تختلف الأحوال الجوية التي يلعب فيها لاعبو كرة القدم، فمن الممكن أن تكون لدى اللاعب بطولة ضمن منافسات ناديه في بلد تتميز بطقس حار، يطير من بعدها برفقة منتخب بلاده للّعب ضمن منافسة في بلد طقسها بارد، إلى جانب مفاجآت الطقس غير المتوقعة مثل هطول أمطار غزيرة مفاجئة أو هبوب عواصف شديدة.
وبما أن الصحة النفسية ترتبط بشكل وثيق بحالة الطقس بدليل تعرض الإنسان للاضطرابات العاطفية الموسمية، فما بالكم إذا كان تغير الطقس غير مرتبط بالفصول الأربعة في حالة لاعب كرة القدم؛ وإنما يخضع لجدول المباريات والملاعب المتباعدة التي تُلعب عليها؟ كيف سيكون تأثيرها فيه؟ وماذا سيفعل تجاهها؟
علمياً، كيف يؤثر تغير درجة الحرارة في أداء اللاعبين؟
تضرب المختصة في علم النفس الرياضي، سارة غريفيث (Sarah Griffiths) مثالاً واضحاً بتأثير درجة الحرارة في نتائج المباريات بما حدث في نهائيات كأس العالم عام 2014 عندما خسر المنتخب الإنجليزي أمام نظيره الإيطالي بنتيجة 1-2، ودارت أحداث المباراة في مدينة ماناوس البرازيلية التي وصلت نسبة الرطوبة فيها يوم المباراة إلى 80%، أما درجة الحرارة فبلغت 32 درجة مئوية.
هذا الطقس البرازيلي الحار والرطب في الوقت نفسه بعيد كل البعد عن الطقس الإنجليزي؛ إذ يصل متوسط درجة الحرارة في الصيف في إنجلترا إلى 17 درجة مئوية، وفيما يبدو أن الطقس لعب لصالح إيطاليا التي يبلغ متوسط درجة الحرارة فيها خلال أشهر الصيف 28 درجة مئوية.
وتؤكد غريفيث إن ذلك التأثير السلبي لارتفاع درجة الحرارة في أداء اللاعبين ليس مستغرَباً، فخلال لعب المباريات في الجو الحار يزيد التعرق بصورة طبيعية؛ ما يشعل المنافسة بين العضلات والجلد، فالعضلات ترغب في الحصول على المزيد من الدم لتوفير الأكسجين اللازم لها، والجلد يريد ذلك الأكسجين لتخفيض حرارة سطحه، لتكون النتيجة النهائية انخفاض قدرة الجسم على خفض حرارته.
ولتجاوز مأزق الانتقال من مناخ بارد إلى آخر حار أو العكس، فعلى اللاعبين أن يستعدوا قبل المنافسة بوقت كافٍ بتنفيذ خطة للتكيف مع البيئة قد تصل مدتها إلى أسبوعين؛ لكن بالطبع قد لا تتوافر الفرصة لفعل ذلك في حال ارتباط اللاعب بمباريات أخرى.
الطقس والصحة النفسية، ما خفايا العلاقة؟
حتى تكتمل الصورة وتتضح، فإلى جانب التأثير الجسدي لتغير الطقس لا بد من استعراض التأثير النفسي الذي أثبتته دراسة علمية أجراها باحثون من جامعة تكساس للتكنولوجيا (Texas Tech University). وتوصلت النتائج إلى زيادة احتمالية ارتكاب لاعبي كرة القدم الأميركيين لأخطاءَ عدوانية في الطقس الحار، وفسر الباحثون ذلك بأن درجة الحرارة المرتفعة تُشعرنا بعدم الارتياح الجسدي؛ ما يجعلنا أكثر ميلاً إلى تفسير الأحداث التي تقع حولنا بطريقة سلبية وحينها يصبح من السهل علينا ارتكاب أفعال عدوانية.
أما بلُغة الأرقام، فيؤكد مركز التحليل الإحصائي التابع للمعهد الوطني الأميركي للعدالة (Statistical Analysis Center- National Institute of Justice) ارتفاع نسبة جرائم العنف في الصيف بالمقارنة مع الفصول الأخرى. على سبيل المثال؛ تزيد جرائم القتل في أميركا بنسبة 2.7% خلال أشهر الصيف، وتشيع جرائم العنف أكثر في المناطق الساخنة؛ ما يؤكد الرأي القائل إنه كلما ارتفعت درجة الحرارة زاد عنف الإنسان.
ويشير المدير الطبي لمستشفى هايز غروف البريطانية (Hayes Grove Hospital)، الطبيب بول ماكلارين (Paul McLaren) إلى أن الطقس القاسي يؤثر سلباً في صحتنا النفسية، بدليل إبلاغ المرضى الذين يعانون من بعض الاضطرابات النفسية عن أن أعراضهم تزداد سوءاً أو تتحسن بسبب تغير الطقس.
ويُرجع ماكلارين ذلك إلى أن الطقس القاسي يصيبنا بالإرهاق والإجهاد؛ وذلك ما قد يؤدي بنا أحياناً إلى الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب أو القلق أو الوسواس القهري، ونعني بالطقس القاسي الطقس شديد الحرارة أو شديد البرودة على حد سواء.
بما أننا نشهد هذه الأيام مباريات كأس العالم لعام 2022، فلا بد أن نضع في حسابنا عند تقييم أداء اللاعبين الخلفيات المناخية التي أتوا منها، فربما يكون تراجع مهاراتهم أو تقدمها أيضاً مرتبطاً بمدى تشابه الطقس القطري أو اختلافه عن طقس بلدانهم.