أفضت دراسة متعمقة أجراها باحثون أميركيون على ما يزيد عن 30 سنة من البحوث العلمية إلى الاستنتاج بأن لمضادات الاكتئاب تأثير البلاسيبو "الدواء الوهمي" في 85% من الحالات المدروسة. في هذا المقال تفاصيل أكثر حول هذه الدراسة.
هل لمضادات الاكتئاب أي جدوى؟ صحيح أن المجتمع العلمي لم يُجمِع على نجاعة هذه الأدوية؛ إلا أن نتائج دراسة مُوسّعة نُشرت في أغسطس/آب من سنة 2022 بدورية "بريتش ميديكال جورنال" (British Medical Journal) تفيد بأن 15% فقط من المرضى الذين يتبعون علاجاً أساسه مضادات الاكتئاب عرفت حالتهم تحسّناً.
مضادات الاكتئاب: تأثير هامشي
وللتوصل إلى هذه النتائج؛ أجري تحليل تلوي (Meta-analysis) شامل اعتمد على معطيات 232 تجربة سريرية أُجريت بين سنتيّ 1979 و2016، اختيرت عشوائياً من أصل بيانات تعود لأكثر من 73,000 مشارك على مدار السنوات الـ 37، مدة هذه الدراسات، وذلك بغرض اختبار مدى نجاعة الرعاية الصحية النفسية المُقدَّمة للمرضى. وليضع الباحثون حدّة المرض في الاعتبار، فقد اعتمدوا على المعايير التي وضعها مقياس هاملتون للاكتئاب (Hamilton Rating Scale for Depression)، وهو عبارة عن استبيان من اختيارات متعددة يُستخدَم من طرف الأطباء السريريين (الإكلينيكيين) الأميركيين لقياس مستوى الاكتئاب الحاد عند المرضى. سمحت لهم هذه العناصر بمقارنة كلّ من المعالَجة أحادية الدواء والبلاسيبو (الغُفل أو الدواء الوهمي).
وبناءً على تحليل الأجوبة التي تمّ تجميعها، فقد لاحظ فريق إدارة الغذاء والدواء الأميركية (Food and Drugs Administration) "هامشية تأثير مضادات الاكتئاب مقارنةً بتأثير البلاسيبو" حسب ما ذُكر على لسان الدورية الطبية "ميدسكيب" (Medscape).
كيف لتأثير البلاسيبو أن يكون ناجعاً؟
بالإضافة إلى القصور الملحوظ في تأثير مضادرات الاكتئاب، فقد خلصت الدراسات إلى تجاوُب 15% فقط من المشاركين في الاختبارات السريرية مع العلاج؛ ما يعني عدم وجود أي تأثير لمضادات الاكتئاب يفوق تأثير الدواء الوهمي (البلاسيبو) في 85% من الأشخاص موضوع الدراسة. وبشكل أدق، فقد سَجّل الخبراء تحسّناً يعادل 12 نقطة في العلاج بمضادات الاكتئاب مقابل 10 نِقاط في العلاج بالدواء الوهمي.
تؤكد هذه النتائج وجود تجاوب ملموس مع تأثير البلاسيبو، والسبب حسب الطبيب النفسي غيوم فون يعود إلى أن: "الاكتئاب نفسه مرضٌ يتباين من شخصٍ إلى آخر، فلا يستجيب بعض المرضى إلى أي علاج على الإطلاق، فيما يبدي آخرون قابلية الاستجابة لأي علاج يقدَّم لهم بما في ذلك الدواء الوهمي". وفقاً للخبير، فما يحدد مستوى نجاعة أي علاج هو نمط الحياة الصحي لكلّ مريض؛ إذ يقول: "نوصي بمضاد اكتئاب مع خطوات يتبعها المريض" ما يمكن أن يضمن "تجاوباً جيداً" أحياناً و"تجاوباً ضعيفاً أو منعدماً مع أعراض جانبية صعبة" في أحيان أخرى.
هل ينبغي التخلص من مضادات الاكتئاب؟
هذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها هذه الأدوية الجدل، فعلى غرار الدراسة المثيرة للجدل التي تعيد النظر في نظرية السيروتونين (هرمون السعادة)؛ ينبغي التحلي ببعض الحيطة في أثناء الأخذ بالأبحاث الجديدة، فالحلّ لا يكمن في التخلص من مضادات الاكتئاب بشكل قاطع ولكن إيجاد العلاج الأكثر ملاءَمة لحالة كلّ مريض على حدة. ولهذا يوصي أصحاب الدراسة بأن يعمد الأطباء إلى تغيير العلاج المُتبع فور التأكد من عدم نجاعته. ويصرح نائب مدير مركز اختبار الأدوية في إدارة الغذاء والدواء: "ولأن منافع وأضرار هذه الأدوية قد تتفاوت، فقد يقلّ الشعور بالحزن على حساب انخفاض الشهية مثلاً، ولذا يبقى تحديد العلاج المناسب منوطاً بالطبيب وما يراه مناسباً بشكل فردي لمريضه". ويؤكد: "في دراساتنا نُخضِع اختيارنا للمرضى إلى معايير صارمة، فنُنحّي مثلاً المرضى ذوي الميول الانتحارية أو مَن يعانون مرضاً مزمناً أو أولئك غير المستقرين في منزل ثابت؛ وبالتالي لا نعتمد في الاختبارات السريرية إلا المشاركين الذين يتمتعون بالموارد التي تسمح لهم بالتحسن".
الاكتئاب اضطراب عقلي يعاني منه ما يقرب من 280 مليون شخص في العالم حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية (WHO). و من شأن هذا المرض أن يتسبب في معاناة كبيرة للأشخاص المصابين بهم؛ كما يؤثر سلباً في حياتهم الشخصية والمهنية والأسرية. ولذلك حسب ما تقتضيه نوبات الاكتئاب يتم اختيار العلاجات النفسية المناسبة التي تتنوع ما بين: "التنشيط السلوكي (AC) والعلاج المعرفي السلوكي، والعلاج النفسي البين-شخصيّ وعقاقير مضادات الاكتئاب مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRI) أو ثلاثية الحلقات". وعلى الطبيب التحلّي بأكبر قدر من الحذر في كافة مراحل العلاج، بداية بالتشخيص وليس انتهاءً عند العلاج الذي يصفه لمريضه.