الملخص
المشكلة
"هل تتحدث المرأة أكثر من الرجل؟"، يثير السؤال السابق تضارباً في الآراء بين المجيبين نتيجة وجود صورة نمطية مغلوطة شائعة مفادها أن المرأة تبالغ في الحديث؛ ما يعرضها أحياناً إلى الاضطهاد في العمل والحياة الاجتماعية.
السبب
يختلف نمط الحديث بين المرأة والرجل، فالمرأة تتحدث أكثر من الرجل داخل المنزل وتميل إلى الحديث أكثر في الجلسة الواحدة، وتحبذ الاستطراد في الموضوعات الشخصية؛ بينما يتحدث الرجل أكثر خارج المنزل، بالأخص في الاجتماعات والمناقشات، ويركز على الحقائق وإيجاد الحلول.
الحل
ينصح الخبراء بضرورة تجنيب التحيزات اللاواعية الخاطئة مع بذل الجهد لمعرفة الفروق في التواصل بين الجنسين، ومحاولة الانفتاح على الآخر ورؤية الأمور من وجهة نظره، إلى جانب إتقان مهارتَي الإصغاء وطرح الأسئلة لتعزيز التفاهم المتبادل.
محتويات المقال
عند سؤال رئيس اللجنة المنظمة لأوليمبياد طوكيو، يوشيرو موري (Yoshiro Mori)، عام 2021، عن سبب قلة عدد النساء في اللجنة، فاجأ الجميع بجوابه قائلاً: "تستغرق اجتماعات مجلس الإدارة مع النساء الكثير من الوقت، وعندما يزداد عدد العضوات التنفيذيات، ولا يكن وقت تحدثهن مقيداً بمدة محددة، فإنهن يواجهن صعوبة في إنهاء الحديث، وهو أمر مزعج".
وتعد فكرة تحدث النساء أكثر من الرجال متجذرة في مختلف الثقافات والدول، وحتى في التعبيرات اللغوية، يقول المثل: "لا تكفّ المرأة عن الكلام إلّا لتبكي". فهل تتحدث المرأة أكثر من الرجل فعلاً؟ في هذا المقال، نتناول ما يقوله العلم باختصار؛ حتى لا أوصم بالثرثرة، وعواقب ترسيخ هذه الصورة السائدة.
اقرأ أيضاً: هل ثمة اختلاف في المهارات بين الرجل والمرأة؟ إليك إجابة العلم
هل تتحدث المرأة أكثر من الرجل؟
لا يوجد جواب قاطع عن هذا السؤال، فقد تتحدث المرأة أكثر من الرجل في مواقف معينة أو في سياقات محددة، والعكس. والاستثناء الوحيد الملحوظ هو أن الطبيبات يقضين في المتوسط دقيقتين أطول من نظرائهن الرجال في التحدث إلى مرضاهن.
فعلى عكس الصورة النمطية السائدة، أظهرت مراجعة شاملة ضمت 56 دراسة أجرتها الباحثة اللغوية ديبورا جيمس (Deborah James)، وعالمة النفس الاجتماعي جانيس دراكيتش (Janice Drakich)، أن الرجال يتحدثون أكثر من النساء في 34 دراسة؛ بينما أظهرت دراستان فقط أن النساء يتحدثن أكثر، ووجدت 16 دراسة أن كلاً من الرجل والمرأة يتحدث بالمقدار نفسه، ولم تجد 4 دراسات أي فرق واضح، ففي بعضها كان الرجل أكثر كلاماً؛ بينما في البعض الآخر كانت المرأة أكثر حديثاً، فلم تستطع هذه الدراسات إيجاد نمط واضح.
في الواقع، قد لا تتحدث النساء بما فيه الكفاية. تقول أستاذة اللغويات بجامعة جورج تاون (Georgetown)، ومؤلفة العديد من الكتب حول التواصل في العلاقات، ديبورا تانين (Deborah Tannen)، إن الدراسات تثبت أن الرجال يتحدثون أكثر من النساء في الاجتماعات، والمناقشات الجماعية، والفصول الدراسية المختلطة.
وإجمالاً، يقول الأستاذ المساعد والباحث في مجال اللغويات التطبيقية بجامعة الملك سعود، بندر الغميز، إن الرجل يتحدث أكثر من المرأة على مدار اليوم؛ لكن تتحدث المرأة أكثر في الجلسة الواحدة. ويضيف اختصاصي الإرشاد والتوجيه الأسري، خلفان البوسعيدي، إن الرجل عادة يتحدث أكثر خارج البيت، والمرأة تتحدث أكثر داخله.
وتوضح أستاذة اللغويات ديبورا تانين إن النساء يملن إلى التحدث أكثر مع أصدقائهن وبإسهاب، وعن موضوعات شخصية، أكثر مما يفعل الرجال في محادثاتهم الخاصة. وترى أن النساء أقل ميلاً إلى التحدث من الرجال في الاجتماعات، وأخفض صوتاً، وبطريقة أكثر تردداً؛ خشية أن يعدّهن الآخرون كثيرات التحدث. تشير تانين إلى ذلك كما لو أن النساء يردن شغل أقل مساحة كلامية، وتشبّه ذلك بتفضيل البعض الجلوس إلى جوار امرأة؛ لأن النساء بالتجربة يضمُمن أرجلهن وأذرعهن، على عكس الرجال غالباً.
علاوة على ذلك، قد لا تتحدث النساء بما يكفي حتى لو كن في موضع سلطة؛ ويرجع ذلك إلى خشيتهن من ردود أفعال الآخرين؛ كأن يوصفن بالعدائية، عندما يتحدثن بحزم عن آرائهن. علاوة على ذلك، يميل الرجال إلى وصف النساء في السلطة الذين يتحدثن أكثر من الرجال بنقص الكفاءة؛ اعتقاداً منهم أن هؤلاء النساء لا يتمتعن بالمكانة للتحدث. والمفارقة أنه عند إحجام النساء، سواء كن في السلطة أو لا، عن التحدث فقد يُستهان بهن، ويُقلَّل من شؤونهن، حتى من قبل النساء الأخريات؛ حيث قد يربطن مستويات كفاءة هؤلاء النساء بحجم مشاركاتهن في الحوار.
ما عواقب ترسيخ الصورة النمطية حول كلام المرأة أكثر من الرجل؟
على الرغم من استقالة موري بعد الضجة التي أحدثتها تعليقاته، يعد ذلك نموذجاً واضحاً لتأييد الكثيرين لفكرة أن النساء يتحدثن أكثر من الرجال. لكن لن يمكن التراجع عما وقع من ضرر بسبب تأكيد هذه الصورة النمطية، فانتشار الأفكار المضللة على أنها حقائق يمكن أن يسفر عن عواقب وخيمة؛ حيث يرسخ الفجوة بين الجنسين، ويؤكد القوالب النمطية التي يروّج لها بعض الصحف والأوساط الأكاديمية؛ ما يعوّق رؤية الشخص للجنس الآخر بوصفه فرداً مستقلاً لديه مشاعر وأفكار وتصورات وآمال فريدة.
وعلى الرغم من وجود بعض الفروقات في مقدار التحدث بين الرجال والنساء، فإن هذه الاختلافات تعتمد على عدة عوامل؛ مثل:
- الشخصية: حيث يميل الأشخاص المنفتحون والاجتماعيون إلى التحدث أكثر بصفة عامة، بغض النظر عن الجنس.
- المكانة الاجتماعية: قد تتحدث النساء على نحو أقل في بعض الثقافات أو المجموعات التي يهيمن عليها الرجال.
- حجم المجموعة: في مجموعات صغيرة، قد تتحدث النساء أكثر؛ بينما في مجموعات كبيرة، قد يتحدث الرجال أكثر من النساء.
لذلك؛ يمكن القول إن فروقات التواصل بين الجنسين تنتج من اختلاف أنماط التعبير الكلامي بينهما التي ترجع إلى العديد من العوامل المعقدة، لكن يمكن إجمالها في الآتي:
- يركز الرجال غالباً على الحقائق والأرقام، وإعطاء الأوامر والمعلومات، وإيجاد الحلول، واستخدام لغة مباشرة وجازمة وموجزة أكثر.
- تميل النساء إلى استخدام اللغة بوصفها وسيلة لاستكشاف المشاعر والأفكار، وتعزيز العلاقة مع الآخر، والتحدث بكلمات معبرة وتفاعلية أكثر، وبلهجة أكثر تودداً.
5 نصائح لتخطي الصورة النمطية وتحسين التواصل بين الجنسين
يمكن لاتباع النصائح التالية أن يساعدك على التواصل مع الشخص الآخر بفعالية:
- ثقف نفسك: أولى خطوات التغلب على الصور النمطية السائدة هي أن نتعرف إليها، ثم نكتشف طرائق التعامل معها. لذلك؛ جرب حضور ورشة عمل حول التواصل، أو القراءة عن أساليب التواصل بين الجنسين. يمكن أن يساعدك ذلك على فهم نفسك والطرف الآخر، والتعرف إلى الفروقات بين أساليب التواصل، وتجنب الفهم الخاطئ، ومحاولة رؤية الأمور من وجهة نظر الآخر.
- مارس استراتيجيات الاستماع الفعال: أنصت جيداً، بدلاً من الانشغال بالتحدث أو التخطيط للرد، وأعد ما قاله الشخص الآخر باختصار، واطرح أسئلتك عليه للتأكد من الفهم الصحيح.
- تحدَّ الصورة النمطية: لدى جميعنا تحيزات لا واعية؛ منها ما يتعلق بكيفية تواصل الرجال والنساء، فالصورة العامة تشير إلى أن النساء يملن إلى التواصل بغرض تقوية الروابط الاجتماعية والمشاركة؛ فيما يتواصل الرجال على نحو أكبر بغرض توضيح الهيمنة، والتركيز على تحقيق الأهداف، وهذا لا ينطبق بالضرورة على الأفراد جميعهم من الجنسين. لذلك؛ ركز على الأفكار التي يعبر عنها الشخص الآخر، وليس على الشخص الذي يطرحها، أو على أسلوبه في التواصل.
- كن منفتحاً: قد يشعر شخص ما أنه غير مسموع، أو أن الآخرين لا يحترمونه؛ لذلك أعطه الفرصة لعرض وجهة نظره. وفي المقابل، لا تتردد في طلب توضيح شيء ما، إذا كان هناك أمر غير مفهوم بالنسبة إليك.
- عبّر بوضوح: قد يجد الرجل مشكلة في التعبير عن مشاعره بطريقة مباشرة، لاعتقاده مثلاً أنها دليل على الضعف أو غير ذلك؛ لكن مع الوقت، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم مشكلات التواصل، وتراكم المشاعر السلبية. لذلك؛ جرب التعبير عن مشاعرك بطريقة أكثر صراحة وانفتاحاً. على الجانب الآخر، قد لا يفهم الرجل ما وراء الكلمات والتلميحات؛ لذلك تجنبي الإيحاءات، وبدلاً من ذلك، ينبغي استخدام كلمات واضحة عند التعبير عن المشاعر ووجهات النظر.
ختاماً، من المهم أن تعامل الشخص الآخر، سواء كان شريكاً أو صديقاً أو زميلاً أو غير ذلك، على أنه فرد مستقل، وليس جزءاً من فئة معينة تخضع إلى قوالب نمطية ليست بالضرورة صحيحة.
اقرأ أيضاً: الرجل يقدم الحلول والمرأة تريد الاحتواء: كيف تحل هذه المعضلة؟