كيف تؤثر الوجبات السريعة في نمو دماغ المراهقين؟

3 دقائق
الوجبات السريعة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

يتسم دماغ المراهق بقوة نظام المكافأة فيه، وضعف قدرته على التحكم في السلوكيات، وتأثره الشديد بالخبرات والتجارب، ومن مظاهر ما ذُكر عدم القدرة على مقاومة الوجبات السريعة ذات السعرات الحرارية العالية. نطلع على تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع من خلال السطور التالية.

نُشر هذا المقال في الأصل على موقع ذا كونفرزيشن (The Conversation) وهو من إعداد الزميلة في مبادرة برينز كان (BrainsCAN) البحثية المعنية بدراسة تأثير عادات الأكل الخاطئة في نمو الدماغ، في كلية شوليش للطب وطب الأسنان بجامعة ويسترن (Western University’s Schulich School of Medicine & Dentistry).

تزداد معدلات السمنة حول العالم ولا سيما بين الأطفال والمراهقين، فوفقاً لإحصائيات عام 2019 تصيب السمنة أكثر من 150 مليون طفل؛ ما يزيد مخاطر إصابتهم بأمراض القلب والسرطان ومرض السكري من النوع 2.

ومن المرجح أن تستمر معاناتهم مع السمنة المفرطة في مرحلة البلوغ، ففي حال استمر الوضع على ما هو عليه الآن سيصاب 70% من البالغين ممن هم في سن الأربعين بالسمنة أو زيادة الوزن بحلول عام 2040.

أنا عالمة أعصاب ويركز بحثي على كيفية تأثير الطعام في الدماغ، وهدفي هو فهم تأثير عادات الأكل الخاطئة في نمو الدماغ والوقوف على أسباب السمنة لدى صغار السن.

يُعد المراهقون الأكثر استهلاكاً للوجبات السريعة ذات السعرات الحرارية العالية. خلال فترة البلوغ، يتسم العديد من الأطفال بشهيته الكبيرة للطعام لأن النمو السريع يتطلب الكثير من الطاقة، وبسبب طفرات النمو وسرعة الاستقلاب لديهم في هذه المرحلة فإنهم لا يصابون بزيادة الوزن عادةً لكنهم لن يكونوا في مأمن منها مع استهلاك الأطعمة ذات السعرات العالية على نحو مفرط ونمط الحياة الخاملة.

ليونة الدماغ في مرحلة المراهقة

تُعد المراهقة مرحلة محورية فيما يتعلق بنمو الدماغ وتتزامن هذه المرحلة مع حالة جديدة من الاستقلال الاجتماعي تسمح للمراهق باختيار الأطعمة وفق تفضيلاته الشخصية.

خلال فترة المراهقة، تُصقل الروابط بين مناطق مختلفة من الدماغ والخلايا العصبية الفردية وتصبح أكثر قوة، وبسبب المرونة العصبية في هذه المرحلة فإن الدماغ يتسم بدوره بالمرونة.

وتؤدي هذه المرونة إلى تأثر تشكله بسهولة بالبيئة المحيطة به بما في ذلك العادات الغذائية؛ كما أن التغييرات التي تحدث خلال مرحلة المراهقة يمكن أن تبرمج الدماغ بصورة دائمة بعد مرحلة النمو. والخلاصة هي أن دماغ المراهق يتأثر بسهولة بالتغييرات التي يسببها النظام الغذائي ويمكن لهذه التغييرات أن تستمر مدى الحياة.

لمَ تصعب على المراهق مقاومة الوجبات السريعة؟

يستخدم علماء الأعصاب التصوير الوظيفي للدماغ لفحص كيفية استجابة الدماغ للأحداث ويُظهر مسح الدماغ أن القشرة الدماغية الجبهية، وهي منطقة من الدماغ لها دور رئيس في عملية التحكم السلوكي واتخاذ القرار، لا تنضج تماماً حتى بداية العشرينيات من العمر.

تتحكم القشرة الدماغية الجبهية في الإشارات الناتجة من محيطنا وتسمح لنا بمقاومتها، وبسبب عدم نضجها لدى المراهق فقد يصعب عليه الامتناع عن تناول كمية كبيرة من الحلوى أو الوجبات السريعة.

حاجة مستمرة إلى المكافآت

على عكس القشرة الدماغية الجبهية التي يستغرق نموها مدةً طويلة، فإن نظام المكافأة في الدماغ، نظام الدوبامين الحوفي، ينمو بالكامل في سن مبكرة.

ونتيجة زيادة عدد مستقبلات الدوبامين في دماغ المراهق التي تعزز شعوره بالمكافأة، فإنه ينجذب بشدة للمكافآت مثل الأطعمة الغنية بالسكريات والسعرات الحرارية العالية ويؤدي هذا التحفيز المتكرر لدائرة المكافأة إلى تحولات طويلة الأمد في الدماغ.

وقد يؤدي ذلك خلال فترة المراهقة إلى تحولات طويلة المدى في توازن المواد الكيميائية في الدماغ.

خلال مرحلة المراهقة، تسيطر على الدماغ رغبة كبيرة في الحصول على المكافآت وتؤثر فيه التجارب بشدة وتضعف قدرته على التحكم في السلوك.

ومن ثم يجد المراهق صعوبةً في مقاومة السلوكيات المرتبطة بالمكافآت، لذلك ليس من المستغرَب أن يفضل المراهقون تناول الأطعمة التي يسهل الحصول عليها والتي تجلب لهم شعوراً سريعاً بالمكافأة على الرغم من أنهم يعرفون أنها ضارة بصحتهم. لكن ما العواقب طويلة المدى لذلك على الدماغ؟

التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة

تُظهر دراسات التصوير الوظيفي نشاط الدماغ في أثناء أداء المهام أو مشاهدة صور الطعام؛ إذ تنشط الدوائر الدماغية للمكافأة الغذائية أكثر عند المراهقين الذين يعانون السمنة المفرطة مقارنةً بذوي الوزن الطبيعي.

كما أظهر التصوير على العكس من ذلك نشاطاً أقل في القشرة الدماغية الجبهية ومن ثم يمكن أن تؤدي السمنة إلى زيادة تنشيط نظام المكافأة في الدماغ وتقليل نشاط المراكز التي تتحكم في الرغبة في تناول الطعام.

ولكن على الرغم من ذلك فإن فقدان الوزن عند المراهقين يعيد مستويات النشاط في القشرة الدماغية الجبهية، ومن ثم فإن للقشرة الدماغية الجبهية دوراً رئيسياًفي التحكم في تناول الطعام ويمكن لتغيير النظام الغذائي أن يزيد من نشاط مناطق الدماغ المسؤولة عن ضبط النفس.

يسمح التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS) للعلماء بتغيير نشاط الدماغ في القشرة الدماغية الجبهية قد يعدّل النظام المثبط لسلوك الأكل، ويمكن أن يمثل استخدام هذه الطريقة بصورة متكررة علاجاً جديداً لاستعادة السيطرة المعرفية على سلوكيات تناول الطعام ما يساعد على فقدان الوزن.

زيادة ليونة الدماغ بممارسة التمارين البدنية

قد يؤثر الاستهلاك المفرط للوجبات السريعة خلال فترة المراهقة في نمو الدماغ ويرسخ عادات الأكل الخاطئة بصورة دائمة. ولكن، مثل العضلات، يمكن تدريب الدماغ لتحسين قوة الإرادة

ولا سيما أن اللدونة الكبيرة للدماغ خلال فترة المراهقة تجعله أكثر تقبلاً لتغييرات نمط الحياة، إضافةً إلى أن التمارين البدنية تحفز هذه اللدونة ما يساعد على تكوين عادات صحية جديدة. ومن خلال فهم كيف تغير السمنة الدماغ، يمكننا العثور على حلول أخرى.

يقدم التصوير الوظيفي للدماغ معلومات إضافية تسمح للأطباء بتحديد الأشخاص المعرضين لخطر السمنة وتتبع تغيرات الدماغ عند إجراء تعديلات على العادات الغذائية ونمط الحياة.

علاوةً على ذلك، يمكن أن يكون التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة علاجاً واعداً لتحسين إعادة برمجة أدمغة المراهقين من أجل منع التغيرات التي سترافقهم في مرحلة البلوغ.

المحتوى محمي