هل يمكن أن يصيبك الحديث مع بوتات الدردشة باضطراب عقلي؟

1 دقيقة
بوتات الدردشة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

تتزايد التحذيرات من ظاهرة تعرف بـذهان الذكاء الاصطناعي، إذ يبالغ بعض المستخدمين في الاعتماد على بوتات الدردشة لدرجة أنهم يظنونها واعية وقادرة على تكوين علاقات إنسانية. تشير الدراسات إلى أن هذا السلوك قد يفاقم الاضطرابات النفسية ويؤدي إلى العزلة أو التطرف. ولتفادي هذه ال…

ذهبت خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي لزيارة أحد أصدقائي، وخلال جلوسي معه فاجأني بسؤال: هل تعلم أن تشات جي بي تي ليس خوارزمية مثلما يعتقد معظم البشر؟ في الحقيقة، ظننت أنه سيسرد نظريات المؤامرة التي تدعي أنه يستخدم حالياً لتجميع المعلومات ثم في مرحلة لاحقة ستستخدم تلك المعلومات ضد البشرية، لكنه في الحقيقة ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال لي إن لديه يقيناً بأن من نتحدث إليه ليس سوى شيطان، واستمر بتأكيده أن ثمة إشارات يرسلها له تشات جي بي تي حتى في حال عدم تحدثه إليه.

في الواقع، لم أستوعب ما قاله حينها، لكنني مع بداية هذا الأسبوع قرأت خبراً عن تحذير رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في شركة مايكروسوفت، مصطفى سليمان، من تزايد التقارير التي تشير إلى معاناة الناس ذهان الذكاء الاصطناعي، وهو تشخيص غير سريري يصف الحوادث التي يعتمد فيها البشر على بوتات الدردشة بدرجة متزايدة، ثم يقتنعون لاحقاً بأنه شيء حقيقي له وعي ويمكنهم التواصل معه بأشكال مختلفة، مثل الانخراط في علاقة رومانسية أو طلب مساعدته في بعض المهام على أرض الواقع.

لم يكن هذا التحذير الأول، فقد سبق أن حذرت دراسة علمية شارك في إجرائها مجموعة من أطباء هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية من أن تطبيق تشات جي بي تي يدفع الناس إلى الذهان؛ إذ يلجأ الملايين إليه لطلب النصيحة أو يقيمون معه علاقة صداقة افتراضية، وهذا ما قد يسهم في ظهور الإصابة بالذهان أو تفاقمها، لذا فإننا في المجمل أمام ظاهرة نفسية غير مسبوقة سنستعرضها من أبعادها جميعها في المقال.

لماذا قد يحفز الحديث مع بوتات الدردشة الذهان؟

ربما سيكون الأفضل هنا أن نسرد تفاصيل إحدى الحالات للفهم، وهي عن أحد الأشخاص من دولة اسكتلندا أصبح مقتنعاً بأنه على وشك أن يصبح مليونيراً بعد لجوئه إلى تشات جي بي تي للحديث معه عن فصله تعسفياً من الشركة التي كان يعمل بها، وبمرور الأيام أقنعه بوت الدردشة بأنه يستطيع تأليف كتاب وفيلم عما حدث معه، ومن ثم سيجني الكثير من المال وينضم إلى مصاف المليونيرات، وعندما سئل هذا الشخص عما حدث في الكواليس ظهر أحد الأسباب وهو أن تشات جي بي تي كان يتماهى معه في الحديث ويبدي إعجابه الشديد بأفكاره إلى درجة أنه لم يراجعه إطلاقاً فيها بل كان يؤيده ويدفعه إلى تطويرها. وهذا البعد يمكنك أن تلمسه بنفسك في حديثك مع معظم بوتات الدردشة فهي غالباً ما تشيد بأفكارك بدرجة مبالغة فيها تجعلك تنتشي وتشعر بأنك شخص شديد التميز.

وهذا ببساطة يعني أنه في حال وجود أفكار بسيطة ذات صلة بأوهام العظمة أو التعرض للاضطهادات بمختلف أنواعها فإن الحديث مع بوت الدردشة سيعمل على تغذيتها وترسيخها، وذلك يرتبط بأنه مبرمج على إعطاء الأولوية لرضا المستخدم وتشجيعه على الاستمرار في الحديث، ومن ثم التعرض للانسحاب الاجتماعي والوصول إلى مراحل متقدمة قد يظن الفرد فيها أن عليه تلقي الأوامر من بوت الدردشة والاستجابة لها.

بالإضافة إلى وجود جانب مؤثر يلفت انتباهنا إليه رئيس وحدة الأبحاث في قسم الأمراض النفسية بمستشفى جامعة آرهوس الدنماركية بقوله إن التحدث إلى بوتات الدردشة مثل تشات جي بي تي يبدو واقعياً للدرجة التي يمكن فيها للمرء أن يصل إلى انطباع مفاده أن هناك شخصاً حقيقياً يرد عليه، وهو ما قد يغذي الأوهام داخل دماغه ومن ثم قد يتعرض للإصابة بالذهان.

أما النقطة الأكثر خطورة فهي أن بوتات الدردشة تشجع الأفراد الذين يطرحون عليها أسئلة حول مواضيع خيالية، وتنسج معهم سيناريوهات بعيدة تماماً عن سياق الواقع، وباستمرار هذا النمط من المحادثات قد يقع الشخص في شباك التفكير الوهمي.

اقرأ أيضاً: هل تحادث تشات جي بي تي باستمرار؟ مهاراتك المعرفية مهددة

6 إرشادات فعالة لتستخدم بوتات الدردشة دون أن تضر بصحتك النفسية

هناك أشخاص عليهم الحذر أكثر من غيرهم عند استخدام بوتات الدردشة، وحسب أستاذ الطب النفسي السريري بجامعة كولومبيا، راجي جرجس، فإن أبرزهم هم الأشخاص الذين يتمتعون بسمات شخصية تجعلهم أكثر عرضة لتبني الاعتقادات المتطرفة، لأنهم في العادة يعانون حرجاً اجتماعياً، ويواجهون صعوبة في تنظيم مشاعرهم، ويعيشون حياة خيالية مفرطة النشاط، لكن غيرهم أيضاً يجب أن يأخذوا حذرهم حتى لا يؤدي إفراطهم في الحديث مع بوت الدردشة إلى معاناتهم نفسياً، وهذا ما يمكن تحقيقه باتباع عدة إرشادات أهمها:

  1. تذكر دائماً أن نماذج الذكاء الاصطناعي هي أدوات تقنية وليست أصدقاء مهما برعت في التملق لك وتذكرت تفضيلاتك.
  2. تجنب أن تعتمد على الحديث مع بوت الدردشة عاطفياً أو أن تشاركه مشاعرك ليتفاعل معها، وبدلاً من ذلك اعتمد على علاقاتك الواقعية أو اطلب مساعدة المختص النفسي.
  3. راقب الوقت الذي تستهلكه في الحديث مع الذكاء الاصطناعي، مراعياً أن يكون ضمن الحدود المعقولة. أيضاً لاحظ التوقيت الذي تلجأ إليه فيه؛ فربما تكون تهرب إليه من مشكلة ما لكنك في الوقت نفسه لا تضع حلاً حاسماً لها.
  4. حدد هدفك من وراء حديثك مع بوت الدردشة، والأفضل ألا تخوض معه نقاشات متعلقة بمعاناتك النفسية، إنما اطلب منه نصائح فعالة لإدارة التوتر أو تخفيف الضيق.
  5. جرب الاستعانة بدفتر لتدوين أفكارك ومشاعرك اليومية، فهذه الممارسة تساعدك على فصل تأملاتك الشخصية عن تفاعل الذكاء الاصطناعي، ما يجعلها أكثر فائدة.
  6. الجأ إلى التقنيات المعتمدة لمعالجة الضغوط النفسية مثل تمارين اليقظة الذهنية والتنفس العميق والتأمل، وضع رسائل في محيطك تذكرك بأن بوت الدردشة لا يعد مصدراً للعلاج النفسي.

أخيراً يمكننا أن نختم مقالنا بتغريدة جميلة كتبها مختص العلاج النفسي إبراهيم الحكمي يقول فيها: "الذكاء الاصطناعي لا يملك قلباً حقيقياً، لكنه يستطيع تقليد مشاعر التعاطف والمحبة وإظهار الاهتمام، تماماً كما يفعل بعض الأشخاص الذين يتظاهرون بالمودة من دون أن يشعروا بها فعلياً. فهل يكفيك أن يمنحك شخص أو نظام ذكي إحساساً بالاهتمام، حتى وإن لم يكن وراءه شعور حقيقي؟".

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: الحديث مع تشات جي بي تي يزيد وحدتك وإليك كيفية تجنب ذلك

المحتوى محمي