يتساءل العديد من الأشخاص عن كيفية سير الجلسة العلاجية للتنويم المغناطيسي وفيما يلي يكشف لنا مختص في تقنية العلاج بالتنويم المغناطيسي عن تفاصيل هذا العلاج ودوره في مساعدة المريض على استعادة ثقته بنفسه.
داني دانديبيكس هو طبيب مختص في علم النفس الإكلينيكي ويدرب الأطباء والموظفين الطبيين على أسلوب العلاج بالتنويم المغناطيسي منذ أكثر من 30 عاماً، ومؤسس "المدرسة المركزية للتنويم المغناطيسي" (l’École centrale d’hypnose)، ومؤلف كتابيّ "الإقلاع عن التدخين بدون جهد" (Cesser de fumer sans effort) و"إنقاص الوزن بدون حرمان" (de Mincir sans privation).
ويقول داني دان ديبيكس: "جاء نيكولاس لاستشارتي بناءً على نصيحة أحد زملائه الرياضيين وبدأنا كما هو معتاد بالإطلاع على سجلات تاريخه المرضي، وهو جزء مهم جداً من العلاج. استمرت الجلسة الأولى لساعتين وكانت الأهم لأننا تعرفنا خلالها إلى المنشأ النفسي الجسدي لمعاناته مع الربو". استلقى نيكولاس وكان في حالة استرخاء نسبي وبدأ يوضح لمختص العلاج بالتنويم المغناطيسي بأن نوبات الربو بدأت لديه عندما كان في سن المراهقة. وخلال استعادة ذكرياته تحدث نيكولاس عن والديه والمفاهيم القاسية التي غرساها فيه؛ إذ كانا يخبرانه دائماً أن النجاح حليف الأغنياء فقط وأنه لن يصل إليه في حياته، إضافةً إلى تأففهما المستمر بشأن درجاته الدراسية. يقول المختص: "لقد ذُهلت بالأفكار السلبية التي كان والداه يزرعانها في ذهنه إلى درجة أنهما كانا يؤكدان له أن نجاحه ميؤوس منه. لقد كان الترسيخ اللفظي للأفكار السلبية نهجاً واضحاً". من جهته يعترف نيكولاس بأن مستواه كان متوسطاً في جميع المواد الدراسية بخلاف الأنشطة الرياضية التي كان يؤدي فيها أداءً أفضل ويرجع ذلك إلى قدرته على التنفس بصورة أفضل في الهواء الطلق.
"خلال هذه المحادثة، استخدمتُ تقنيات مختلفة كالبرمجة اللغوية العصبية (NLP) أو تقنية الاستثارة الثنائية لحركة العينين وإعادة البرمجة (EMDR) وهي تقنيات أهدف عبرها إلى سبر أغوار اللاوعي ومعرفة إذا كان تفاعل المريض سمعياً أو بصرياً. وعندما أحصل على معلومات كافية وأشعر أن المريض مسترخ تماماً، نبدأ بالجزء العلاجي من الجلسة الذي تتضمنه حالة التنويم المغناطيسي. وتجدر الإشارة إلى أنه بخلاف ما هو شائع، لا يعد التنويم المغناطيسي حالة نوم بل حالة وعي موسع تسمح لنا باستخلاص الحلول الملائمة للمريض من اللاوعي. يُعد اللاوعي مصدر موارد كبيراً وإذا كان العقل قادراً على إنشاء العوائق وتوليد المعاناة فهو قادر في الوقت ذاته على القيام بعملية معاكسة. لقد تمكنا في حالة نيكولاس من مواجهة أسلوب والديه الذي عزز الأفكار السلبية لديه وتسبب له بنوبات الربو ورسخ فيه الخوف من النجاح وتحقيق الثراء".
ويتابع داني دان ديبيكس موضحاً: "يمكن تشبيه جلسة التنويم المغناطيسي بفيلم يؤدي فيه المريض دور البطولة وتَمثَّل ذلك في حالة نيكولاس من خلال إعادة صياغة ظروفه التي عانى منها اعتماداً على الكثير من التفاصيل التي زودني بها، ثم النظر إليها من زاوية جديدة. فعندما تطرقنا إلى رسوبه المدرسي مثلاً، أعطيته أمثلةً عن بعض الأشخاص المعروفين الذين اشتهروا بتأخرهم الدراسي وحققوا نجاحاً باهراً في حياتهم على الرغم من ذلك. تسمح حالة الوعي الموسع بقبول أكبر للأفكار والإيحاءات، كما أنني أستخدم أدوات أخرى إلى جانب تقنيات التنويم المغناطيسي مثل الاستعارات والمفارقات والأصوات والروائح والأحاسيس الجسدية بغية ترسيخ المعلومات الإيجابية في اللاوعي. يتيح هذا العلاج للمريض استعادة وعيه بجسده والتحكم فيه ومن ثم اكتساب استقلالية حقيقية".
خلال الجلسات التالية، تعلم نيكولاس أن يدخل في هذه الحالة من الانفتاح على نفسه في أثناء الحصص التدريبية والمسابقات، ولم يصب بنوبات الربو مجدداً.
نبذة تاريخية عن تقنية العلاج بالتنويم المغناطيسي
يعود تاريخ التنويم المغناطيسي إلى نهاية القرن الثامن عشر؛ إذ كان الناس يجتمعون حول حوض الاستحمام المليء بالمياه الذي كان فرانز أنطون ميسمير يستخدمه آنذاك في بدايات التعرف إلى الطريقة. وفي عام 1784، أظهر أرماند ماري جاك دو شاستين وماركيز دي بويسيجور أهمية التبادل اللفظي بين المعالج بالتنويم المغناطيسي ومريضه وأطلقا على حالة التنويم المغناطيسي اسم "السير النومي الاصطناعي".
في عام 1878، أوضح طبيب الأعصاب جان مارتن شاركو أن حالة التنويم المغناطيسي هي حالة هيستيرية، وأن قدرة المريض على الدخول فيها ليست إلا أحد أعراض المرض. وفي عام 1949، قاد الدكتور ليون تشيرتوك معركةً حقيقيةً للاعتراف بالتنويم المغناطيسي كعلاج.
ومنذ ذلك الحين أثبتت العديد من الدراسات العلمية فعالية هذه التقنية.