ما أزمة ربع العمر؟ وماذا تفعل لتتجنبها؟

6 دقيقة
أزمة ربع العمر
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: بعد دراستي تخصص العلوم السياسية، التحقت بالدراسات العليا من أجل دراسة الماجستير، وبعد سنتين قضيتهما بين أروقة المكتبات والجامعات، أدركت أنني لا أريد التخصص في العلوم السياسية! ما مررت به وقتها يمكن أن نُطلق عليه "أزمة ربع العمر"؛ وهي الفترة ما بين التخرج في الجامعة والالتحاق بسوق العمل، فما هي أزمة ربع العمر؟ وكيف تتعامل معها؟ الإجابة يقدمها هذا المقال.

ما الذي أفعله في حياتى؟ لماذا لا أشعر بالتحفيز؟ هل أنا مستعد للاستقرار المهني وتكوين عائلة في الوقت الحاضر؟ لماذا علاقاتي صعبة جداً؟ هل يجب أن ألتحق بالدراسات العليا من أجل دراسة الماجستير أم يجب عليّ أن أدرس لغة أخرى؟ كيف من المفترض أن أعيل نفسي؟ هل عملي الحالي هو شغفي الحقيقي أم إنني ببساطة اخترت الطريق الأسهل والأكثر أماناً؟ إذا كنت تسأل نفسك هذا النوع من الأسئلة بصفة مستمرة، فربما تمر بأزمة ربع العمر، فما هي تلك الأزمة؟ وماذا تفعل كي تتجنبها؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هي أزمة ربع العمر؟

"أزمة ربع العمر" مصطلح يُستخدم لوصف فترة من عدم اليقين والقلق التي يعانيها بعض الأفراد في العشرينيات أو أوائل الثلاثينيات من العمر، وغالباً ما تتميز هذه الفترة بمشاعر الارتباك وعدم الرضا والشعور بالضياع أو فقدان الاتجاه.

ولا يعاني الجميع أزمة ربع العمر، علاوة على أنها ليست تشخيصاً رسمياً معترفاً به. ومع ذلك، فقد اكتسب هذا المصطلح شعبية في السنوات الأخيرة بوصفه وسيلة لوصف الصراعات العاطفية والنفسية التي قد يواجهها بعض الشباب في أثناء هذه الفترة الانتقالية.

وخلال أزمة ربع العمر، قد تشعر بالإرهاق بسبب الضغط النفسي الناجم عن اتخاذ قرارات حياتية مهمة مثل اختيار المسار الوظيفي، أو العثور على شريك الحياة المناسب، أو تحديد هدف حياتك. قد تشكك في اختياراتك، وتقارن نفسك بأصدقائك، وتشعر بخيبة أمل تجاه التوقعات التي كانت لديك من قبل. قد تشعر أيضاً بأنك عالق في مكانك الحالي، ولا تعرف الاتجاه الذي يجب أن تسلكه أو كيفية المضي قدماً.

4 أسباب لأزمة ربع العمر

لا يوجد سبب محدد لأزمة ربع العمر؛ لكن توجد مجموعة من العوامل التي يمكن أن تُفاقم الشعور بها؛ مثل:

  1. عدم الرضا الوظيفي: يمكن أن يؤدي الانتقال من الجامعة إلى سوق العمل إلى زيادة الضغط والمشكلات. وقد يواجه البعض صعوبة في العثور على عمل أو يخسر وظيفته الأولى؛ بينما قد يكون الآخرون غير راضين عن مهنهم المختارة ويتساءلون عن اختيارات حيواتهم.
  2. المخاوف المالية: يواجه العديد من الأفراد في سنّ 25 عاماً وما بعدها المسؤوليات المالية؛ مثل تغطية المصروفات الشخصية أو العائلية أو دفع الإيجارات، أو الادخار للمستقبل، ويمكن أن تسهم الضغوط المالية في الشعور بالقلق وعدم اليقين خلال هذه المرحلة.
  3. التوقعات الاجتماعية: مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، من الشائع أن يقارن الأشخاص في منتصف العشرينيات حيواتهم بحيوات الآخرين، هذا بالإضافة إلى رغبتهم في تلبية توقعات المجتمع. وبسبب الفجوة بين الواقع والتوقعات؛ يشعر الكثير منهم بالقلق والتوتر.
  4. مسؤوليات الحياة الجديدة: يتزوج الكثير من الشباب في أثناء العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من العمر وينجبون الأطفال؛ ومن ثَمّ تقع على عاتق كلٍ منهم مسؤولية التوفيق بين الالتزامات الاجتماعية وأعباء العمل، ويمكن أن تسبب محاولة الموازنة بين هذه المسؤوليات كلها التوتر والقلق والخوف.

اقرأ أيضاً: "العمر مجرد رقم" دليلك لتجديد شبابك

تعرَّف إلى علامات أزمة ربع العمر

يمكن أن تظهر أزمة ربع العمر بطرائق مختلفة، وتختلف تجربة كل شخص عن الآخر، ففي الوقت الذي يواجه فيه بعض الشباب مخاوف مالية، يواجه البعض الآخر منهم صعوبة في العثور على معنى لحياته. وبصفة عامة، هناك بعض العلامات الشائعة التي تميز هذه المرحلة الانتقالية؛ مثل:

  1. انعدام الهدف: حيث تشعر خلال هذه المرحلة بأن حياتك تفتقر إلى الهدف؛ لذلك غالباً ما تعاني القلق وتتولد لديك رغبة في تغيير شيء ما في حياتك حتى لو لم تعرفه بدقة.
  2. أزمة الهوية: يؤكد استشاري الطب النفسي أسامة النعيمي إن بعض الأشخاص يجدون مشكلة في التعرف إلى هوياتهم؛ بما يشمل الشكوك في أهدافهم وقيمهم.
  3. عدم اليقين المهني: يظهر ذلك في الشعور بأنك غير متأكد من أنك تعمل في الوظيفة المناسبة لك، فتتساءل عما إذا كنت قد اخترت الطريق الخطأ وأهدرت الوقت في التعليم والتدريب اللذين لا يناسبانك.
  4. ضغوط العلاقات: يكون الشخص غالباً خلال هذه المرحلة غير متأكد من علاقاته، ويتساءل عما إذا كانت صداقاته وعلاقته الرومانسية ستصمد أمام اختبار الزمن أو لا.
  5. ظاهرة الفومو (FOMO): تعني الخوف الشديد من أن يفوتك شيء ما؛ مثل حفل موسيقي أو اجتماع مع أصدقائك. وغالباً ما يشعر المصابون بهذه الظاهرة بأنهم لا يحققون الإنجازات والتجارب التي يحققها غيرهم من الأصدقاء.
  6. التردد: خلال هذه المرحلة الانتقالية، غالباً ما ستشعر بالتردد، وتجد صعوبة في اتخاذ القرارات، وتشعر بالقلق من عدم قدرتك على الوثوق بحدسك.
  7. الإحساس بالعزلة والوحدة: خلال أزمة ربع العمر، يمكن أن يتفاقم الحديث الذاتي السلبي؛ ما يقنعك بالانسحاب وعزل نفسك عن الآخرين. ويمكن للحديث الذاتي السلبي أن يقنعك بأن لا أحد يريد أن يكون حولك، ولا أحد يحبك! بالإضافة إلى ذلك، قد تجد نفسك أكثر انفعالاً مع الآخرين وقد ينفد صبرك. ونتيجة لذلك؛ فإنك تدفع الآخرين بعيداً عنك أو تنسحب من محيطهم؛ ما يسبب لك الشعور بالوحدة والعزلة.
  1. الفراغ الداخلي: قد تشعر كما لو أن حياتك فارغة وراكدة، وبسبب شعور اللامبالاة واليأس؛ قد تجد صعوبة بالغة في العثور على الدافع إلى التغيير.
  2. الاندفاع المفرط: ربما تلاحظ أنك تخوض المزيد من المخاطر أو تُجري تحركات مفاجئة واندفاعية. ويمكن أن يظهر الاندفاع بعدة طرائق؛ بما فيها إنفاق المال على شراء السلع، وحجز التذاكر من أجل السفر فجأة، وإجراء تغييرات على مظهرك أو بيئتك، وتعلم لغة جديدة أنت غير مهتم بها من الأساس.
  3. المعاناة من القلق والاكتئاب: يمكن أن تشعر خلال أزمة ربع العمر بأن عالمك كله أصبح مملاً، وبلا حياة، وغير ممتع بصفة عامة، ومع مرور الوقت يداهمك الاكتئاب والشعور باليأس والافتقار إلى الحافز أو الاهتمام بالأشياء التي استمتعت بها من قبل، ويتجسد الإحساس بالقلق في الخوف بشأن جدولك الزمني لخطتك وحياتك؛ حيث تبدأ التساؤل إن كنت تمشي وفق المعدل الوقتي الطبيعي أو أنك متأخر عمن حولك.
  4. الشعور بأن هناك الكثير لتقوم به لكن الوقت ينفد منك: في أثناء هذه المرحلة، يمكن أن تبدو قائمة المهام وكأنها لا تنتهي أبداً، وهناك تبدأ في التفكير أنك عندما كنت أصغر سناً، كان الشيء الوحيد الذي عليك التركيز عليه هو المدرسة، والحفاظ على نظافة غرفتك؛ أما الآن بعد أن دخلت مرحلة البلوغ، قد تشعر أن هناك الكثير لتفعله ولكن الوقت ينفد منك، وفي كل مكان تتجه إليه ترى أشخاصاً يتقدمون في مجالات الحياة كافة.

اقرأ أيضاً: لماذا أصبح الجيل زد أكثر عرضة للإصابة بأزمة ربع العمر؟

كيف تتغلب على أزمة ربع العمر؟

وفقاً لما ذكرته المعالجة النفسية تيانا ليدز (Tiana Leeds)؛ فمدة استمرار أزمة ربع العمر تختلف من شخص إلى آخر؛ لكنها قد تمتد إلى بضع سنوات، ويمكن التغلب عليها من خلال اتباع الإرشادات التالية:

  1. انخرط في التفكير الذاتي: إن قضاء بعض الوقت في تدوين يومياتك أو مراجعة قائمة القيم الخاصة بك، يمكن أن يساعدك على معرفة أهدافك الحقيقية؛ حيث إن الحصول على بعض الوضوح بشأن هذه الأشياء سيحفزك على اتخاذ قرارات للمضي قدماً تتماشى مع قيمك ومع قائمة أهدافك.
  2. مارس التعاطف مع الذات: ستكون هناك دائماً وأبداً عقبات وتحديات على الطريق؛ هذا جزء من رحلة الحياة. لهذا؛ اسمح لنفسك بارتكاب الأخطاء. سوف تتعثر ثم ستتعلم من إخفاقاتك؛ ولهذا حاول تبديل عقليتك، وبدلاً من التقليل من نفسك بسبب خطأ ما، مارس التعاطف مع ذاتك وتعلم أن تكون لطيفاً مع نفسك.
  3. حدد مفهوم النجاح بالنسبة إليك: النجاح ليس مفهوماً موحداً، وبغض النظر عن الضغوط التي قد نتلقاها من المجتمع، بالنسبة إلى البعض، يعد النجاح في الحصول على مهنة ناجحة وعائلة مستقرة، وبالنسبة إلى آخرين، قد يكون النجاح هو السفر حول العالم والتعرف إلى ثقافات مختلفة، أو قد يكون النجاح هو الاستثمار في العلاقات المهمة. الخلاصة أنه لا يوجد تعريف واحد متفق عليه للنجاح.
  4. تجنب مقارنة نفسك بالآخرين: قد تكون المقارنة ميلاً طبيعياً؛ لكنها غالباً ما تسرق إحساسك بالبهجة والإنجازات، فمن الصعب عليك أن تنظر إلى زملائك وتشعر أنهم ربما يعيشون حيواتهم أفضل منك، ووسائل التواصل الاجتماعي تعزز هذه المقارنة؛ لكن تذكر أن ما تراه عبر الإنترنت لا يمثل حياة الشخص كاملة، فما لا تراه هو النضالات وخيبات الأمل ولحظات انعدام اليقين التي يعانيها الآخرون.
  5. اسمح لنفسك بالتردد واكتشاف الاختيارات: من المهم أيضاً أن تدرك أنه ليس من الضروري أن تمتلك الإجابات كلها، فأنت ما تزال في مقتبل العمر؛ لذا من الطبيعي أن تسعى إلى اكتشاف ما تحبه وتريده وتجده مرضياً. في كثير من الحالات، الطريقة الوحيدة لاكتشاف هذه الأشياء هي من خلال استكشاف الخيارات المتاحة أمامك؛ لذلك لا بأس من تجربة الأشياء ثم اتخاذ القرار بأنها ليست مناسبة لك.
  1. ابحث عن دعم العائلة والمقربين: على الرغم من صعوبة التحدث إلى الآخرين في بعض الأحيان، فإن الحصول على الدعم والتشجيع أمر ضروري. ذكّر نفسك أن هذا أمر يواجهه العديد من الأشخاص في سنّك نفسها؛ لذا فإن مشاركة مشاعرك وتجاربك يمكن أن تساعدك.
  2. ضع خطة والتزم بها: يمكن أن يساعدك وضع الخطط على الشعور بمزيد من الوعي الذاتي. وبعد أن تضع خطتك، يمكنك بدء تنفيذ خطوات صغيرة لإجراء تغييرات قد تساعد على تحسين موقفك. وإذا أصبح موقفك تجاه نفسك أكثر إيجابية، ستزداد ثقتك بنفسك تجاه رحلتك في هذه الحياة.

في النهاية، لا داعي للذعر إذا ما وجدت أنك تعاني أزمة ربع العمر، وتذكر أن ما تمر به أمر طبيعيع. ندما تكون أصغر سناً، يصبح خيالك جامحاً وتصبح حياتك مليئة بالاحتمالات التي لا حصر لها! ربما قد يفرض علينا الواقع ضرورة الاستقرار ولكن لا يجب أن تشعر بأن الحياة محدودة؛ تحدَّ نفسك وامنحها ولو شيئاً بسيطاً تتطلع إليه نهاية كل يوم، وأخيراً توقف عن التفكير في الأمر على أنه معضلة لن تمر بسلام.

المحتوى محمي