هل أصبح تجاوز حزننا على فقدان أحبائنا أصعب في عصر التواصل الاجتماعي؟

3 دقيقة
الحداد
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: أصبح للموت أو الحداد معنى آخر في العصر الرقمي. مواقع التواصل الاجتماعي لا تتوقف عن إرسال إشعارات التّذكير التي توقظ أحياناً مشاعر الحزن والأسى لدى أهالي المتوفين حتّى بعض مضيّ وقت طويل. فهل يعني ذلك أن هذه المواقع أصبحت تعقّد عملية الحداد؟ وكيف يمكن توظيفها لتجاوز محنة الفقد؟ يسلّط المقال التّالي الضّوء على العلاقة بين الحداد ومواقع التواصل الاجتماعي. لنتابع.

منذ وفاة زوجها سنة 2022 تجد ليلى صعوبة في التعامل مع إشعارات موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك التي تذكّرها بذكرياته وصوره وموعد عيد ميلاده، بينما شعرت رانيا بالصدمة ذات يوم عندما تلقّت رسالة أتوماتيكية من صديقة ميتة عبر حسابها في موقع لعبة كاندي كراش طلباً “لحياة إضافية” للمفارقة.

في المقابل ترى الطبيبة والمحللة النفسية كاترين أوديبير (Catherine Audibert) التي فقدت ابنها جيريمي سنة 2012 ليلة عيد ميلاده الواحد والثلاثين أن مواقع التواصل الاجتماعي خفّفت معاناتها كثيراً. تقول هذه الطبيبة التي ألّفت كتاب “زمن الفقد” (Temps de la perte) الصادر عن دار النشر ألبان ميشيل (Albin Michel) سنة 2021: “كنت عاجزة عن مغادرة بيتي ومقابلة الناس أو حتّى الاتصال بهم هاتفياً، لكن موقع فيسبوك مكّنني من الحفاظ على التواصل مع أصدقاء جيريمي الذين عبرّوا عن تعاطفهم معي وحبّهم لابني”.

هذا ما تشير إليه أيضاً مؤسِّسة هابي آند (Happy End) المنظمة المختصّة في التدريب على تجاوز محنة الحداد في الأوساط المهنية سارة دومون (Sarah Dumont): “لسنا متساويين في مسألة التعامل مع الحداد، إذا كان بعضنا يشعر بالحاجة إلى كتابة رسائل إلى الفقيد بعد شهور من وفاته أو تصفّح حساباته على مواقع التواصل فقد يشعر آخرون بسبب ذلك بنوع من الانتهاك”.

هل صعبت مواقع التواصل الاجتماعي الحداد؟

قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي كنّا نعلن وفاة قريب من خلال الهاتف أو نشر النّعي ثم نحرص على الدعاء له والصلاة عليه وزيارة قبره تكريماً له. واليوم أصبح بإمكاننا إعلان هذا النعي بإنشاء مدونة أو مجموعة واتساب أو نشر صور أو مقاطع فيديو في مواقع مثل ديلي موشن ويوتيوب. فهل يعدّ هذا تقدماً؟

يقول المختصّ في موضوع الحداد في العصر الرقمي مارتان جولييه كوست (Martin Julier-Costes): “لا تسهّل مواقع التواصل الاجتماعي عملية الحداد ولا توقفها، إنها وسائل تكميلية لنشر المعلومات أو الحفاظ على الصلة مع الفقيد، ولا تعوّض الطرائق القديمة حتّى بالنسبة إلى الأجيال الشابة، لكنّها تكشف الكثير فيما يتعلق بالتعامل مع فقدان الآخر، حتّى لو كان التعبير عن الحداد الذي ينشره المستخدم مدروساً بعناية ويراعي القيم الثقافية، عندما تسأل شخصاً في حداد بعد شهرين أو 3 أشهر أو عامين عن حاله فقد يجبيك: في البداية كنت أتألم كثيراً عندما يُذكر اسم الفقيد، لكنّ الأمر لم يعد بهذه الصعوبة، ينطبق الأمر نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتعيّن عليك تعلّم كيفية إدارة المسافة التي تفصلك عن الفقيد، من خلال لعبة توازن بين الاتصال والانفصال، لهذا يقلّل بعض الناس استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بعد وفاة قريب كي يتجنّب سيل الرسائل التي تصله عند الدخول إلى حسابه”.

جديد التكنولوجيا: مواقع تواصل اجتماعي مخصّصة لنعي الموتى

صحيح أن بذل هذا “الجهد” ليس سهلاً خلال فترة الحداد التي نشعر فيها أن الموت يقتحم حياتنا اليومية بعد أن كان محصوراً سابقاً في مكان وزمان معيّنين. لكنّ خبير الأنتروبولوجيا الاجتماعية مارتان جولييه كوست ينبّهنا إلى أنّ ما نشعر به مجرد “وهم” قائلاً: “مصادفة صورة شخص ميت بعد تذكير من موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أو تصفّح منشور نشره أحد أصدقائه على موقع إنستغرام يولّد المشاعر ذاتها التي تتولّد لديك عندما تقابل شخصاً من معارف الفقيد أو تكتشف رسائله القديمة في درج خزانته، إذا كانت أنماط التعبير عن الحداد تختلف وفقاً لاختلاف الزمن أو الوسط الاجتماعي، فإن سلوكياتنا تّجاه الوفاة تظلّ ثابتة، وعندما تتجاهل المواقعُ الرقمية أو غيرها إثارة مسألة الموت هنا ينبغي لنا أن نشعر بالقلق”.

لذا بعد أن لاحظ بعض الخبراء أن مواقع التواصل الاجتماعي لا تصلح دائماً لنعي الموتى أطلق مواقع مخصّصة لذلك (مثل موقع كور cœurs وموقع إن ميموري Inmemori) تتيح لأقرباء المتوفين تشارك الصور ومقاطع الفيديو والمرثيات. كما أنشأ بعض أهالي المتوفين مجموعات في مواقع التواصل الاجتماعي مخصّصة لمن فقدوا أطفالاً (مجموعة فيسبوك: الطريق، نسخة Le Chemin, édition 2021) أو أزواجاً (مجموعة حياة كالحياة V comme vie) أو آباء (مجموعة مذكرات يتيمة Mémoires d’orpheline).

توصي سارة بهذه المواقع والمجموعات قائلة: “إنها تتيح إمكانية تبادل النصائح وكسب أصدقاء جدد وتجاوز المحنة معاً، لكن هذا لا ينفي أن للحسابات التذكارية التقليدية فائدة عملية أحياناً، لا سيّما عندما يصعب على المعنيين بالأمر التنقّل للمشاركة في حفل تأبين شخص متوفَّى أو زيارة قبره، إذ يجد فيها هؤلاء مجالاً للتعبير عن عواطفهم وتمديد فترة الحداد التي يفرضها المجتمع والتعرّف إلى أشخاص يشاركونهم أحزانهم”.

تخلُص المحلّلة النفسية كاترين أوديبير إلى ما يلي: “بالطبع يظلّ خطر الهوس بالمتوفَّى قائماً باستمرار، لكن أمل التعافي من الحزن ممكن أيضاً بفضل مواقع التواصل الاجتماعي التي تسمح للمفجوعين بتقبّل الفقد شيئاً فشيئاً وفقاً لقدراتهم”.

ماذا يحدث لبياناتنا الرقمية بعد الوفاة؟

يموت يومياً 8 آلاف شخص من المنخرطين في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وفي غياب أيّ طلب للإغلاق تظل حساباتهم الشخصية قائمة في مواقع التواصل الاجتماعي. في سنة 2009 كان موقع فيسبوك أول منصّة تقترح إجراءً يسمح للأقارب بإعلان وفاة منخرط معيّن وطلب إغلاق حسابه وإلغائه أو تحويله إلى حساب تأبيني لذكراه.

ويضمن العديد من القوانين اليوم عبر العالم حرية امتلاك البيانات الرقمية والاحتفاظ بها حتّى بعد الموت. ومنذ 1 يونيو/حزيران أضحى بإمكان المواطنين الفرنسيين على سبيل المثال ترك وصية تتعلّق ببياناتهم الرقمية عند جهة موثوقة ومعتمدة من اللجنة الوطنية الفرنسية للمعلوماتية والحريات (Cnil).

المحتوى محمي !!