ملخص: أعيش في كنف عائلة تهوى تربية القطط وتحبها وتعتبرها فرداً من العائلة، ولهذا فأنا أعلم جيداً أنها قد تقدم الحب غير المشروط والونس والحضن الدافئ، وعلى الرغم من أن علاقتي مع القطط ليست جيدة، فإنني ما زالت أحبها، حتى بعد أن علمت من خلال دراسة حديثة أن تربية القطط في المنزل قد تؤدي إلى الإصابة بمرض الفصام، فما علاقة القطط بهذا المرض المعقد؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
محتويات المقال
تملك أختي قطة تدعى "فلة" تستيقظ فلة صباحاً ثم تتسلق على صدرها، وتقوم بالضرب على كتفها لتداعبها، ترفع عنها الغطاء وهي نائمة حتى توقظها طلباً للاهتمام، فور أن تستيقظ أختي من نومها تحتضن فلة وتجعلها تتمدد بجوارها قليلاً، تخبرني أختي أنها لا تستطيع العيش من دون فلة، على الرغم من أنها قد توقظها ليلاً وتقفز حولها وأحياناً لا تتوقف عن المواء وتسقط الأشياء، لكن أختي تستمتع معها.
تختلف أختي عني لأني أتوجس خيفة من القطط وربما أكون على حق، حيث توصلت إحدى الدراسات الحديثة التي أجرتها كلية الطب بجامعة ميريلاند (University of Maryland) ونُشرت بمجلة الذهان والاضطرابات ذات الصلة (Schizophrenia Bulletin:The Journal of Psychoses and Related Disorders) في ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى نتيجة مفادها أن تربية القطط قد ترفع من خطر الإصابة بمرض الفصام النفسي (schizophrenia) فما علاقة القطط بهذا المرض؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
ما الذي كشفته الدراسة عن علاقة القطط بمرض الفصام؟
كشفت الدراسة وجود علاقة بين التعرض للقطط وزيادة خطر الإصابة بالاضطرابات المرتبطة بالفصام، وتجدر الإشارة إلى أن الفصام هو مرض نفسي معقد يؤثر في سلوك الأفراد وطريقة تفكيرهم وشعورهم، حيث يسمعون أصواتاً غير موجودة أو في بعض الأحيان يعتقدون أن هناك بعض الأشخاص الذين يحاولون إيذاءهم.
وقد قام الباحثون من خلال هذه الدراسة بمراجعة وتحليل الأبحاث الطبية بشكل منهجي من عام 1980 إلى عام 2023 للتحقيق في العلاقة بين ملكية القطط والاضطرابات المرتبطة بالفصام، كما تضمنت الدراسة مجموعة واسعة من المصادر وفي نهاية الأمر كان هناك ارتباط ملحوظ بين ملكية القطط وزيادة خطر الإصابة بالاضطرابات المرتبطة بالفصام.
وفي هذا السياق يؤكد أستاذ الطب النفسي ومدير معهد بنسون هنري لطب العقل والجسم التابع لجامعة هارفارد (The Harvard-affiliated Benson-Henry Institute for Mind Body Medicine) جريج فريتشيوني (Greg Fricchione) إن القطط تحمل طفيلاً يسمى التوكسوبلازما جوندي أو المقوسة الغوندية (Toxoplasma Gondii) والذي يسبب داء المقوسات وعادة ما يدخل هذا الطفيلي إلى جسم الإنسان من خلال عضة القطط أو ملامسة براز القطط وفي الكثير من الأحيان لا تظهر أي أعراض على الإنسان وعادة ما يكون السبب في ذلك هو أن جهاز المناعة يمنع الطفيلي من التسبب في أي أمراض.
وعلى الرغم من ذلك في حال كان جهاز المناعة لدى بعض الأفراد ضعيفاً، يكون الطفيلي خطيراً للغاية حيث يملك القدرة على التسلل إلى الجهاز العصبي والتأثير على الناقلات العصبية، كما يوضح فريتشيوني إن داء المقوسات يمكن أن يصل إلى المخ.
وتلعب القطط دوراً محورياً في انتشار داء المقوسات؛ حيث أنها تُصاب بالعدوى من خلال أكل القوارض أو الطيور أو غيرها من الحيوانات الصغيرة والحشرات، بعد ذلك ينتقل الطفيلي إلى براز القطط على شكل بويضة، ولأن القطط عادة ما تقضي حاجتها في البيت فإن أهل هذا البيت معرضين للإصابة بشكل كبير، حيث أن هذا الطفيلي قادر على العيش لمدة طويلة.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر اقتناء الحيوانات الأليفة إيجابياً في الصحة؟
لماذا يميل بعض البشر إلى تربية القطط دوناً عن غيرها من الحيوانات؟
أجرت الجمعية الأميركية للطب النفسي (The American Psychiatric Association’s APA) استطلاعاً للرأي في مارس/آذار 2023 ومن بين المشاركين في الاستطلاع، قال النصف (50%) إن لديهم كلاباً، وقال 35% إن لديهم قططاً، وقال الثلث (31%) إنه ليس لديهم أي حيوانات أليفة في المنزل، ومن خلال هذا الاستطلاع أكد محبي القطط أنها توفر الونس والهدوء عكس الكلاب التي أكد أصحابها أنها تساعدهم على النشاط البدني، وهذه هي أهم أسباب ميل بعض البشر إلى تربية القطط:
- القطط كائنات هادئة: يفضل الأشخاص الذين لا يحبون الضوضاء تربية القطط لأنها كائنات هادئة بطبيعتها ولا تسبب أي ضوضاء، حتى المواء الأكثر إلحاحاً لا يمكن مقارنته بعواء الكلاب التي لا تهدأ.
- تتمكن القطط من العناية بنفسها: بالمقارنة مع الكلاب، القطط هي حيوانات أليفة تعتمد على نفسها؛ إنهم لا يحتاجون إلى تدريب رسمي، ولا يحتاجون إلى إخراجهم عدة مرات في اليوم، بل إنهم قادرون على الاهتمام بالتنظيف الذاتي الأساسي، صاحبها سوف يكون مسؤولاً بالطبع عن العناية المنتظمة بشعرها الطويل.
- تستطيع القطط التكيف بسهولة في البيت: عندما يتعلق الأمر بالحيوانات الأليفة في البيوت، غالباً ما تكون القطط أكثر ملاءمة من الكلاب، بالمقارنة مع الكلاب، تتطلب القطط مساحة أقل ويمكنها الاستفادة بشكل أفضل من المساحات الصغيرة، كما أنها تتدرب بسهولة على استخدام الرمل أو الحمام.
- القطط أقل تكلفة للعناية بها: التكلفة الإجمالية لرعاية القطط منخفضة، وذلك لأنها تتطلب طعاماً أقل، وألعاباً أقل، كما أن تكاليف العناية بها أقل بشكل عام.
- القطط كائنات مستقلة: من أفضل الأشياء المتعلقة بالقطط أنها مخلوقات مستقلة جداً، على عكس الكلاب، التي تتطلب مستوى عالٍ جداً من الاهتمام كل يوم، تكون القطط سعيدة جداً بالحصول على وقت لنفسها، كما أن القطط تنام لمدة 15 ساعة يومياً تقريباً، لذلك لا داعي للقلق بشأن شعورها بالملل الشديد في أثناء وجودك في العمل، وعندما تكون في المنزل، تكون القطط راضية عن مجرد وجودها بصحبتك، بينما قد تتطلب الكلاب اهتمامك الكامل.
5 آثار سلبية أخرى لتربية القطط
تتبعت الصحفية أبيجيل تاكر (Abigail Tucker) في كتابها "الأسد في غرفة المعيشة: كيف قامت القطط بترويضنا واستولت على العالم" (The Lion in the Living Room: How Cats Tamed Us and Took Over the World) رحلة القطط من حيوانات مفترسة مخيفة إلى دخيل عالمي، وسلطت تاكر الضوء على كيفية شق القطط لطريقها في هذا العالم، حيث أكدت إن علاقة القطط مع البشر مليئة بالتناقضات، وهذه هي أهم الآثار السلبية لتربية القطط:
- العزلة: على الرغم من أن القطط توفر لأصحابها الحب غير المشروط والونس والرفقة الجيدة، فإنها تقوم بكل هذه الأمور وفقاً لشروطها الخاصة حين تتسم في الكثير من الأوقات بالبرود وتنظر لصاحبها على أنه الخادم الخاص بها، ولأنها لا تتطلب الخروج فقد تعزل أصحابها عن العالم الخارجي.
- امتلاء المنزل بالبراغيث: كل ما تحتاجه القطط للإصابة بالبراغيث هو الاتصال بحيوان آخر. بمجرد التأكد من وجود البراغيث، لن يقتصر الأمر على علاج القطط فحسب، بل يمكن لمنزلك وجميع محتوياته أن تؤوي البراغيث وبيضها أيضاً.
- إمكانية الإصابة بالالتهابات المزمنة: يوضح أستاذ الطب النفسي جريج فريتشيوني إن تربية القطط يمكن أن تسبب الإصابة بالالتهابات المزمنة والتي يمكن أن تتحول إلى قاتل صامت يساهم في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والسكري من النوع الثاني وغيرها من الحالات.
- القطط تسبب كارثة بيئية: وذلك لأنها تقتل مليارات الطيور في الولايات المتحدة كل عام، والعديد منها من الأنواع المهددة بالانقراض.
- تتظاهر القطط بالمودة في الكثير من الأوقات: حين يدخل صاحب القطة إلى غرفته فإن قطته عادة ما تتمسح بقدمه، وعادة ما يفسر صاحبها هذا السلوك على أنه مودة لكن العديد من الباحثين يفسرون ذلك على أنه محاولة من جانب القطة لنشر رائحتها، كما أن القطط عادة ما تستخدم الخرخرة بطريقة تثير غرائز الأبوة والأمومة لدى البشر حتى يحصلوا على الطعام.
اقرأ أيضاً: خرخرة القطط: قوة علاجية خفية، تعرف إليها!
نظرة إلى الجانب المشرق: كيف يمكن أن تعزز القطط صحتنا النفسية؟
لكن المشهد ليس سوداوياً تماماً فالمختصة النفسية كاساندرا فالون (Cassandra Fallon) تعتقد إن وجود القطط في البيت له تأثير إيجابي على أصحاب هذا البيت حيث تعزز القطط الصحة النفسية عبر الطرق التالية:
- تخفيف حدة الاكتئاب: توصلت دراسة بحثية حديثة إلى نتيجة مفادها أن تربية القطط تقلل من الشعور بالاكتئاب والوحدة وذلك لأنها تمنح البشر الرفقة، وفي هذا السياق توضح المختصة النفسية الإكلينيكية فهدة باوزير إن الأطباء النفسيين عادة ما ينصحون مرضى الاكتئاب باقتناء قطة لأنها قادرة على منحهم الحب وإخراجهم من دائرة الاكتئاب.
- الشعور بالأمان: بالمقارنة مع الأشخاص الذين لا يملكون حيوانات أليفة، اكتشف الباحثون أن أصحاب القطط لديهم شعور أعلى بالأمان، ومشاعر قلق أخف، وفي هذا السياق يشير الطبيب البيطري جيمي ويتنبرج (Jamie Whittenburg) إلى إن ملاعبة القطط يمكن أن تقلل من مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول) في جسمك وهذا يساعد على الشعور بالهدوء والسعادة، وانخفاض معدل ضربات القلب وضغط الدم، وتهدئة القلق.
- التخلص من المزاج السيء: من خلال حركاتها الغريبة التي تتحدى الجاذبية وأوضاع النوم الشبيهة باليوجا، قد تساعدنا القطط على التخلص من مزاجنا السيئ، كما أنها تقلل من المشاعر السلبية؛ فحتى القطط التي نراها عبر الإنترنت قادرة على جعلنا نبتسم.
- تقليل التوتر: بعد أن تواجه يوماً عصيباً في العمل وتعود إلى بيتك وأنت تشعر بالإجهاد والتوتر، قد تتلاشى كل هذه المشاعر بعد أن تحتضن قطك؛ فالعناق الدافئ هو أحد أفضل أشكال تخفيف التوتر، فالقطط ليست مجرد كائنات صغيرة تعتمد علينا، إننا أيضاً نستمد الراحة والدعم العاطفي منها.
- تحفيز التواصل الاجتماعي: يوضح الباحث البريطاني فيران مارسا سامبولا (Ferran Marsa-Sambola) إن القطط تعمل كمحفزات اجتماعية، حيث تحفز التواصل الاجتماعي بين الناس؛ فالمشاعر الإيجابية تجاه القطط قد تولد مشاعر إيجابية تجاه الناس، فحين تجعلنا القطط بالرضا والتواصل واللطف فإنها تحفزنا على بناء علاقات لطيفة مع الآخرين.