو التفكير أو اتخاذ القرارات، ما يؤثر سلباً على أداء الأنشطة اليومية، ويعتبر ألزهايمر أكثر أنواعه شيوعاً.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية؛ الخرف هو أحد الأسباب الرئيسة للوفاة في جميع أنحاء العالم، حيث يحتل المرتبة السابعة، وتتأثر به النساء أكثر من الرجال؛ حيث تشير الأبحاث إلى أن نسبة النساء المصابات به إلى نسبة الرجال المصابين كانت 100 إلى 69 في عام 2019، وتشير تقديرات الدراسة الحالية إلى أن هذا النمط سيستمر حتى عام 2050.
المناطق الأكثر تضرراً
في الدراسة الحديثة التي أجرتها جامعة واشنطن بالولايات المتحدة، والتي أشارت بدورها إلى أن إفريقيا والشرق الأوسط سوف تمثل غالبية الحالات، حذّر الباحثون من أن عدد البالغين المصابين بالخرف قد يتضاعف بنحو ثلاث مرات خلال العقود الثلاثة المقبلة إذا لم يتم اتخاذ خطوات عاجلة فعّالة لتقليل عوامل الخطر، والتي تشمل أنماط الحياة غير الصحية، والتدخين، والسمنة، وارتفاع مستوى السكر في الدم.
تشير الدراسة التي تغطي 204 بلدان إلى أن المناطق التي ستشمل حدوث زيادة كبيرة في حالات الخرف هي منطقة شرق إفريقيا-جنوب الصحراء، حيث من المرتقب أن يصعد عدد المصابين بالخرف بنسبة 357% من نحو 660 ألفاً في عام 2019 إلى أكثر من ثلاثة ملايين في 2050 ليصل إلى 443% في إثيوبيا، و181% في جنوب إفريقيا.
بينما الزيادات المحتملة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط قد تصل إلى 367% من حوالي ثلاثة ملايين إلى ما يقرب من 14 مليوناً، مع زيادات كبرى بدول عربية، ففي قطر ستصل إلى 1,926%، و1,795% في الإمارات العربية المتحدة، و1,048% في البحرين، و898% في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى 850% في الكويت، و401% في مصر.
عوامل الخطر
بينما يمثّل النمو السكاني والشيخوخة عاملين أساسيين لارتفاع الإصابة بالخرف، فإن هناك عدداً من عوامل الخطر الأخرى الرئيسة والقابلة للتعديل التي تؤدي إلى ارتفاع تلك الإصابات، وهي: التعليم المنخفض، وارتفاع ضغط الدم، وضعف السمع، والتدخين، والسمنة في منتصف العمر، والاكتئاب، والخمول البدني، بالإضافة إلى السكري، والعزلة الاجتماعية، واستهلاك الكحول المفرط، وإصابات الرأس، وتلوث الهواء.
تعتبر معالجة هذه العوامل من خلال تدخلات الصحة العامة خطوة مهمة نحو الحد من انتشار المرض، حيث يشير الباحثون إلى أنه بجانب الضرر الواقع على المصابين بالمرض مباشرة، فالزيادة المتوقعة للمرض يمكن أن تمثّل عبئاً على أنظمة الرعاية الصحية ومقدمي الرعاية الأسرية، بالإضافة إلى الاقتصادات عموماً.
كيفية التعامل مع الخطر القادم
يؤكد النمو في عدد الأفراد المصابين بالخرف على الحاجة إلى جهود وسياسات تخطيط الصحة العامة لتلبية احتياجات هذه الفئة.
لذلك، فالاستثمار في التدخلات لمعالجة عوامل الخطر القابلة للتعديل، وتوسيع نطاق الخدمات والدعم لمساعدة المتضررين، يجب أن يسير جنباً إلى جنب مع البحث الذي يركز على إيجاد علاجات فعّالة معدلة للمرض، والذي يمكن الوقاية منه بنسبة تصل إلى 40% من خلال التدخلات التي تستهدف عوامل الخطر القابلة للتعديل، وبالتالي تقليل العبء المستقبلي للمرض.
علاوة على ذلك، يؤكد الباحثون على ضرورة معالجة التفاوتات في إمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية، إضافة إلى إمكانية تكييف هذه الخدمات مع الاحتياجات غير المسبوقة لكبار السن المتزايد عددهم، لا سيما والاحتياجات المعقدة للرعاية ستتطلب تخطيطاً كبيراً على المستويين الإقليمي والعالمي.