ما هو الارتباط القلِق؟ وكيف يؤدي إلى جذب العلاقات السامة؟

2 دقيقة
الارتباط القلِق
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: تختلف أنماط الارتباط بالآخرين من شخص إلى آخر ومن قصة شخصية إلى أخرى؛ لكنّ جلّها يتأثر أساساً بأحداث الماضي وجروح الطفولة. من هذه الأنماط الشائعة نمط الارتباط القلِق الذي يتميز بحالة الاعتماد العاطفي على الآخرين. فما جذور هذا النمط من الارتباط؟ وما علاقته بالتاريخ الشخصي للفرد؟ وهل يمكن أن يكون نمطاً وراثياً؟ إليك الإجابات.

تؤثّر جروح الطفولة فيما تصبح عليه شخصياتنا بعد البلوغ، وتختلف أنماط ارتباطنا بذواتنا والآخرين وفقاً لتجارب الماضي كما تتأثّر به علاقاتنا تأثّراً حتمياً. ويقول المحلّل النفسي الفرنسي، كريستيان ريشوم (Christian Richomme): "نبدأ حيواتنا دون أيّ تصوّر مسبق أو معرفة أو خبرة بالآخرين أو دراية بصور الحب الموجودة، وإذا تعرّضنا في مرحلة من مراحل نموّنا العاطفي إلى الخيانة أو الخداع أو الاحتقار أو الإهانة أو النبذ من شخص مقرّب مثل الأب أو الأم أو الصديق أو أوّل شريك، فإنّنا نخزّن هذه الآليات في اللاوعي فتصبح معروفة ومألوفة لدينا"؛ بل يمكن أن نعتقد أنّ هذه الآليات تمثل الطريقة الوحيدة للحبّ أو الطريقة التي نستحقّها.

الارتباط القلِق الموروث من الوالدين

يأتي الارتباط القلِق في معظم الأحيان من الوالدين، وهو شائع بين الأشخاص الذين نشؤوا في بيئة غير آمنة وغير مستقرّة. تتميّز هذه البيئة بوالدين غير متاحين أو أقلّ حضوراً في حياة الطفل دون غياب مطلق، علاوة على أن التوازن العاطفي في هذه البيئة لا يكون مستقراً بما يكفي في حياة الطفل اليومية للسماح له بالنمو باستقلالية وثقة بالنفس.

وفي الحالة التي تتميّز بحضور أكبر للآباء والأمهات، فقد يعانون هم أنفسهم هذا الارتباط القلِق الذي يجعلهم غير متاحين عاطفياً، فيصبح الطفل في حاجة دائمة إلى الاهتمام حتّى لو بدا خلال بحثه عن الحنان والقرب العاطفي كائناً مشاكساً وجامحاً، على الرغم من أنّ هذا الأمر طبيعي جدّاً لدى الأطفال. هذا يعني أنّنا عندما ننشأ تحت ضغط ضرورة بذل جهد كبير للحصول على بعض المودة في المقابل، فقد نظلّ بعد البلوغ أسرى نمط الاعتماد العاطفي.

الحاجة إلى الشعور بالحبّ أو الحصول على حبّ الآخرين بأيّ ثمن

تولّد هذه النشأة حاجة الفرد إلى الحبّ بأيّ ثمن، وقد تصل إلى درجة الهوس أو الحالة المرَضية. يحجب عنّا هذا الموقف حقيقة العلاقة ومدى سمّيتها والإشارات التحذيرية التي تسبقها، ويُبقينا في حالة من المعاناة مهما كان الثّمن الذي ندفعه وفقاً للمحلل النفسي، وتؤدي هذه الحاجة إلى نمط ارتباط قلِق. يوضّح كريستيان ريشوم: "قد تولّد لدينا تجارب الطفولة أو بدايات الحياة مواقف معينة في مواجهة رغباتنا في بناء العلاقات". في مثل هذه الحالات، يتشكّل النمط العاطفي مع حاجة إلى الشعور بالحبّ أو الحصول على حبّ الآخرين بأيّ ثمن (هوس الحبّ أو الحبّ المرَضي)، أو نمط ارتباط قلِق وغير آمن أو فترات ضعف عاطفي.

نمط الارتباط القلِق: نقطة جذب للعلاقات السامة

بالإضافة إلى "إحياء" العواطف السلبية المترسّخة في اللاوعي، فإنّ هذه الحالة النفسية تجعلنا أكثر عرضة إلى الوقوع ضحية شخصية أو سامة أو شريرة. تكون العواطف السلبية التي استقبلناها خلال الطفولة مثل الخوف والذعر والقلق مألوفة بالنسبة إلينا، ومن ثمّ فقد "تجذب" إلينا علاقات سامة. يحذّر المحلّل النفسي قائلاً: "تعيد العلاقة السامة إنتاج آليات التباعد والرفض والهجر وعدم الشعور بالأمان التي اعتاد عليها هذا الشخص؛ ومن ثمّ فإنّه يعتمد على الرغبة في حلّ هذا الارتباط من خلال العلاقة الزوجية وليس بمفرده". لذا؛ ينصح المحلّل النفسي بما يلي: "إنّ قبول واقع هذا النمط من التصرّف هو الذي يمكن أن يدفعنا إلى البدء بالعلاج؛ وهو ما سيسمح لنا بمراجعة أنماط الاختلال المرتبطة بهذه التفاعلات العاطفية وتعزيز التقدير الذاتي واستعادة الثقة بالنفس والآخرين؛ لأنّ هناك أساليب أخرى للشعور بالحبّ أو الحصول عليه غير المعاناة والألم".