كيف تحدد الأشخاص المصابين بجنون العظمة في محيطك؟

2 دقيقة
جنون الارتياب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

"أنت شخص مرتاب". من منّا لم يسبق له أن نطق بهذه العبارة أو سمعها في هذا الموقف أو ذاك حتّى لو كان موقفاً بعيداً عن حالات الجنون؟ إنه وصف يرتبط بمصطلح آخر من المصطلحات الطبية التي تسللت إلى حيواتنا اليومية.

انتشر استخدام مصطلح "جنون الارتياب" أو "البارانويا" (Paranoia) اليوم في سياقات عديدة بدءاً بالحوارات الودية البسيطة وصولاً إلى المشاهد الرئيسة في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية. لأخذ نظرة واقعية حول هذا الانتشار، تُمكنك مثلاً مشاهدة الفيلم الفرنسي "الجحيم" (L'Enfer) للمخرج كلود شابرول (Claude Chabrol)؛ الذي يؤدي فيه الممثل فرانسوا كلوزيه (François Cluzet) دوراً مميزاً لشخص مصاب بجنون الارتياب، تعيس وخطِر في الوقت نفسه.

صورة كاريكاتورية عن جنون الارتياب

من السهل تصوير الشخصية المصابة بجنون الارتياب وتقديمها بطريقة كاريكاتورية، فقد تقتصر هذه الحالة المرَضية على اضطرابات الشخصية البسيطة التي نعانيها جميعاً بدرجات متفاوتة، وقد تصل إلى حالات الدهان أو الفصام الارتيابي الذي يفرض على المريض حياة التهيؤات المرعبة الدائمة. وإذا كان الأشخاص المصابون بجنون الارتياب يمثلون 0,3% من السكان فقط، فإنهم يشكلون %30 من مرضى مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية، وغالباً ما يدخلونها بسبب نوبات التهيؤات التي تعتريهم.

يتميز المصاب بجنون الارتياب أو البارانويا (تعني كلمة "بارانويا" في اللغة اليونانية التفكير المختل أو الخارج عن المألوف) بشخصية يسيطر عليها الشك في الآخرين والثقة الكبيرة بالنفس. يعتقد هذا الشخص دائماً أنه على حق وأن الآخرين مخطئون، ويزداد تفاقم هذه السمات في مجتمعنا الذي يعاني هو نفسه قدراً كبيراً من الارتياب، يدل عليه انتشار الأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة التي عوّدتنا على الشك في كل ما يُقال لنا.

وقد شكلت جائحة كوفيد-19 فرصة هائلة لقياس درجة جنون الارتياب الذي نعانيه. ولاحظنا كيف كانت القضايا المرتبطة بالجائحة موضوع نقاش وتشكيك وتحليل مراراً وتكراراً، سواء تعلق الأمر بمصدر الفيروس أو العلاجات التي قُدمت إلى المرضى. لكنها أكدت أن المصاب بجنون الارتياب يحافظ على صلته بالتفكير والواقع. وغالباً ما يكون شخصاً ذكياً يتحدث كثيراً ويحلل كلّ ما يقرأ، ويعرف كيف يدافع عن معتقداته باقتناع، بالإضافة إلى أنه بارع في التخطيط لأيّ حوار وخوضه.

ساخر ومرتاب وغير واثق

الجانب الساخر والمتشكك والمرتاب في شخصيته يسمح له بإسقاط ما يرفض تقبّله في شخصيته على الآخرين. ونظراً إلى أنه لا يستطيع الاعتراف بعدوانيته وتلاعبه؛ فإنه ينسبهما إلى الآخرين. وفي السياق نفسه، فإن عجزه عن كشف عدوانيته الشخصية يدفعه إلى تخيل عدوانية الآخرين وافتعال بعض السلوكيات العدائية اللفظية أو الجسدية، والتعبير عنها بالرفض أو الهجر كي تؤكد تخيّلاته. وهو يبرر من خلال ذلك سلوكيات شخصيته الطفولية الغيورة والذكية والعدوانية؛ بل العنيفة أحياناً تّجاه الإخوة أو الأصدقاء، والمتأثرة بقلق الانفصال عن الوالدين والجروح النرجسية العميقة.

من الصعب التعامل مع شخص مصاب بجنون الارتياب، فهو لا يستشير الطبيب النفسي على الرغم من أنه قد يساعده على العلاج، ويفضل أن يقاوم بعناد كل ما يعتقد أنه محاولة للسيطرة عليه. ومن المعروف أن من الصعب إقناع شخص مرتاب، لذا؛ إذا لم تنجح في الحد من ارتيابه الدائم، من الأفضل أن تبتعد عنه حتّى لا يُعديك. ولنختم كلامنا عن جنون الارتياب بقليل من السخرية المضحكة مع الكوميدي الفرنسي، بيير ديبروج (Pierre Desproges)، الذي قال مرة: "أنا مصاب بجنون الارتياب؛ لكن هذا لا ينفي أنهم يطاردونني جميعاً".

اقرأ أيضاً:

المحتوى محمي