عقلك قد يخدعك! كيف تميّز الأكاذيب التي تبدو حقائق؟

7 دقائق
تأثير الحقيقة الوهمية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

"إذا تكررت الكذبة كثيراً ستتحول إلى حقيقة شبه مؤكدة، وفي حال تكررت هذه الحقيقة كثيراً ستتحول إلى اعتقاد قد يموت الرجال من أجله".

جملة بديعة للروائية إيزا بلاغدين (Isa Blagden) تصف ما قد يحدث جراء انتشار الأكاذيب والمعلومات المضللة، وهي تتوافق مع المقولة الشهيرة: "كرر الكذبة كثيراً بما يكفي وستصبح حقيقة"، والتي كانت كثيراً ما تجعل سؤالاً مهماً يتقافز في ذهني منذ فترة طويلة: أين يذهب عقل الإنسان عندما تنطلي عليه الأكاذيب وينساق وراءها؟ ولم تكن هناك أي إجابة واضحة حتى تعرفت إلى مصطلح تأثير الحقيقة الوهمية (Illusory Truth Effect)، فما الذي يعينه وكيف نحتمي من الوقوع في فخه؟ سنتعرف إلى الإجابة بالتفصيل في المقال.

ما هو تأثير الحقيقة الوهمية؟

"ماذا لو كان كل ما تؤمن به عن نفسك غير صحيح؟". سؤال صادم نشره استشاري الطب النفسي عبد المحسن الحمود على حسابه في منصة إكس، ليؤكد بعده على أن هويتنا تتشكل بناءً على معتقدات قد نشعر بأنها حقيقية فقط لأنها تكررت في أذهاننا مراراً، وهنا يصل إلى تعريف تأثير الحقيقة الوهمية بأنه ميل الدماغ لتصديق المعلومات المتكررة حتى لو كانت خاطئة.

وحتى نتعرف إلى هذا التأثير بالتفصيل، دعونا نمسك الخيط من بدايته، وتحديداً في الدراسة العلمية الأولى التي ورد ذكره فيها، وقد نشرتها مجلة التعلم اللفظي والسلوك اللفظي (Journal of Verbal Learning and Verbal Behavior) عام 1977، وقدم فيها الباحثون لمجموعة من الطلاب ستين جملة وطلبوا منهم تحديد إذا كانوا يعتقدون صحتها أو خطأها، وحرصوا على أن تكون معظم المعلومات غير مألوفة بالنسبة لهم، وقيّم الطلاب مدى تأكدهم من الإجابات ثلاث مرات مع إعطائهم فاصلاً زمنياً بلغ أسبوعين بين تقييم وآخر، وكانت النتيجة أنه مع كل تقييم تزداد ثقة الطلاب في العبارات التي أشاروا إلى صحتها.

وهذا يعني، حسب أستاذ الطب النفسي والعلوم السلوكية بجامعة كاليفورنيا (University of California)، جوزيف بيير (Joseph Pierre)، أنه إذا تكررت المعلومات كثيراً فقد يُنظر إليها على أنها صحيحة حتى لو كانت من مصادر غير موثوقة، مشيراً إلى معلومة خطيرة وهي أن هذا التأثير قد يحدث لشخص لديه معرفة سابقة بأن المعلومات كاذبة.

اقرأ أيضاً: هل ينال الطيبون والأشرار ما يستحقونه؟ تعرف إلى مغالطة العالم العادل

لماذا قد نقع في فخ هذا التأثير؟

ربما تتساءل بداخلك ما الذي يجعل شخصاً عاقلاً يصدق معلومات زائفة دون أن يبذل أي جهد للتحقق من صحتها؟ حسناً أنت محق، إنه لأمر عجيب، لكن لنعُد إلى نتائج الدراسة التي ذكرناها في الجزئية السابقة ونحلل ما وراءها بمهل.

المسألة كلها تكمن في أن أدمغتنا تستهلك طاقة أقل في معالجة المعلومات المألوفة بالنسبة لها، وهذا ببساطة يدفعها إلى المصادقة عليها، ما يعني أن تلك المعلومات التي تكررت مراراً ستألفها أدمغتنا وتمررها باعتبارها معلومات صحيحة حتى لو لم تكن كذلك.

يشرح أستاذ علم النفس والاقتصاد السلوكي في جامعة ديوك (Duke University)، دان أريلي (Dan Ariely)، هذه المسألة قائلاً: إذا نظرنا للأمر من منظور عصبي، سنجد أنه عندما تسمع آذاننا معلومة ما كثيراً، تستجيب المسارات داخل أدمغتنا لها بدرجة أسرع، لذا نتعرف إليها بسهولة ونعتبرها صادقة.

ليس هذا فحسب، لكن هناك تفصيلة دقيقة تثبت ما سبق، هي أن العبارات التي تكون مكتوبة بألوان تسهل قراءتها يحكم عليها الأشخاص بالصدق أكثر من غيرها، وهنا قد نفهم تلك الجملة الشائعة: "لا تدع دماغك يخدعك"! وعلى الرغم من تورط دماغك في هذا الفخ فإنك غالباً ما ستعذره إذا علمت أنه يتخذ في المتوسط 35 ألف قرار يومياً، وهذا يجعله بالتأكيد يفضل الطرق المختصرة ليحدّ من استنزاف قدراته قدر الإمكان، ويوفر جهده للقضايا الأكثر تعقيداً والتي تتطلب تحليلاً أعمق.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: تفاؤلك المفرط قد يؤدي إلى إفلاسك

كيف يمكن أن ينعكس تأثير الحقيقة الوهمية على حياتنا؟

يسهم تأثير الحقيقة الوهمية في انتشار الأكاذيب، وما يتبعها من أضرار قد تكون فادحة نتيجة تكرارها بكثافة، على سبيل المثال انتشر عام 2021 ترند على منصة تيك توك يدعو الناس إلى وضع فصوص الثوم في أنوفهم بزعم تخفيفها للاحتقان، لكنّ حقيقة الأمر أن هذه النصيحة زائفة وتؤذي متبعيها لأن الثوم قد يؤدي إلى تهيج أنسجة الأنف.

وبما أننا أصبحنا نعيش في عالم نستمد فيه المعلومات غالباً من مصادر إلكترونية، فبنسبة كبيرة لا يأخذ معظمنا كل معلومة ويُخضعها للفحص، وهذا قد يجعلنا ننساق وراء تصديق المعلومات المنتشرة نتيجة اعتقادنا أنه بما أن الكثير من الأشخاص يشاركونها فلا بد أن تكون صحيحة، وهذا ببساطة يعني أن هناك أشخاصاً قد يتخذون قرارات بناءً على أكاذيب ومن ثم يدفعون الثمن غالياً.

3 إرشادات فعالة حتى لا تقع ضحية لتأثير الحقيقة الوهمية

في واقع الأمر، يعد اكتشاف فخ تأثير الحقيقة الوهمية مهمة صعبة بعض الشيء، فنحن في هذه الحالة نواجه أدمغتنا ونحاول السيطرة على أنظمتها بطريقة ما، لكن على الرغم من ذلك توجد بعض الإرشادات الفعالة التي يمكن اتباعها، مثل:

  1. حاول قدر الإمكان التحلي بمهارة التفكير النقدي، بمعنى ألا تجعل المعلومات تمر على دماغك مرور الكرام، إنما أخضعها للتساؤل والفحص، لتجد بمرور الوقت أنك أصبحت أكثر قدرة على تمييز المعلومة المغلوطة عن المعلومة الصحيحة.
  2. ابحث عن المعلومة ولا تعتمد فقط على أنها متداولة على نطاق واسع، إنما حاول الوصول إلى مصدرها الأصلي، وهنا ستجد غالباً أن الكثير من المعلومات المنتشرة حولك مجهولة المصدر.
  3. حدد المصادر التي تتلقى منها الأخبار والحقائق، سواء كانت قنوات تلفزيونية أم مواقع إخبارية أم حسابات على منصات التواصل الاجتماعي، واحرص على أن تتسم بالموثوقية والمصداقية، حتى لا تُجهد دماغك في مراجعة ما يُعرض أمامك باستمرار.

اقرأ أيضاً: 10 تشوهات معرفية تفاقم توترك: إليك خطوات التخلص منها!

المحتوى محمي