ملخص: يعاني البعض بسبب تأثير سلوكيات الوالدين الممتد في حياته، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن مسار الفرد يتأثر بدرجة كبيرة بالأسلوب الذي اتُّبع معه في تربيته؛ لذا من المهم أولاً معرفة العوامل الحقيقية التي تدفعه إلى التصرف مثل والديه، والنتائج التي ستنعكس عليه نتيجة أسلوبهما التربوي، وأخيراً كيف يتصرف حالَ رغبته في التخلي عن السلوكيات الضارة التي اكتسبها منهما.
محتويات المقال
لاحظت خلال حضور التجمع العائلي لأقربائي في عيد الفطر الماضي أن بعض الأطفال يتحدثون مثل والديهم تماماً. ليس هذا فحسب؛ بل إن بعض المفردات التي يستخدمونها في الحديث تتشابه كثيراً مع مفردات والديهم. وذكرتني هذه الملاحظة بتأكيد والدتي لي كثيراً إن سلوكياتي تتشابه مع سلوكيات والدي، وعندما حاولت نفي ذلك بالاستعانة برأي أختي أفادت بأن الحق مع والدتي!
وبالفعل، راجعت نفسي فوجدت أن مكتبي المنظم يتشابه مع مكتب والدي وغير ذلك من التفاصيل الشخصية الأخرى؛ ما دعاني إلى التفكير بجدية ومحاولة الإجابة عن سؤال: ما الذي يحدث لنا حتى تتشابه سلوكياتنا مع سلوكيات والدينا؟ وهل يمكننا التحكم في هذا التشابه؟ الإجابة بالتفصيل في هذا المقال.
لماذا نندفع لا إرادياً إلى مشابهة والدينا في سلوكياتهم؟
يمكننا فهم التشابه في ملامح الوجه ولون العيون بيننا وبين والدينا؛ لكن كيف يمكن أن تنتقل السلوكيات منهم إلينا؟ حسناً، لفهم ذلك ببساطة يمكننا استعراض نتائج دراسة علمية أجراها قسم الطب النفسي بكلية الطب التابعة لجامعة إيموري الأميركية (Emory University)، أعطى الباحثون خلالها فئران التجارب صدمة كهربائية في كل مرة يتعرضون فيها إلى رائحة أزهار الكرز بهدف زرع الخوف منها داخل أنفسهم.
وقد أدت هذه الصدمات المتتالية إلى تنشيط بعض العلامات اللاجينية في الحمض النووي الخاص بهم، وبمرور الوقت، كوّنت هذه الجينات المفُعلة عمداً خلايا عصبية إضافية في أنوف الفئران ومراكز معالجة الروائح في أدمغتهم نتجت منها زيادة حساسيتهم للرائحة على نحو كبير؛ ومن ثم مُرر هذا الحمض النووي عن طريق الخلايا المنوية للفئران الذكور إلى صغارهم، فكانت النتيجة النهائية خوف الفئران الصغار عند شم رائحة أزهار الكرز!
إذاً حتى نفكك اللغز تدريجياً، فجزء كبير من سلوكياتك يرتكز في جيناتك المنقولة عن والديك؛ لذا ليس غريباً على الإطلاق أن تنتهج نهج والديك نفسه في التعامل مع ما يدور حولك، وهذا خبر سارّ وحزين في الوقت نفسه بحسب تأثير ذلك في حياتك، إيجابياً كان أو سلبياً.
جزء آخر من أجزاء حل اللغز يقدمه لنا المختص الاجتماعي أسيل رومانيلي (Assael Romanelli)؛ وهو أن سلوكياتنا الروتينية مثل طريقة تنظيفنا لغرفنا وترتيبنا لأغراضنا وكيفية تناولنا الطعام، غالباً يكون مصدرها تعليمات والدينا لنا في الطفولة التي غالباً ما تكون مماثلة لسلوكياتهم. لكن نظراً إلى أن الامتثال لها كان يعني أننا أبناء مطيعون فهذه السلوكيات ترسخ بدرجة كبيرة داخل تفاصيل حيواتنا؛ بل ربما نجد لاحقاً أننا ننقلها إلى أطفالنا بوعي أو دون وعي!
كيف يشكل سلوك والديك ملامح مستقبلك؟
يمكن القول إن سلوكيات الوالدين تؤثر بدرجة بالغة في تكوين شخصيات أبنائهما، فعلى سبيل المثال؛ الوالدان اللذين يكذبان على أبنائهما حتى لو كانت تلك الأكاذيب تهدف إلى حمايتهم من التعرض إلى الأذى، فضرر ذلك السلوك أكبر من نفعه؛ إذ توضح الطبيبة النفسية كارول ليبرمان (Carole Lieberman) إن تلك الأكاذيب، عندما يكتشفها الأبناء، ستُشعرهم بأنهم لا يستطيعون الثقة بالآخرين.
جانب آخر مهم وهو الثقة التي يتمتع بها الوالدان تجاه مظهرهما، فبحسب المعالجة النفسية كريستين سكوت هدسون (Christine Scott-Hudson)؛ إن سماع الوالدين وهما ينتقدان أجسادهما يؤدي إلى خفض ثقة أبنائهما بأنفسهم.
حتى الدرجة العلمية المُحصلة تتصل بالشهادة التي نالها الأب أو الأم، فوفقاً لدراسة علمية أجرتها جامعة ميشيغان الأميركية (University of Michigan)؛ تزيد احتمالية عدم إنهاء الدراسة الثانوية والالتحاق بالجامعة إذا كانت الأم لم تنهِ دراستها الثانوية.
ويصل الأمر إلى حد استمرارية الزواج أو انهياره، فإذا علّم الوالدان أبناءَهما كيفية التعبير عن مشاعرهم فإن ذلك من وجهة نظر المختص النفسية ريبيكا بيرجن (Rebecca Bergen) يقلل احتمالية تعرضهم إلى الانفصال في الحياة الزوجية.
يوجد أيضاً جانب آخر مهم وهو نوع الحب الذي يحصل عليه الأبناء، فمن جانبها، تؤكد المعالجة النفسية هند الشريم إن الأبناء الذين يمرون في طفولتهم بتجربة الحب المشروط من جانب الوالدين، تتأثر شخصياتهم بسعيهم الدائم عند الكبر إلى الحصول على الحب والاهتمام من الآخرين حتى لو كانوا يعاملونهم على نحو سيئ، وتقصد الشريم بـ "الحب المشروط" أن الطفل يكون محبوباً إذا كان ناجحاً مطيعاً لأوامر والديه.
6 إرشادات فعالة للوعي بتأثير سلوك والديك في حياتك والتحكم فيه
يعيش البعض رفقة هاجس الخوف من أن تتحول أفعالهم إلى نسخة من أفعال والديهم التي لا يحبذونها، وحتى يمكن القضاء على هذا الخوف، توجد عدة إرشادات عملية يمكن اتباعها؛ أهمها:
1. تعرّف إلى صفات والديك
تمثل هذه الخطوة النقطة صفر للوعي بسلوكيات والديك وتأثيرها في تصرفاتك، فإذا وعيت جيداً بها ستتمكن من تحديد السلوكيات غير المرغوبة التي اكتسبتها منهم؛ ومن ثم تجتهد للعمل على تغييرها.
2. تجنب مهاجمة والديك
حتى في حال إدراكك للسلوكيات الضارة التي اكتسبتها من والديك، فالأفضل ألا تتصرف تجاهها على نحو سلبي لأن ذلك لن يجدي نفعاً في الغالب، وفي حال تكرار سلوك ضار من جانب والديك، يمكنك التصرف بذكاء يمنعك من الاصطدام مباشرة معهما مثل استئذانهما لمغادرة الغرفة.
3. اكتشف محفزات السلوكيات التي لا ترضيك
حاول مراقبة نفسك جيداً لتدرك في اللحظات التي تسبق التصرفات التي تود تغييرها، المحفزات الخاصة بها حتى تتجنبها أو تتحكم بها.
4. حدد قيمك
يساعدك ذلك على تكوين شخصية حقيقية تكون راضياً عنها، وهناك عدة نقاط تمهد لك الطريق مثل معرفة الأشياء التي تحقق لك سعادتك، والأوقات التي كنت راضياً فيها عن نفسك، والقضايا التي تهتم بها.
5. لا تأخذ الأمور على محمل شخصي
بكل تأكيد، تعرض والديك إلى ظروف خاصة في نشأتهما جعلت سلوكياتهما تأخذ مساراً معين، وهنا عندما ترى المواقف من منظورهما، ستتسع رؤيتك وتصبح أكثر استنارة؛ بل قد يجعلك ذلك أكثر تسامحاً تجاههما.
6. لا تتردد في طلب المساعدة المتخصصة
في حال وجدت أن الإرشادات السابقة لم تجدِ معك نفعاً، سيكون من اللازم حينها طلب استشارة المعالج النفسي حتى يساعدك على حل مشكلاتك السلوكية، وإمدادك بالطرائق الأفضل لمواجهة تأثير سلوكيات والديك في حياتك.