تمثل تربية الأبناء تحدياً للأبوين من مختلف النواحي ويصبح هذا التحدي أكثر صعوبةً في حال انفصالهما، وسواء دامت الحياة الزوجية أو لم تدم فإن الحفاظ على توازن حياة الأبناء يتطلب منهما الحفاظ على تواصلهما كأبوين.
يتخذ الوالدان العديد من الإجراءات التربوية تجاه الطفل خلال الحياة اليومية كحرمانه من اللعب خارجاً عند حصوله على درجات مدرسية متدنية أو إلزامه بإعادة كتابة واجباته التي سبق أن أنجزها بطريقة رديئة، وغيرها من السبل التي يسعيان من خلالها إلى غرس القيم في نفسه وتعليمه احترام القواعد. ولكن مع نمو الطفل وتبلور شخصيته من خلال مواقف الحياة التي يواجهها، يجد الوالدان أن مبادئهما ومثلهما التربوية بحاجة إلى مراجعة مستمرة، وتقول مختصة التحليل النفسي كلود هالموس (Claude Halmos) في إحدى مقالاتها التي تتناول تربية الأبناء: "أنت لا تربي طفلين بالطريقة ذاتها". ولا يمكن إنجاز هذه المهمة على نحو سليم دون وجود تواصل بين الأبوين، ولكن كيف سيكون الحال إذا انفصلا وتولى أحدهما تربيته بمفرده؟ وكيف يمكن التعامل مع الموقف إذا كان الوالد الذي سيربي الطفل ينوي الزواج مجدداً؟ إنها تحديات صعبة لا شك، ولتجاوزها وضمان نشأة سليمة للطفل فإن على الطرفين معرفة أنه إذا انقطع التواصل بينهما كزوجين فيجب ألا ينقطع فيما يخص دورهما كأبوين.
انفصال الزوجين لا يلغي دورهما المشترك كأبوين
ينفصل الكثير من الأزواج بالتراضي دون أن تثور بينهم نزاعات، لكن الحال ليس كذلك دائماً إذ ثمة الكثير من تجارب الطلاق المؤلمة التي يتبادل فيها الطرفان الاتهامات ويحملان بعضهما المسؤولية وفي بيئة متوترة كهذه قد يصعب الحديث عن استمرار التعاون بين الأبوين كما في السابق فيما يخص تربية الأبناء. تقول مختصة علم النفس بياتريس كوبر رويير (Béatrice Copper-Royer): "عندما تكون الرابطة الزوجية موجودة، يحرص الطرفان على تجنب النزاعات التافهة حفاظاً عليها، وبعد الانفصال يظنان أن دورهما المشترك قد انتهى بانتهائها فلا يعود أحدهما قادراً على رؤية إلا ما يثير حنقه وغضبه من الآخر دون أن يدركا مغبة ذلك، لأنه عندما تكون تجربة الطلاق سيئة بهذه الصورة بالنسبة إلى الطرفين، سيتحول كل ما يخص الأطفال وحتى أصغر تفصيل، إلى سبب لنشوب النزاعات بينهما".
تلقي هذه الأجواء المشحونة بالتوتر بين الأبوين المنفصلين بظلالها على الأطفال وتسبب لهم ألماً نفسياً شديداً، وتوضح المختصة قائلةً: "لا يتمتع الأطفال باستقلال نفسي عن الوالدين قبل سن المراهقة وكلما كانوا أصغر كان تعلقهم بهما أكبر ولذلك فإن الطفل الذي يعيش مع أبيه مثلاً يظن أن كل ما يقوله صحيح وكذلك الحال بالنسبة لمن يعيش مع أمه ومن ثم فإن حديث الوالدين عن بعضهما بالسوء أمام الطفل يسبب أزمة نفسية له لأنه سيشعر بتأنيب الضمير بسبب وقوعه فريسة لما يسمى "صراع الولاء" وشعوره الدائم بأنه "يخون" أحد والديه".
تفاهم الأبوين المنفصلين ضروري لمصلحة الأبناء
قد يصعب على الوالدين وضع تجربة الطلاق المؤلمة جانباً، لكن بياتريس كوبر رويير تؤكد أن ذلك ضروري لمصلحة الطفل وتقول: "تقع على عاتق الزوجين المنفصلين مسؤولية الحفاظ على دورهما كأبوين وعلى حد أدنى من الحوار بينهما كي لا يقع الطفل فريسةً لعواقب المشكلات التي تنشب بينهما". من أجل مصلحة الطفل على الأبوين المنفصلين أن يعملا على تربيته معاً قدر الإمكان، وهو ما تؤكده لبنى المنفصلة عن زوجها منذ 6 سنوات فتقول: "عندما انفصلنا أنا وزوجي كان طفلانا يبلغان 10 و13 عاماً، تشتت ابني الأكبر فكان يعيش في منزلين وحياتين منفصلتين ويحاول إخفاء حياته معي عن والده والعكس بالعكس. سار الأمر على هذا النحو في البداية حتى قررت ووالده التحدث حول الأمر وبالفعل تشاورنا في سبيل منح ابننا حياة أكثر استقراراً وعلى الرغم من أننا لم نكن نتفق دائماً على الإجراءات التي يجب اتخاذها فإن الأمر المهم هو شعور ابننا بوجودنا معاً إلى جانبه كأبوين رغم انفصالنا كزوجين".
على الرغم من أن الانفصال يؤدي إلى تعقيد بعض جوانب الحياة فإنه يجعل بعضها الآخر أسهل إذ إن التشاور بشأن قواعد المنزل والحياة اليومية التي تخص الأبناء يتسم بمرونة أكبر عندما يكون الأبوان منفصلين وتوضح المختصة قائلة: "يجد الأبناء من جهتهم قدرة أكبر على استيعاب القرارات التي يتوصل إليها الأبوان المنفصلان وتقبلها، فيما يخص تعليمهم وصحتهم وسلامتهم وغير ذلك".
من ناحية ثانية، في حالة تأسيس عائلة مختلطة، أي عندما يتزوج الوالد الذي يرعى الأطفال بإمرأة معها أطفالها، فإن عليهما التفاهم حول أسلوب حياة هذه الأسرة الجديدة، وتقول بياتريس كوبر رويير: "على الزوجة الجديدة تحمل المسؤوليات التي تقع على عاتقها وهي تطبيق القواعد المتعلقة بالسلامة وتنظيم حياة الأسرة ككل، ما يمنح الوالد راحة نفسية فهو لن يكون مضطراً إلى استشارة أم أبنائه في كل صغيرة وكبيرة فيما يخص الأبناء".
تربية الأبناء ضمن عائلة مختلطة: مهمة ليست بالسهلة
قد لا يكون الوصول إلى صيغة تفاهم مشتركة مع الزوج الجديد فيما يخص الأساليب التربوية سهلاً، وهذا ما توضحه المختصة التي تستقبل في عياداتها الكثير من العائلات المختلطة التي تواجه صعوبات، إذ تقول: "من الشائع أن يُظهر الزوج الجديد أسلوباً مختلفاً في تربية الأبناء وقد يصعب على الطرفين الانسجام في هذه الناحية عندما يختلف المرجع التربوي بين كل منهما". يجب أن يتوصل الطرفان المعنيان بهذه العائلة الجديدة إلى رؤية تربوية مشتركة جديدة أيضاً لأن كلاً منهما سيصطدم بالرؤية التربوية التي بناها الآخر رفقة زوجه السابق.
ويتطلب هذا الوضع إجراء تعديلات وحتى تقديم تنازلات أحياناً وتقول مختصة علم النفس والتحليل النفسي كاثرين أوديبير (Catherine Audibert): "المشكلة الأكبر التي تواجه العائلة المختلطة هي القدرة على تعايش الزوجين الجديدين معاً إذ يتبع كل منهما طريقته في تربية أطفاله، ما يؤدي إلى انقسام "عمودي" داخل الأسرة (كل والد مسؤول عن أطفاله) في حين يجب على الزوجين السعي للوصول إلى شكل الأسرة الطبيعي أي مسؤولية الأبوين المشتركة عن جميع الأبناء ومن ثم العمل على تربيتهم معاً لا أن يربي كل منهما أبناءه على حدة. بخلاف ذلك، فإن الأسرة ستواجه مشكلة حقيقية ولا سيما عندما يكون لدى كل زوج أطفاله ويقرر الزوجان إنجاب مولود جديد، فيتربى الأطفال وفق أسس مختلفة على الرغم من أنهم يعيشون في المنزل ذاته. عاشت لبنى هذا الوضع، وقد كان صعباً جداً عليها، فبعد عام من انفصالها عن زوجها تزوجت رجلاً مطلقاً لكن الفروقات في أساليب التربية أدت إلى انفصالهما بعد فترة وجيزة، تقول لبنى: "كان زوجي الجديد جمال يشعر بالانزعاج بسبب اختلاف أساليب التربية التي يتبعها كل منا، فقد كان شخصاً صارماً جداً يصرخ في أطفاله كثيراً حتى إنه كان يصفعهم أحياناً في حين أن أسلوبي كان أكثر لطفاً، فأنا أكره الصراخ، كما كنت أولي أطفالي اهتماماً كبيراً".
إذاً، كيف يمكن تحقيق الانسجام ضمن العائلة المختلطة؟ تقول بياتريس كوبر رويير قائلة: "من الطبيعي أن يتخلل تأسيس الأسرة المختلطة بعض التعقيدات". ولذلك، فإن على الزوجين قبل كل شيء التخلي عن فكرة تأسيس عائلة مختلطة مثالية، تجنباً للإحباط، إذ لا مفر من وقوع الخلافات والنزاعات داخل الأسرة، ويجب على الزوجين بصفتهما شخصين راشدين العمل على حلها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الوصول إلى حالة من الاستقرار يتطلب وقتاً، فالتسرع وعدم إتاحة الفرصة للأبناء لاستيعاب الوضع الجديد يزيد من احتمال تفاقم المشكلات لذلك من الضروري أن يمنح كل طرف أبناءه مساحتهم الخاصة وعدم الضغط عليهم ليتمكنوا تدريجياً من الاندماج معاً.