جيريمي غروسكي هو مختص في التغذية والحميات الغذائية؛ ولكن قبل أن يصبح كذلك كان قد عانى من نوعين من اضطرابات الأكل وهما اضطراب فقدان الشهية العصبي ثم فرط الأكل، وتمكن من التعافي منهما في الوقت المناسب. من خلال السطور التالية يخبرنا جيريمي قصته مع اضطراب الأكل والتي يتمنى أن تلهم الشباب ليحبوا أنفسهم أكثر.
عانيت من اضطرابات الأكل التي بدأت لديّ باضطراب فقدان الشهية العصبي عندما كنتُ في المرحلة الثانوية، وكان هوسي بفقدان الوزن قد ظهر بعد نحو 10 سنوات من تعرضي لموقفين أثرا فيّ بصورة كبيرة. الأول كان عندما رسخ أحد الأطباء في ذهني الخوف من السمنة؛ إذ قال لي آنذاك إن لدي وزناً زائداً بالنسبة لسني، وكانت ملاحظته هذه محبطةً جداً بالنسبة إلي. أما الموقف الثاني فقد حدث في مسبح المدرسة حيث يشعر الجميع بالخوف عموماً هناك؛ إذ كنت أقف في الصف منتظراً دوري لأغطس في المياه وكان يقف أمامي أحد زملائي فاستدار فجأة وقرصني في صدري، وأعتقد أنه كان الموقف الأكثر تأثيراً في حياتي. فمنذ تلك اللحظة لم أخلع قميصي أمام أحد أبداً سواء على الشاطئ أو في المسبح أو حتى في المنزل، واستمر هذا الحال حتى بلغتُ السابعة والعشرين من عمري.
خوفي من السمنة وإصابتي باضطراب الشهية العصبي
ظهر اضطراب فقدان الشهية العصبي لديّ من خلال القيود الصارمة التي فرضتها على نفسي في الأكل، فلأتهرب من تناول الطعام في المنزل كنت أكذب على والديّ فأقول لهما أنني أكلتُ في مقصف المدرسة، وكذلك الحال عندما كان أصدقائي يدعونني للخروج وتناول الطعام معهم فكنت أتحجج بأنني سآكل مع عائلتي، وهكذا. . . أظن أنني كنت أتناول آنذاك ما بين 200-400 سعرة حرارية يومياً على الأكثر وهي لا تغطي شيئاً من حاجة الجسم.
كنت أمارس المشي قدر الإمكان وأقطع مسافات طويلة جداً واتّبعتُ بعض الحيل لتناول أقل قدر ممكن من الطعام وكثفتُ من نشاطي أكثر فأكثر لأخسر مزيداً من الوزن.
تتطلب اضطرابات الأكل متابعةً طبيةً، وقد وصلتُ إلى مرحلة تمكنت فيها من إدراك ذلك إذ شعرتُ بالخوف مما أنا فيه وكان خوفي هذا أشد من رغبتي في خسارة الوزن ما ساعدني على وضع حد لهذا الاضطراب في الوقت الملائم. وعلى الرغم من ذلك فقد كنت قد خسرت وزناً كبيراً جداً بلغ نحو 25 كيلوغراماً في غضون 6 أشهر فقط.
وفي العشرينيات من عمري بدأتُ أعاني من اضطراب فرط الأكل فكنتُ أستهلك سعرات حراريةً كبيرة جداً، 3000-4000 سعرة حرارية، في وقت قصير من اليوم وكان ذلك يحدث غالباً عندما أعود إلى المنزل مساءً، أما السبب الرئيسي وراء سلوكي هذا فقد كان علاقةً سامةً آذتني كثيراً ودفعتني إلى تناول كميات كبيرة من الطعام لتعويض النقص والفراغ النفسي الكبير الذي كنت أشعر به.
لقد قضيت 27 عاماً من حياتي مختبئاً من الآخرين
كانت والدتي وخالاتي يتبعن نظاماً غذائياً جديداً كل 15 يوماً، لذلك كنت أشاركهن في اتباع هذه الحميات نوعاً ما لكنهن لم يكنّ السبب في اتباعي نظامي الغذائي الأول بل الملاحظة التي وجهها إليّ الطبيب حول وزني آنذاك. ثمة الكثير من العوامل التي قد تؤدي لظهور اضطراب فقدان الشهية العصبي، وتُعد الحميات الغذائية من أبرزها عموماً فهي بلا فائدة.
قد تكون الحمية الغذائية مفيدةً في البداية لكن سرعان ما يستعيد المرء الوزن الذي خسره مجدداً لأن الحمية لن تحل المشكلة النفسية التي أدت إلى الإفراط في الأكل، فعندما يتبع الشخص حميةً غذائيةً سيخسر وزناً بالتأكيد لكنه سيستعيده مجدداً ما لم يتعلم إدارة عواطفه.
لقد أمضيت 27 عاماً مختبئاً من الآخرين ولم أستمتع مع أصدقائي، وكنت أظل مرتدياً ثيابي في المسبح لأتجنب السباحة معهم. حدث التحول عندما ذهبتُ في إحدى المرات في إجازة مع أصدقائي وقررت التظاهر بأنني أعاني من حروق شمس كبيرة لأتجنب خلع قميصي لكنني كنت مستمتعاً جداً بوقتي إلى درجة أنني خلعتُ قميصي وسبحتُ ونسيتُ تماماً نظرتي السابقة إلى جسدي، ولاحظتُ حينها أنني أتمتع بجسد جميل حتى أنني سمعتُ إطراءات ممن حولي، لقد أنستني نظرتي النقدية والسلبية إلى نفسي أن من حولي يرونني جميلاً بالفعل.
ما زلت أحارب أفكاري الطفيلية
وعلى الرغم من هذا التحول فإنني لم أتآلف بالكامل مع جسدي بعد وهو أمر طبيعي نظراً للتمييز الذي تعرضتُ له لسنوات، فمثلاً دُعيت منذ فترة لإجراء مقابلة تلفزيونية بمناسبة إصدار كتابي الجديد فصرت أفكر في نفسي قائلاً: "لقد اكتسبتُ في الفترة الأخيرة 5 كيلوغرامات، فكيف سينظر الناس إلى مختص في التغذية بجسد ممتلئ؟".
عندما تجتاحنا أفكار طفيلية من هذا القبيل فإنه من الضروري محاربتها، لذا فأنا لا أستسلم لها ولمشاعر الاكتئاب التي قد تتسلل إلى نفسي بسببها لأن ذلك قد يقودني إلى اتباع حميات غذائية غير منطقية ومن ثم سأكون عرضةً للإصابة باضطرابات الأكل.
لذلك قلت لنفسي: "صحيح أنني اكتسبتُ بعض الوزن لكنني ألَّفتُ كتاباً في المقابل، فاكتساب الوزن كان نتيجة جلوسي الطويل وراء المكتب وعدم تناول طعامي بطريقة صحيحة وعدم ممارسة الرياضة؛ لكنها فترة مؤقتة سيعود بعدها كل شيء إلى طبيعته، فأعاود ممارسة الجري والسباحة وطهو طعامي بنفسي ويصبح كل شيء على ما يرام".