هل مر في بالك يوماً أنك تقضي مع زملائك في العمل وقتاً أكثر مما تقضيه مع عائلتك؟ من الثامنة صباحاً وحتى نهاية الدوام في أيام العمل، أي إنك تقضي ما يعادل نحو ثلث حياتك مع أشخاص يشاركونك المساحة نفسها وربما الأهداف نفسها. لكن ماذا لو أنك لم تتمكن من الاندماج مع زملائك في بيئة العمل؟ في الواقع وجد استطلاع رأي أجرته شركة "بينغو كارد كرييتر" أن 64% من المشاركين شعروا بالوحدة في العمل، و10% أفادوا بمعاناتهم من العزلة.
محتويات المقال
ربما تعتقد أنها مشكلة تخص الموظف نفسه، إلا أنها قاتل صامت، حيث قد تنعكس آثارها سلباً على إنتاجيته وصحته النفسية وحتى علاقته بالمؤسسة نفسها. فكر بالأمر، عندما يشعر أي منا بالوحدة فإنه ينفصل عن الجميع وعن أي شيء، بما في ذلك عمله، فيصبح أقل إنتاجية، ويتراجع إبداعه على نحو حاد، ويزداد احتمال استقالته. لذا، دعنا في هذا المقال نحاول تقديم الحلول العملية لهذه المشكلة مع التعرف إلى أسبابها.
كيف تجعل بيئة العمل أكثر دفئاً وأقل عزلة؟
إن العلاقات بين الزملاء ليست ترفاً، بل ضرورة نفسية ومهنية، تسهم في بناء الثقة وتحفز على التعاون، وتقلل التوتر. ولمنع الشعور بالوحدة لدى الموظفين، يمكن للمؤسسات تبني مجموعة من الاستراتيجيات النفسية والتنظيمية التي تعزز الروابط الإنسانية وتشجع على التواصل الفعال داخل بيئة العمل. من أبرز هذه الاستراتيجيات:
- تشجيع التفاعل الاجتماعي: عن طريق إتاحة فرص منتظمة للتواصل الاجتماعي غير الرسمي، مثل وجبات الغداء الجماعية، واستراحات القهوة، أو اللقاءات الافتراضية لمساعدة الموظفين على بناء علاقات هادفة تتجاوز مهام العمل.
- تشجيع بيئات العمل التعاونية: تسهل المشاريع الجماعية ومساحات العمل التعاونية التفاعل والعمل الجماعي. كما تشجع الأهداف المشتركة والتعاون بين مختلف الموظفين على دمج المعزولين منهم وتعزيز ثقافة الشركة.
- إيجاد ثقافة عمل إيجابية: بناء ثقافة قائمة على المودة والرفقة، وتخلو من الغضب والإحباط، حيث يظهر الموظفون التعاطف والرعاية تجاه بعضهم بعضاً. على سبيل المثال، يمكن للمدير أن يبادر بسؤال الموظف عن حاله، أو يظهر دعماً في لحظات التوتر، ما يظهر تعاطفه ويشجع على التفاعل الاجتماعي، لأن الموظف يشعر بأنه جزء من مجتمع مهني داعم.
- الاستماع الجيد: عندما ينصت المدير أو الزملاء بانتباه كامل دون مقاطعة، ويطرحون أسئلة تظهر الاهتمام، يشعر الموظف بأنه مرئي ومسموع. ويمكن تعزيز هذا الشعور من خلال إتاحة الفرصة له للمشاركة في المشاريع أو الحديث عن جوانب من حياته الشخصية، ما يعزز التواصل الإنساني الحقيقي.
- تشجيع التواصل الشخصي أو المرئي: بالإضافة إلى الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني، لا بد من إتاحة قنوات اتصال مباشر تسمح بالتواصل المرئي بما يقلل سوء الفهم، ويتيح التعبير غير اللفظي الذي يظهر الاهتمام والتقارب.
- دعم التوازن بين العمل والحياة والصحة: الجداول الزمنية المرنة وبرامج الصحة وإمكانية الوصول إلى برامج مساعدة الموظفين تساعد على تقليل العزلة وتعزيز الحالة النفسية الصحية.
- إنشاء مجتمعات ومجموعات اهتمامات للموظفين: شجع الموظفين على إنشاء نواد اجتماعية أو مجموعات تقارب قائمة على الهوايات، أو الانضمام إليها؛ لأن الاهتمامات المشتركة تشكل أساساً طبيعياً ومتيناً للصداقة والشعور بالانتماء الذي ينافي الوحدة.
6 علامات للوحدة في بيئة العمل
الوحدة ليست دائماً ظاهرة للعيان، فقد تختبئ خلف ابتسامات أو تفاعل سطحي، وفي بيئات العمل الهجينة أو العمل عن بعد، يصبح التعرف إلى علاماتها أكثر تحدياً، خاصة أن الموظف الوحيد لا يطلب المساعدة المباشرة، بل يميل إلى الانطواء، ما يفاقم حالته ويضعف ارتباطه بالعمل.
قد يؤدي هذا الانفصال العاطفي إلى انخفاض في جودة الأداء وتراجع في الدافع والحماس، وتدهور في العلاقات المهنية. علاوة على ذلك، تعد الوحدة عاملاً مسبباً لزيادة معدلات الإرهاق النفسي والغياب وحتى الاستقالات غير المتوقعة. لذا، ينبغي للقادة والزملاء أن يكونوا أكثر وعياً وحساسية تجاه الإشارات الدقيقة التي قد تدل على الوحدة، لكشفها وإجراء التدخل المناسب مبكراً، ومن هذه العلامات والإشارات:
- انخفاض الدافعية والاهتمام: يظهر ذلك في تراجع جودة العمل أو فقدان الحماس تجاه المهام اليومية.
- صعوبة التواصل أو الانفصال عن الفريق: يتجنب الموظف التفاعل أو يبدو غير مندمج في الحوارات الجماعية.
- الأفكار والمشاعر السلبية: مثل التشاؤم والانزعاج المستمر، أو الانسحاب من النقاشات.
- التعب أو اللامبالاة: يظهر في لغة الجسد مثل نبرة الصوت، أو الردود المقتضبة.
- الانشغال بمهام فردية: يميل الموظف الذي يشعر بالوحدة إلى اختيار أعمال لا تتطلب تفاعلاً مع الآخرين.
- تجنب الأنشطة الاجتماعية: لا يشارك في الفعاليات أو اللقاءات التي تنظمها الشركة.
ما الذي قد يسبب الشعور بالوحدة في العمل؟
غالباً ما تنبع الوحدة في العمل من مزيج من العوامل البيئية والاجتماعية والعاطفية. إنها شعور شخصي ينجم عن عدم تطابق الروابط الاجتماعية التي يمتلكها الموظف في مكان العمل مع الروابط الاجتماعية التي يرغب فيها. إليك فيما يلي بعض العوامل الرئيسية التي تسهم في هذا الشعور بالعزلة:
- التغييرات في بنية العمل والموقع: على الرغم مما وفرته نماذج العمل عن بعد والهجينة من مرونة وسهولة في العمل، فإنها أدت إلى تغيير النسيج الاجتماعي، حيث اختفت فرص الدردشات الجانبية التي تحدث عند اللقاءات العابرة مثل محادثات الممر أو تلك التي تجريها بينما تنتظر آلة القهوة أو في أثناء الغداء. أي إن نقص التفاعل الاجتماعي جعل من الصعب على الموظفين بناء علاقات مع زملائهم.
- بيئة العمل غير المشجعة: عندما يركز المدراء على المهام والمواعيد النهائية، ويفشلون في الاستثمار في الاحتياجات العاطفية والنفسية لفريقهم، فإنهم يخلقون عن غير قصد بيئة باردة تفتقر إلى التواصل والتعاطف، وتعزز الشعور بالوحدة.
- الضغوط المهنية: عندما يثقل الموظفون بالمهام، ولا يتبقى لهم سوى وقت قليل للتواصل مع زملائهم، فإنهم غالباً ما يشعرون تدريجياً بالانفصال عن زملائهم.
- البيئة التنافسية: في بيئات العمل التنافسية التي تركز فقط على مقاييس الأداء الفردية، ويخشى الموظف فيها من ارتكاب الأخطاء أو طرح الأسئلة، قد ينظر الموظف لزميله على أنه منافس بدلاً من حليف، ما يقوض فرص توطيد العلاقة بينهما، ويؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي.
- عوامل شخصية: يشير المعالج النفسي أسامة الجامع إلى أن الشعور بالوحدة قد يكون مرده عدم الثقة بالآخرين أكثر من مجرد كونه نقصاً في مهارات التواصل الاجتماعي، حيث ينظر الفرد إلى نفسه على أنه لا يصلح أن يكون صديقاً مقرباً لأحد، فيضع حواجز تمنع الآخرين من التعمق في الاقتراب منه. علاوة على ذلك، فإن الموظفين الأصغر سناً، وخاصة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً، أكثر عرضة للإبلاغ عن الشعور بالوحدة في العمل؛ في الواقع كلما كان الموظف أكبر عمراً انخفض احتمال شعوره بالوحدة في مكان العمل.
- تحولات الحياة: يمكن لبعض التغيرات والأحداث المهمة في الحياة الشخصية للموظف، مثل الانتقال إلى مدينة جديدة أو الانفصال أو رعاية أحد أفراد الأسرة، أن تتسرب إلى مكان العمل، ما يجعل الشخص أكثر عرضة لمشاعر الوحدة.