تأثير البلاسيبو: كيف يؤدّي العلاج الوهمي إلى شفاء حقيقي؟

4 دقائق
تأثير البلاسيبو
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يوضّح هذا المقال كيف يمكن للتفكير الإيجابي أن يحسّن نتائج العلاج من خلال ما يُعرف بـ "تأثير البلاسيبو" أو "تأثير الدواء الوهمي" الذي يُستخدم في العديد من التجارب السريرية والدراسات؛ لكن كيف تُمكن الاستفادة من هذه الظاهرة النفسية العصبية على الصعيد الشخصي؟

تشير التقديرات إلى أن شخصاً واحداً من بين كل 3 أشخاص يختبر تأثير البلاسيبو، ويوضّح الأستاذ الجامعي واستشاري جراحة العظام والمناظير والإصابات الرياضية والطب الرياضي، عبد العزيز زامل العمر، إنّ البلاسيبو هو إجراء وهمي يكون على هيئة أقراص دواء أو كبسولات أو حُقن وريدية، أو حتى تدخّل جراحي أحياناً، وليس له أي أثر عضوي في الغالب.

وبخصوص استخدامه في الأبحاث الطبية، فقد أشار إلى اعتماده في التجارب السريرية للمقارنة مع إجراء طبّي آخر لمعرفة ما إذا كان له أثر علاجي؛ حيث يكون الهدف هو التخلّص من التأثير النفسي الذي قد يصاحب كلا النوعين من العلاج.

ماذا يُقصد بتأثير البلاسيبو؟

يشير مصطلح "تأثير البلاسيبو" (Placebo Effect) أو "تأثير الدواء الوهمي" إلى حالة تتحسّن فيها الصحة الجسدية أو النفسية للشخص بعد تلقّي العلاج الوهمي.

نشأ مصطلح "البلاسيبو" من العبارة اللاتينية التي تعني "سأُرضِي"، وهي تشير إلى علاج يبدو حقيقياً ولكنّه يفتقر إلى أيّ قيمة علاجية. ويمكن أن تتخذ الأدوية الوهمية أشكالاً مختلفة؛ مثل حبوب السكر، وحُقن المحلول الملحي، أو حتى الإجراءات الجراحية الوهمية.

يتفعّل تأثير الدواء الوهمي من خلال إيمان الشخص بفوائد العلاج وتوقّعه التحسّن. وفي بعض الحالات، يمكن استخدام الأدوية الوهمية غير المَشوبة، وهي الأدوية ذات التأثير النشِط في الجسم ولكن ليس في هذه الحالة المعينة التي تعالجها.

تتضمّن التجارب السريرية غالباً الأدوية الوهمية لتمييز الآثار الحقيقية للعلاج الجديد؛ بما فيها الفوائد الإيجابية والآثار الجانبية المحتمَلة؛ إذ يساعد هذا الباحثين على اكتساب فهم أفضل للتأثير الفعلي للعلاج. وتشرح الأستاذة في مجال التربية الصحية والغذائية من جامعة الكويت، نداء الخميس (Nedaa Alkhamis)، إن الأدوية الوهمية الخاملة من الناحية المناعية (Immunologically Inert) تُستخدم في تجارب اللقاحات بوصفها معياراً لتحديد تأثير اللقاح.

اقرأ أيضاً: هل لمضادات الاكتئاب تأثير الدواء الوهمي؟

كيف يفسّر علم النفس تأثير البلاسيبو؟

يقدّم علم النفس تفسيرين لظاهرة تأثير الدواء الوهمي، ويوضّح كلاهما تأثير العقل في استجابة الجسم للعلاج الوهمي.

يتمثّل التفسير الأول في ما يُسمَّى بـ "التكييف الكلاسيكي" (Classical Conditioning)؛ ويتعلّق بربط استجابة معيّنة بحافز معين. على سبيل المثال؛ إذا ربطت حبة الدواء ذهنياً بتسكين الألم، فقد تستمرّ حبة الدواء الوهمي المشابهة في تقليل الألم فعلياً وعلى نحوٍ ملحوظ بسبب هذا الارتباط الذهني. وفي مثالٍ آخر؛ ترتبط بيئة عيادة الطبيب بتلقي العلاج والشعور بالتحسّن، ويمكن أن تؤثّر في تصوّر الشخص للعلاج الذي يتلقّاه.

أمّا التفسير الثاني فهو مرتبطٌ بالتوقُّعات؛ إذ إنها تؤدّي دوراً مهمّاً في تأثير البلاسيبو، فإذا توقّع شخص أن تحسّن حبوب دواءٍ حالته، فقد يشعر بالتحسّن بالفعل بعد تناولها. حيث تنشأ تلك التوقعّات من خلال إشارات مختلفة؛ مثل المعلومات اللفظية من المتخصصين في الرعاية الصحية التي توضح فعالية العلاج، أو اتخاذ خطوة فعلية لمعالجة الحالة، أو السلوك المُطمْئن من قِبل الطبيب؛ بما فيه نبرة صوته ولغة جسده وتواصله البصري.

دراسة تؤكّد دور تأثير البلاسيبو في علاج أعراض الاكتئاب

في دراسة أُجريت في 2015، وشملت 35 شخصاً يعانون الاكتئاب، اكتشف الباحثون تأثير الدواء الوهمي في خفض أعراض الاكتئاب. حيث قُسّم المشاركون إلى مجموعتين؛ تناولت إحداهما حبوب دواء وهمي مُصنَّفة على أنها مضادات اكتئاب سريعة المفعول "دواء وهمي نشِط" (Active Placebo) لمدة أسبوع، بينما تناولت المجموعة الثانية حبوباً وهمية مُصنَّفة على أنها دواء وهمي فقط "دواء وهمي غير نشِط" (Inactive Placebo) للمدّة الزمنية نفسها.

وكذلك تلقّت مجموعة الدواء الوهمي النشِط حقنة وهمية في أثناء فحص قياس نشاط الدماغ (PET) في نهاية الأسبوع حيث اعتقد المشاركون أنها قد تحسّن أمزجتهم؛ بينما لم تتلقَّ مجموعة الدواء الوهمي غير النشِط أي حقنة مشابهة. وقامت المجموعتان بعد ذلك باستبدال نوعَيّ الحبوب لمدة أسبوع آخر، تلاه فحص آخر لنشاط الدماغ في نهاية الأسبوع، وبذلك تلقى المشاركون جميعهم العلاج بالأدوية المضادة للاكتئاب لمدة 10 أسابيع.

أظهرت النتائج الخاصة بمجموعة العلاج الوهمي النشِط؛ بما فيها حقنة الدواء الوهمي، نشاطاً متزايداً للدماغ في المناطق المرتبطة بتنظيم العاطفة والتوتّر، والمثير للاهتمام أن المجموعة نفسها أظهرت تحسّناً في الاستجابة للأدوية المضادة للاكتئاب التي تلقّتها في نهاية الدراسة.

تأثير البلاسيبو لا يعني عدم وجود مرض حقيقي

إذا شعر شخص بالارتياح من أعراضه بعد تناول دواء وهمي أو الخضوع لـ "إجراء وهمي"، فقد يميل إلى الاعتقاد بأن مرضه كان وهمياً تماماً؛ لكن ذلك غير صحيح! لأن العقل يؤدّي دوراً حاسماً في نشوء الأمراض وتطوّرها حسب ما تثبته الأبحاث الطبية على نحو متزايد.

وقد يكون أحد الأمثلة البارزة على ذلك هو تأثير الضغوط في الصحة، فقد ثبت أن الإجهاد يزيد ضغط الدم الذي يُعد بدوره أحد عوامل الخطر المعروفة للإصابة بأمراض القلب؛ حيث يوضح هذا كيف يمكن للعقل أن يؤثّر في الجسم ويسهم في ظهور الاضطرابات الجسدية أو تفاقمها.

وهذا يعني أنه يمكن للعقل أيضاً أن يؤدّي دوراً مهماً في عملية الشفاء ويسهم في العلاج؛ إذ تؤدّي قوة الإيمان وتوقّع نتيجة إيجابية في تحسين النتائج الصحية، فعندما يؤمن الشخص أن العلاج سيكون فعّالاً، يمكن لعقله أن يحفّز استجابات فيزيولوجية تعزّز الشفاء وتُخفّف من حدّة الأعراض.

كيف تستفيد من تأثير البلاسيبو في تحسين صحتك النفسية؟

لا يستطيع الدواء الوهمي خفض مستويات الكوليسترول أو تقليص حجم الأورام السرطانية؛ لكنه يمكن أن يؤثّر تأثيراً كبيراً في حدّة الأعراض التي يتأثّر بها الدماغ مثل إدراك الألم؛ لذلك فهو فعّال على نحوٍ خاص في إدارة حالات مثل الألم والأرق المرتبط بالتوتّر، وتخفيف التعب والغثيان المرتبطَين بالآثار الجانبية لعلاج السرطان؛ لكن لا ينبغي اعتباره حلاًّ نهائياً للحالات الطبية الأولية.

ونظراً لأن طقوس تناول الدواء ترتبط غالباً بآثار الشفاء الإيجابية في أذهان عامة الناس، حتى وإن أدركوا أنه دواء وهمي ويفتقر إلى الخصائص الطبية، فإن تناوله يمكن أن يحفّز الدماغ على الشفاء. وبالإضافة إلى حبوب الدواء "المزيفة"، يمكن أن يؤدّي الانخراط في ممارسات المساعدة الذاتية إلى إحداث تأثير شبيه بالعلاج الوهمي أيضاً.

حيث تُعد الأنشطة مثل الحفاظ على نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة وممارسة اليوغا والتواصل الاجتماعي والتأمّل تدخّلات إيجابية في حدّ ذاتها. إلاّ أن الاهتمام والنية المضمّنة اللذَين يوليهما الفرد لهذه الممارسات يمكن أن يضخّما فوائدها؛ لأن الاهتمام والدعم العاطفي الذي نقدّمه لأنفسنا يمكن أن يسهم في الشعور بالراحة ويساعد على الشفاء.

اقرأ أيضاً: عندما يختلط الخيال بالواقع: كل ما تود معرفته عن التفكير الوهمي؟

وختاماً، توضّح نتائج الدراسات ويؤكّد المزيد من الخبراء إن الأدوية الوهمية تُظهر فعاليتها حتى عندما يدرك الأفراد ماهيتها؛ إذ يمكن أن يؤدي تأثير البلاسيبو، بالتزامن مع ممارسات المساعدة الذاتية التي تتضمّن الاهتمام والدعم العاطفي، إلى تحفيز استجابةٍ أفضل للعلاج الحقيقي؛ ومن ثَمّ الإسهام في تحسين الرفاه العام للأفراد.

المحتوى محمي