كشفت دراسة بحثية حديثة أجرتها جامعة بريغهام يونغ الأميركية (Brigham Young University) ونشرتها الجمعية الأميركية للطب النفسي (American Psychiatric Association) في يناير/كانون الثاني 2024 أن الوالدين لديهما طفل مفضل بناءً على ترتيب الميلاد والجنس والشخصية، فما هي تفاصيل الدراسة؟ وكيف تؤثر المعاملة التفضيلية في نفسية الأطفال؟ تعرف إلى الإجابة من خلال هذا المقال.
محتويات المقال
من هو الطفل المفضل للوالدين وفقاً للدراسة؟
أكدت الدراسة البحثية السابق ذكرها أن الوالدين يميلان إلى تفضيل البنات، والطفل الأكبر، والأطفال الأكثر لطفاً. وقد ارتكزت هذه الدراسة على تحليل 30 دراسة و14 قاعدة بيانات تحتوي على معلومات عن أكثر من 19,000 شخص، وأوضحت الدراسة أن البنات والأطفال الأكثر لطفاً يتلقون معاملة تفضيلية من الوالدين لأنهم الأكثر تنظيماً، علاوة على أنهم لا يميلون إلى الصراع مع والديهم، وبالنسبة للطفل الأكبر فإنه يتلقى معاملة مختلفة لأنه الأكثر مسؤولية.
ويشرح أستاذ الطب النفسي في جامعة نيويورك (New York University) جوزيف لاينو (Joseph Laino) أن الوالدين في أغلب الأحوال لا يتخذان خياراً واعياً بتفضيل أحد الأبناء، لكن أحياناً تكون مسألة التفضيل نابعة من أن أحد الأطفال أسهل في التربية، وعادة ما ينسجم انسجاماً طبيعياً مع والديه، ويكون سهل المعشر ويبذل الكثير من الجهد حتى يرضي أبويه.
ووفقاً للدراسة، فإن الأطفال الذين يتلقون معاملة تفضيلية يحصلون على بعض المزايا مقارنة بباقي الأطفال، ويوضح المؤلف الرئيسي للدراسة، ألكسندر جينسن (Alexander Jensen)، أن الآباء يميلون إلى تفضيل البنات لأن التعامل معهن أسهل من الأولاد، مشيراً إلى أن البنات يواجهن مشاكل سلوكية أقل من الأولاد في المدرسة، فمن المنطقي أن يُظهرن نمطاً مماثلاً في المنزل، علاوة على ذلك يفترض الآباء أن البنت سوف تقدم لهم الرعاية عندما يصبحون مسنين في يوم ما، يُذكر أن نتائج هذه الدراسة تنطبق بالتحديد على الولايات المتحدة الأميركية، ودول أوروبا الغربية.
اقرأ أيضاً: خطأ شائع في تربية الأطفال قد يضرهم دون أن تعرف
8 علامات تؤكد تفضيل أحد الأبناء على الآخرين
يؤكد معظم الآباء أنهم يحبون أطفالهم جميعهم، لكن هذا لا ينفي أنهم قد يفضلون أحدهم على الآخرين، وهذه العلامات تؤكد ميل الوالدين إلى أحد الأطفال:
- عدم المساواة في الثناء والاهتمام.
- التأديب التفاضلي ما يعني أن أحد الوالدين أكثر تساهلاً مع سوء سلوك أحد الأطفال وأكثر قسوة مع الآخر.
- التوزيع غير المتساوي للموارد مثل المال أو الهدايا أو الفرص.
- قضاء الوقت مع أحد الأطفال أكثر من إخوته.
- الخروج مع طفل واحد مع استبعاد الآخرين، ما يجعلهم يشعرون بالاستبعاد.
- المقارنة المستمرة بين طفل وآخر بطريقة ترفع أحدهم وتقلل شأن الآخر.
- عدم التدخل في الشجارات بين الأشقاء خاصة إذا كان الطفل المفضل هو المخطئ.
- توزيع الأدوار وجعل الطفل المفضل مسؤولاً والآخرين يؤدون أدواراً غير مهمة.
لماذا قد يفضل الوالدين أحد الأبناء عن إخوته؟
يمكن القول إن التربية رحلة طويلة مليئة بالتحديات والتعلم المستمر، ومن أهم جوانب تلك التربية هو العلاقة الكبرى التي تربط الوالدين بأطفالهما، وعلى الرغم من أنك تحب أبناءك بالتساوي، فقد تجد نفسك في بعض الأوقات تميل إلى طفل أكثر من الآخر، فما هو السبب؟
1. توافق الشخصية
في بعض الأوقات، قد تميل إلى أحد الأبناء أكثر من الآخرين لأن شخصيته تتوافق معك، وفي هذا السياق تعتقد الطبيبة النفسية إلين ويبر ليبي (Ellen Weber Libby) أن المحاباة قد تكون مؤقتة وتتغير حسب الظروف، وأحياناً قد تميل إلى أحد الأبناء لأن شخصيته تذكرك بجدتك الحبيبة التي فقدتها، أو ربما يكون الطفل منسجماً مع مشاعرك ويقدم لك يد المساعدة بعد يوم عمل شاق.
2. الأنماط السلوكية
في الكثير من الأحيان قد يميل الآباء إلى الطفل الأحسن سلوكاً أو الأكثر حناناً، ما يعني أن سلوك الطفل هو السبب في المحبة التي يتلقاها، على سبيل المثال، أخبرتني أمي من قبل أنها كانت تفضّلني عن إخوتي في مرحلة من مراحل حياتي لأني كنت مطيعة للغاية.
3. الهوايات والاهتمامات المشتركة
قد تميل إلى أحد أطفالك أكثر من أشقائه لأنه يشبهك ويحب الهوايات التي تحبها. على سبيل المثال، يمكن أن تحب أحد أبنائك لأنه يشجع فريق كرة القدم نفسه الذي تشجعه وبالتالي هناك نوع من الأنشطة يجمعكما سوياً، ما يقوي علاقتكما معاً.
4. اختلافات السن والمرحلة
غالباً ما تتطلب الاحتياجات التنموية للأطفال الأصغر سناً مزيداً من الاهتمام، ما قد يؤدي عن غير قصد إلى خلق شعور بالتفضيل. على سبيل المثال، إذا أنجبت الأم طفلاً صغيراً وكان لديها طفل آخر يبلغ من العمر 3 سنوات، فمن الطبيعي أن تهتم بالصغير أكثر من الكبير لأن هذا ما تقتضيه المرحلة الحالية.
ما هو التأثير النفسي الذي يحدث نتيجة تفضيل أحد الأبناء؟
حين يتلقى أحد الأطفال معاملة تفضيلية من الوالدين أو أحدهما فإن هذا يرتبط بالحفاظ على صحته النفسية وتكوين علاقات صحية في المستقبل، لكن على الجانب الآخر، فإن الطفل الذي لم يتلقَّ تلك المعاملة ستتدهور صحته النفسية، وفي هذا السياق، تؤكد المعالجة النفسية، مالوري ويليامز (Mallory Williams)، أن هناك آثاراً نفسية طويلة المدى تحدث للأطفال المفضلين وغير المفضلين، منها على سبيل المثال ارتفاع خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب وردود الفعل غير المستقرة أو حتى المؤلمة في العلاقات الشخصية وقلق الأداء.
علاوة على ذلك، سيعاني الطفل غير المفضل انخفاض احترام الذات والقيمة، ومشاعر الرفض وعدم الكفاءة، والشعور بأنه لا يمكن أن يستحق الاهتمام والحب والعاطفة التي يتلقاها الطفل المفضل، وغالباً ما يكون لهذا آثار طويلة المدى على أدائهم في الوظائف وفي المدرسة وفي العلاقات الشخصية، حيث تضع علاقة الأبوة الأساس وتحدد توقعات العلاقات المستقبلية.
أما فيما يخص الأطفال المفضلين، فإنهم يعانون أيضاً لأن الاهتمام غير المتساوي من الوالدين يسمم العلاقات بين الأشقاء، إضافة إلى أن الثناء والاهتمام الذي يتلقاه طوال الوقت سيجعله يواجه صعوبة كبرى في تقبل الفشل والتعامل معه، وغالباً ما سيشعر بضغط هائل للحفاظ على أدائه المتميز لدرجة أنه سوف يحس بالرعب من فكرة ارتكاب الأخطاء، وسوف يتعرض للرفض من إخوته ويعاني التوتر في الأسرة ولن يكون قادراً على إصلاح علاقته مع أشقائه على الرغم من أنه لم يفعل شيئاً لخلق هذا الموقف.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر ترتيبك بين إخوتك في إصابتك بالاكتئاب؟
كيف تتجنب الوقوع في فخ التفضيل وتُقدم الحب لأبنائك بالتساوي؟
يشرح مؤلف الدراسة، ألكسندر جينسن، أن هدف دراسته ليس أن يشعر الآباء بالذنب أو التقصير لأنهم يفضلون أحد الأبناء، ولكنها بدلاً من ذلك تحاول إنذار الآباء الذين يحتاجون إلى إعادة تقييم علاقاتهم مع أطفالهم. وحتى تتجنب الوقوع في فخ التفضيل، يمكنك اتباع النصائح التالية:
1. اعترف بمشاعرك الحقيقية
حتى تتجنب ميلك إلى أحد الأبناء أكثر من الآخرين، ابدأ بالاعتراف بتحيزك وتفضيلك، وكن واعياً بنفسك، ويعتقد المختص النفسي، سامي العرجان، أن شعورك بتفضيل أحد الأبناء عن الآخرين يمكن أن يكون طبيعياً ولكن يجب أن يظل في نطاق الشعور، دون أن يظهر في سلوكياتك أو على لسانك، لأن تصرفاتك وفقاً لمشاعرك سوف تؤدي إلى تفاقم الغيرة بين الأشقاء، وسيظل آثار كلماتك وتصرفاتك باقياً طوال الحياة.
2. قدّم الاهتمام المتساوي
حاول أن تقضي وقتاً جيداً وممتعاً مع كل طفل، وافعل الأشياء التي يحبها، فهذا يُظهر اهتمامك، وحتى لو كان أحد أطفالك يحب الانخراط في نشاط غير مفضل لك، عليك أن تشاركه هذا النشاط، وفي المرة القادمة، اجعله يشترك معك في هوايتك المحببة.
3. تواصل بفعالية
أنشئ مساحة آمنة لأطفالك للتعبير عن أنفسهم دون خوف من الحكم عليهم، وتأكد جيداً أن التواصل الفعال مع أبنائك جميعهم سوف يخلق مساحة من الود والحب، ومع مرور الوقت سوف يتلاشى سوء الفهم الناتج عن تفضيل أحد الأطفال عن إخوته.
4. شجّع الاختلافات بين أبنائك
احتفل باختلافات أطفالك، وقدّر صفاتهم الفريدة، وشجعهم على متابعة اهتماماتهم. على سبيل المثال، طفلي الكبير يحب القراءة عن الفضاء ولعب الشطرنج، وطفلي الأصغر يحب اللهو ولعب الكرة، في نقطة عميقة بداخلي كنت أرى الأكبر أكثر نجاحاً وعمقاً، ولكن مع مرور الوقت، قدّرت الاختلافات بينهم، وأصبحت أرى أن البيت ثري بشخصيات مختلفة عن بعضها.
5. قدّم لهم الدعم الفردي
صمم إرشاداتك وفقاً لاحتياجات كل طفل الفريدة وقدم المزيد من الدعم في المجالات التي يواجهون فيها صعوبات، وتأكد أن تقديم الدعم لكل منهم على حدة لا يعني أنك لا تحبهم بالتساوي، ففي بعض الأحيان قد تضطر أن تقضي مع أحدهم الكثير من الوقت في مذاكرة دروسه لأن انتباهه يتشتت بسهولة.
6. اعقد معهم الاجتماعات العائلية
يمكنك تمكين أطفالك وتعزيز المساواة بينهم من خلال عقد اجتماعات عائلية منتظمة، وفي أثناء هذه الاجتماعات حاول تنفيذ النصائح السابقة من أجل خلق بيئة عائلية عادلة ومليئة بالحب، وتذكر أن إظهار الحب والتقدير المتساويين لأطفالك جميعهم أمر بالغ الأهمية من أجل الحفاظ على صحتهم العاطفية والنفسية.