ملخص: تصدّر ترند ضجيج الطعام (Food Noise) منصة تيك توك؛ حيث حقق أكثر من مليار مشاهدة، والحقيقة أن مصطلح "ضجيج الطعام" ليس مصطلحاً طبياً ولا تشخيصياً؛ لكنه يشير إلى تجربة التفكير الدائم في الطعام، والشوق إليه، والتخطيط للوجبة التالية، وما إلى ذلك، فما قصة ضجيج الطعام؟ وكيف تُمكن تهدئته؟ الإجابة يستعرضها هذا المقال.
محتويات المقال
قررت اليوم أن أتناول الطعام الكوري. فتحت تطبيق طلبات الطعام على الهاتف؛ لكن فجأة تذكرت الدجاج الذي تبّلته أمس. أغلقت التطبيق وقررت أن أطهو في البيت عوضاً عن شراء الطعام من الخارج؛ ولكنني على الرغم من ذلك فتحت التطبيق نفسه مراراً وتكراراً على مدار اليوم. كانت فكرة الطعام هي الفكرة الرئيسة التي تشغل بالي من الصباح؛ حيث يتوالى داخل عقلي وابلٌ من صور الطعام، وما حدث معي اليوم يُعرف باسم "ضجيج الطعام".
قبل ذلك، لم يكن هذا المصطلح معروفاً؛ ولكنه بات منتشراً اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي وذلك بعد أن تصدَّر مفهوم "ضجيج الطعام" (Food Noise) ترند منصة تيك توك؛ حيث حققت المقاطع التي تتحدث عنه أكثر من مليار مشاهدة، فما قصة هذا المفهوم؟ وكيف تُمكن تهدئة ذلك الضجيج؟ الإجابة يستعرضها هذا المقال.
ما المقصود بضجيج الطعام؟
وفقاً لما ذكرته الطبيبة المتخصصة في جراحة السمنة، بريا جايسينجاني (Priya Jaisinghani)؛ فمصطلح "ضجيج الطعام" يشير إلى الأفكار المستمرة والمهيمنة حول الطعام التي تجعل بعض الأشخاص يشعرون أن الطعام محور حيواتهم. يُذكر إن مصطلح "ضجيج الطعام" ليس مصطلحاً طبياً ولا تشخيصياً؛ لكنه يُستخدم لوصف حالة الانشغال الدائم بالطعام التي يمكن أن تكون في بعض الأحيان مُرهقة ومعطلة للحياة اليومية، فهناك صوت داخلي يتعالى باستمرار طالباً الطعام. ويُعد ضجيج الطعام أكثر شيوعاً لدى الأشخاص الذين يعانون زيادة الوزن والسمنة، ويرتبط بالإفراط في تناول الطعام.
كيف يبدو صوت ضجيج الطعام؟
يؤكد الطبيب الجراحي، بين كوندون (Ben Condon)، إن صوت ضجيج الطعام أشبه بوجود صوت راديو في الخلفية، وعلى الرغم من أن أصوات الطعام تبدو مختلفة بالنسبة للجميع، فإن صوت الضجيج يتشابه لدى أغلب الأفراد؛ حيث يتجلى على هيئة حوار داخلي من الكلمات والأفكار حول الطعام، أو همهمة أو ضبابية مستمرة تشتت أفكار الشخص؛ ما يصعّب التركيز على أي شيء بخلاف الحصول على الطعام.
ويضيف كوندون إن ضجيج الطعام يعني أن فكرة الأكل تراودك باستمرار، وتسيطر على ذهنك، سواء كان الأمر يتعلق بالتفكير في الوجبة التالية، أو أنك قد أكلت للتو ولكنك تفكر بالفعل في وجبتك القادمة، وغالباً ما يكون الأمر عبارة عن مجموعة من الأفكار حول ما يجب تناوله، ومتى سوف تتناوله، والكمية المتناولة؛ التي يمكن أن تلقي بظلالها على جوانب أخرى من الحياة، فقد يؤدي ضجيج الطعام إلى انخفاض إنتاجيتك في العمل ويصعّب التركيز على مهام الحياة اليومية.
اقرأ أيضاً: الأكل والنوم والصحة النفسية، تعرف إلى العلاقة بينهم
لماذا تسمع أصوات ضجيج الطعام؟
نفكر جميعاً في الطعام لأننا نحتاج إلى السعرات الحرارية والمواد الغذائية من أجل البقاء. بالإضافة إلى ذلك، يعد الطعام مكوناً رئيساً من الثقافات الإنسانية ومصدراً للمتعة. ومع ذلك، يمكن أن تصبح الأفكار حول الطعام مفرطة وضارة حتى تصل إلى حد الضجيج، للأسباب التالية:
- الاستجابات التحفيزية: هناك عاملان رئيسان يحركان شهيتك؛ ومن ثَمَّ يتحكمان في أفكار الطعام: الجوع الجسدي والجوع القائم على المكافأة. وعادة ما يحدث الجوع الجسدي عندما ينخفض مخزون الطاقة لديك بسبب مرور فترة طويلة منذ آخر مرة تناولت فيها وجبة؛ حيث يتلقى عقلك إشارة بأنه يحتاج إلى تناول السعرات الحرارية؛ لذلك تشعر بالجوع وتفكر أكثر في الطعام.
لكن يمكنك أيضاً أن تشعر بالرغبة في تناول الطعام لسبب لا علاقة له بالجوع الجسدي؛ وهو الجوع القائم على المكافأة الذي يحدث لأنك ترغب في الحصول على المتعة. ويشعر بعض الأفراد بالاستجابات التحفيزية إلى الجوع القائم على المكافأة بسبب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية التي تقدم وجبات الطعام بطرائق تجذب الانتباه لتكثيف الرغبة الشديدة في تناول الطعام واستهلاكه.
- اتباع حمية غذائية قاسية في الماضي: يمكن أن تؤدي محاولات اتباع نظام غذائي سابقة غير ناجحة إلى تضخم صوت ضجيج الطعام، ففي أثناء تلك الحميات، يلجأ بعض الأفراد إلى الحرمان الشديد من الطعام، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الشراهة، وهذه الدورة المتتالية من الحرمان والشراهة تؤدي إلى ضجيج الطعام.
- الأكل العاطفي: الذي يمكن تعريفه بأنه وسيلة من أجل قمع المشاعر السلبية مثل القلق والتوتر والخوف والوحدة، وتهدئتها، والحقيقة أن خطورة الأكل العاطفي لا تقتصر فقط على ضجيج الطعام ولكنها تمتد لتشمل خطورة الإصابة بالسمنة.
في هذا السياق، يؤكد استشاري الطب النفسي محمد السويدان إن بعض الأشخاص يلجؤون إلى الأكل العاطفي بحثاً عن السعادة الفورية؛ حيث يربط العقل الباطن بين تناول الأطعمة السريعة والسعادة بسبب إفراز هرمون الدوبامين.
- عوامل أخرى: هناك بعض العوامل الأخرى التي يمكن أن تسهم في حدوث ضجيج الطعام؛ مثل:
- وجود خلل في التواصل بين الدماغ والأمعاء.
- الشعور بالتوتر.
- عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم.
- الإصابة ببعض الحالات الطبية مثل متلازمة التمثيل الغذائي ومُتلازِمة المِبيَض المُتعدِّد التكيُّسات (PCOS).
- العوامل الوراثية.
- تناول بعض الأدوية؛ مثل مضادات الاكتئاب، وموانع الحمل، ومضادات الذهان، وكذلك أدوية التحكم في ضغط الدم.
اقرأ أيضاً: هل توجد علاقة بين الطعام والشعور؟ تعرف إلى الأكل العاطفي
متى يكون ضجيج الطعام أمراً صحياً؟
توضح طبيبة الغدد الصماء والأستاذة في قسم علوم التغذية بجامعة ألاباما الأميركية (The University of Alabama)، هولي وايت (Holly Wyatt)، إن ضجيج الطعام في بعض الأحيان لا يعد أمراً طبيعياً فحسب ولكنه صحي أيضاً! تخيل أنك تعمل طوال اليوم دون استراحة، وتتنقل بين المهام دون أن تأكل. في هذه الحالة، يجب أن يتدخل جوعك، ويربت على كتفك حتى يخبرك بأن موعد الطعام قد حان.
علاوة على أن ضجيج الطعام يمكن أن يساعدك على التخطيط لوجبة العشاء، أو يذكرك بمدى حبك لوجبتك المفضلة، وهذه أمثلة إيجابية للدور الذي يمكن أن يلعبه ضجيج الطعام في حياتك وفقاً لما ذكرته الطبيبة وايت. ولكن هذا الدور الإيجابي قد يتحول إلى سلبي إذا تجاوز ضجيج الطعام حدوده واستمر على مدار اليوم.
كيف تُمكنك تهدئة صوت ضجيج الطعام؟
تذكر أن هدفك ليس إسكات هذا الصوت ولكن تهدئته قليلاً حين ينحرف عن مساره الأصلي ويتحول إلى مشكلة تؤثر في حياتك اليومية. وفي هذه الحالة، من أجل التغلب عليه:
- حدد محفزاتك: الخطوة الأولى لتهدئة صوت ضجيج الطعام هي تحديد المحفزات؛ لهذا عليك مراقبة نمط حياتك من أجل معرفة العوامل التي تزيد شهيتك وتجعلك ترغب طوال اليوم في تناول الطعام. على سبيل المثال؛ يمكن أن يؤثر اضطراب النوم في الهرمونات التي تنظم شهيتك، ومع مرور الوقت، يؤدي النوم الغير الكافي إلى المزيد من الجوع؛ ما يجعل ضجيج الطعام أعلى. علاوة على أن مستويات التوتر المرتفعة تلعب أيضاً دوراً مهماً في وجود ضجيج الطعام لأن الكورتيزول، هرمون التوتر، يمكن أن يزيد رغبتك في تناول الطعام.
- لا تتجاهل شهيتك: إن الانتظار فترةً طويلة دون تناول الطعام والشعور بالجوع المفرط يجعل ضجيج الطعام يصرخ في وجهك؛ ولذلك تأكد من تزويد جسمك بالطعام على نحو منتظم، ولا تبقَ فترات طويلة دون طعام، وحاول تضمين مصدر للبروتين في وجباتك؛ لأنه يمكن أن يساعدك على الشعور بالشبع فترةً طويلة.
- أبقِ الطعام بعيداً عن نظرك: عندما ترى الطعام، ترسل عيناك إشارات إلى عقلك لتذكيرك بمدى طعمه اللذيذ. وفي هذه الحالة، لن يهدأ صوت ضجيج الطعام حتى تتناول تلك الوجبة اللذيذة؛ لهذا حاول قدر الإمكان الابتعاد عن المحفزات. على سبيل المثال؛ حين تود لقاء أصدقائك لا تذهبوا إلى مقهىً يقدم مخبوزات ذات رائحة شهية، وعوضاً عن ذلك يمكنكم الالتقاء في أحد الحدائق.
- خفف حدة التوتر: يمكن أن يتسلل إليك ضجيج الطعام عبر بوابة التوتر؛ الأمر الذي سوف يؤدي لا محالة إلى الأكل العاطفي. في هذه الحالة، يعد الوعي عاملاً مهماً؛ ولهذا السبب انتبه إلى نفسك حين تشعر بالتوتر، وبعد ذلك يمكنك استخدام استراتيجيات بديلة من الأكل مثل الخروج للمشي في الهواء الطلق أو الاستماع إلى بودكاست ممتع.
- صمم بيئتك: تخيل أنك تشعر بالتوتر بعد يوم حافل بالعمل، تستلقي على سريرك، وتفكر في الحلوى التي تملأ مطبخك. في هذه الحالة، لن يتوقف ضجيج الطعام عن إزعاجك إلا إذا أكلت الحلوى؛ ولهذا تأكد دائماً أن مطبخك يعكس نمط حياتك الصحي وذلك من خلال شراء مجموعة متنوعة من الأطعمة الصحية التي تستمتع بها.
- خذ وقتك في تناول الطعام: في مجتمع اليوم السريع الخطى، غالباً ما يأكل الناس بسرعة. وفي بعض الأوقات، يتناولون الطعام في أثناء العمل أو التنقل. ومع ذلك، فإن أخذ الوقت الكافي لتناول الطعام بوتيرة أبطأ يمكن أن يساعد عقلك على تلقي إشارة الشبع في الوقت المناسب ومنع الإفراط في تناول الطعام.
- ابتعد عن الأطعمة المصنعة والوجبات الجاهزة: من المعروف أن الأطعمة المصنعة والوجبات السريعة ليست مفيدة، وإذا كنت تعاني ضجيج الطعام المستمر، فقد تكون الأطعمة المصنعة مثل رقائق البطاطس والحلوى هي السبب. في هذا السياق، توضح طبيبة الغدد الصماء وجراحة السمنة، رينا بوز (Reena Bose)، إن الابتعاد عن تلك الأطعمة قد يساعد على منع الضجيج الناتج عن الطعام الذي يرتبط بزيادة الوزن والسمنة.