ملخص: تُشبّه الفيروسات والأمراض والبكتيريا في الكثير من الأحيان بالغزاة الذين يحاولون اقتحام الجسم واحتلاله؛ أما الجهاز المناعي فهو يشبه الجنود الذين يحاولون حماية أجهزة الجسم والتصدي للعدوان القادم من الفيروسات والجراثيم، والحقيقة إن حالتنا النفسية وعواطفنا تؤثر تأثيراً كبيراً في أجهزتنا المناعية؛ حيث يمكن أن تؤدي إلى تقويتها أو إضعافها، وإليكم تفاصيل العلاقة المعقدة بين العواطف وجهاز المناعة كلها من خلال هذا المقال.
محتويات المقال
ندرك جميعاً أن جهاز المناعة يحمي أجسامنا من الأمراض ويتصدى لأي هجوم على أجهزة الجسم المختلفة؛ ولكن هل كنت تعلم من قبل عن العلاقة المشتكبة والمعقدة بين عواطفك وجهاز مناعتك؟ حيث توصل الباحثون إلى مجموعة كبيرة من الأدلة على أن العواطف الإيجابية تعزز المناعة وتعمل على تقويتها في حين أن العواطف السلبية تُضعف المناعة، فكيف تسهم عواطفك في تقوية مناعتك أو إضعافها؟ هذا المقال يجيبك.
كيف يعمل جهاز المناعة من أجل حمايتك؟
يبذل جهازك المناعي جهداً كبيراً من أجل حمايتك، ويتكون من شبكة كبيرة من الأعضاء وخلايا الدم البيضاء والبروتينات والمواد الكيميائية التي تعمل من أجل التصدي للجراثيم ومسببات الأمراض التي تشمل البكتيريا والطفيليات والفيروسات والفطريات والخلايا السرطانية؛ كما يساعد جهازك المناعي جسمك على الشفاء من الالتهابات والإصابات.
ويبدأ عمل جهاز المناعة من الجلد الذي يمثل حاجزاً وقائياً يساعد على منع الجراثيم من دخول جسمك؛ وذلك لأن البشرة تحتوي أُساً هيدروجينياً حمضياً يمنع تتسلل الفطريات وباقي مسببات الأمراض إلى داخل الجسم؛ كما تعمل الأغشية المخاطية وشعر الأنف أيضاً على حماية الجسم عبر منع مرور الجراثيم إلى داخله. وإذا حدث ونجحت الجراثيم في دخول جسمك من خلال الطعام الملوث، فإن اللعاب سيحاول التصدي لها، وإذا فشل سيصد حمض المعدة الهجوم.
أما إذا حدث ولم يقِكَ خط الدفاع الأول لجسمك أو المناعة الفطرية التي تولد بها، فهنا يأتي دور المناعة المكتسبة أو المناعة التكيفية التي يكتسبها الجسم بمرور الوقت بسبب التعرض إلى الجراثيم، وتتكون هذه المناعة من خلايا كرات الدم البيضاء التي بدورها تضم الخلايا اللمفاوية التي تتذكر مسببات الجراثيم التي هاجمت الجسم من قبل، فإذا حدث وهجمت تلك الجراثيم مرة أخرى فإن جهاز المناعة يقضي عليها بسرعة.
اقرأ أيضاً: دور الالتهاب والجهاز المناعي في الإصابة بالاكتئاب
3 علامات على ضعف الجهاز المناعي
تؤكد الطبية المتخصصة في أمراض الحساسية والمناعة، هيذر موداي (Heather Moday)، إن هناك بعض العلامات التحذيرية التي تشير إلى ضعف جهازك المناعي؛ مثل:
- المرض المتكرر واستغراق وقت أطول من المعتاد في التعافي: لا تشعر بالخوف إذا أُصبت بنزلات البرد مرة أو مرتين خلال فصل الشتاء، غالباً ستصبح بخير خلال أسبوع، لكن ثمة إشارة تحذيرية إذا كنت تُصاب بنزلات البرد باستمرار مع أعراض تستمر مدة أسابيع، أو إذا كنت تُصاب بالتسمم الغذائي كثيراً فهذه أيضاً إشارة تحذيرية تخبرك بأن جهاز المناعة الفطري لديك يعمل على نحو ضعيف.
- الشعور بالتوتر المستمر: يكون التوتر في بعض الأحيان مفيداً لصحتنا المناعية. على سبيل المثال؛ تعمل الضغوط الحادة القصيرة المدى مثل ازدحام المرور على تعزيز آليات الحماية الخاصة بك ومن ثَمَّ حماية جهاز المناعة. لكن على الناحية الأخرى، يُضعف التوتر المزمن جهازك المناعي مؤدياً إلى زيادة العدوى وضعف القدرة على التعافي من الأمراض، وتوضح طبيبة أمراض المناعة هيذر موداي إن نوبات التوتر المتكررة قد تؤدي إلى تفاقم أمراض المناعة الذاتية؛ مثل التهاب المفاصل الروماتويدي والتهاب القولون التقرحي.
- ظهور مشكلات في الهضم: إلى جانب الإصابة المستمرة بنزلات البرد والسعال وسيلان الأنف والحمى، فإن الأشخاص الذين يعانون ضعف الجهاز المناعي غالباً ما يواجهون مشكلات في الهضم، وقد يشعرون في أغلب الأوقات بالإمساك أو الإسهال؛ ويحدث ذلك لأن الجهاز الهضمي هو المكان الذي توجد فيه البكتيريا الجيدة والكائنات الحية الدقيقة التي تدعم مناعتك، وإذا كانت كميتها منخفضة سيجد جسمك صعوبة في حماية نفسه من الفيروسات أو الالتهابات المزمنة أو اضطرابات المناعة الذاتية.
كيف تسهم عواطفك في تقوية مناعتك أو إضعافها؟
أكدت الأبحاث العلمية التي أجراها الباحثون في علم العواطف إن المشاعر الإيجابية مثل المرح والسعادة والفضول لها فوائد صحية كبيرة في جهاز المناعة؛ بداية من تقليل الالتهاب وتخفيف الألم وحتى زيادة مستوى الدوبامين في الجسم؛ حيث تعمل العواطف الإيجابية على خلق استجابة عالية من الأجسام المضادة كما أنها تؤثر في نشاط محور الغدة النخامية والكظرية (HPA) وهذا يساعد على تنظيم الجهاز المناعي والهرمونات والهضم ومستويات التوتر.
وفي هذا السياق، نشرت المكتبة الأميركية الوطنية للطب (The National Library of Medicine NLM) دراسة علمية حول التفاعلات المعقدة بين الجهاز المناعي والجهاز العصبي المركزي، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن العواطف الإيجابية تؤثر على نحو وثيق في صحة الجهاز المناعي؛ لأنها تعمل على خفض هرمون التوتر (الكورتيزول) وزيادة الغلوبيولين المناعي وهو نوع من الأجسام المضادة التي تحمي الجسم من الأمراض.
أما المشاعر السلبية، فإنها تُضعف جهاز المناعة؛ حيث أوضحت الدراسات التي أُجريت على الناجين من الاعتداء الجنسي والذين يعانون اضطراب ما بعد الصدمة، أن لديهم مستويات مرتفعة من هرمونات التوتر مماثلة لتلك التي تظهر عند الطلاب في وقت الامتحان. لذا؛ فهؤلاء الأشخاص وغيرهم ممن يعانون الوحدة والغضب والصدمات ومشكلات العلاقات، تستمر العدوى لديهم فترةً أطول وتستغرق جروحهم وقتاً أطول للشفاء.
وما تزال أسباب هذا الارتباط غير واضحة؛ لكن يبدو أن الدماغ له تأثير مباشر في هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول التي لها تأثيرات واسعة النطاق في الجهازين العصبي والمناعي. على المدى القصير، تفيدنا في زيادة الوعي وزيادة الطاقة؛ لكن عندما تستمر فترة طويلة فإنها تؤدي إلى تغيير عميق في جهاز المناعة؛ ما يجعلنا أكثر عرضة إلى الإصابة بالأمراض.
ويمكن أن يؤدي التوتر إلى الإفراط في نشاط جهاز المناعة وذلك بسبب إفراز هرمون الكورتيزول الذي يمكن أن يعزز مناعتك عن طريق الحد من الالتهاب في دفقات قصيرة؛ لكن بمرور الوقت يعتاد جسمك على وجود الكثير من الكورتيزول في الدم؛ ما يمهد الطريق لمزيد من الالتهابات ويمكن أن يثبط قدرة جهازك المناعي على محاربة الجراثيم ومسببات الأمراض فيزيد خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية مثل التهاب المفاصل والتصلب المتعدد، وقد تتفاقم أيضاً الأمراض الجلدية مثل الصدفية والإكزيما وحب الشباب، وأيضاً يمكن أن يؤدي التوتر إلى الإصابة بنوبات الربو.
بالإضافة إلى ذلك، يؤدي التوتر المزمن إلى انخفاض عدد الخلايا الليمفاوية في الجسم؛ وهي خلايا الدم البيضاء التي تساعد على مكافحة العدوى، فكلما انخفض مستوى الخلايا الليمفاوية لديك، زاد خطر إصابتك بالفيروسات والجراثيم والأمراض.
اقرأ أيضاً: لماذا يدمر القلق مناعتك؟ وكيف تحاربه؟
كيف تحمي جهازك المناعي؟
يشير طبيب أمراض المناعة ليونارد كالابريس (Leonard Calabrese) إلى أن العواطف السلبية مثل التوتر ترفع مستويات الالتهاب، وعلى المدى الطويل، تُعد مستويات الالتهاب المرتفعة والمستمرة مؤشراً إلى وجود جهاز مناعي مرهق ومتعب للغاية ولا تُمكنه حمايتك على نحو صحيح، وفيما يلي بعض الطرائق الفعالة لتعزيز جهاز المناعة لديك:
- تناول الطعام الصحي: يرتكز جزء كبير من صحتنا العامة على الطعام الذي نتناوله؛ ولهذا تأكد من تناول نظام غذائي متوازن من الفاكهة والبروتين والحبوب والفيتامينات للمساعدة في الحفاظ على صحة جهازك المناعي؛ لأن الألياف الموجودة في الفاكهة والخضروات يمكن أن تساعد الميكروبيوم الموجود في أمعائك على إنتاج مركبات مهمة لنظام المناعة الصحي.
- عبّر عن مشاعرك بالطرائق المناسبة: إذا كانت مشاعر التوتر أو الحزن أو القلق تسبب لك مشكلات جسدية، فإن إبقاء هذه المشاعر في داخلك قد يجعلك تشعر بالسوء؛ ولهذا تعرَّف إلى مشاعرك وافهم سبب وجودها لديك ثم عبّر عنها بالطرائق المناسبة.
- تهدئة عقلك وجسمك: ويمكنك تحقيق ذلك خلال ممارسة التمارين الرياضية أو التأمل أو الاستماع إلى الموسيقا أو اليوغا التي تعمل على تقليل مستويات التوتر وتهدئة جهازك العصبي.
- الحصول على قسط كافٍ من النوم: تؤدي قلة النوم إلى إنتاج السيتوكينات الالتهابية؛ وهي مركبات بروتينية يفرزها جهاز المناعة، وقد تتسبب المستويات المرتفعة منها في زيادة الالتهاب في الجسم؛ ما يزيد خطر الإصابة باضطرابات القلب والأوعية الدموية والتمثيل الغذائي، ويقلل إنتاج الأجسام المضادة فيزيد خطر الإصابة بالعدوى؛ ولهذا يجب الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم من أجل تعزيز صحة جهاز المناعة.
- الموازنة بين أهدافك وإمكانياتك: يستجيب جسمك للطريقة التي تفكر وتشعر وتتصرف بها؛ ولهذا حين تشعر بالقلق أو التوتر يتفاعل جسمك مع حالتك المزاجية والنفسية. لذلك؛ يُنصح بضرورة الموازنة بين أهدافك وإمكانياتك وذلك حتى يكون جسمك في حالة تناغم ولا يشعر بالإرهاق أو الضغط العصبي والنفسي. وفي هذا السياق، يوضح المختص النفسي وليد الحراملة إن الصحة النفسية الجيدة يمكن أن تسهم في تعزيز المناعة ومقاومة الأمراض.
في النهاية، نواجه جميعاً مشاعر وعواطف شتى على مدار اليوم. أحياناً نشعر بالسعادة والفضول وتتملكنا رغبة عارمة في الضحك والفكاهة، وفي أوقات أخرى نشعر باليأس والتوتر؛ لكن علاقتنا بتلك العواطف مهمة للغاية. يجب أن نعرف محفزات العواطف السلبية ونحاول التعامل معها عبر تدوينها والاستعداد لها، وتذكر أن العواطف والمشاعر السلبية مثل التوتر تكون في بعض الأحيان مفيدة لصحة الجهاز المناعي؛ ولهذا فالأمر ليس سيئاً على الدوام، المهم ألا يكون هذا التوتر مزمناً.