كيف يمكن أن يتعرض عقلك إلى الاختراق؟ وماذا تفعل لتحميه؟

الهندسة الاجتماعية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: مهدي أفشكو)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: كيف تقنع شخصاً ما بالقيام بشيء رغماً عن إرادته؟ كيف تخترق عقله لتجعله يصدق ما هو غير صحيح؟ كيف تستغلّ نقاط ضعفه لتحقيق مصالحك؟ هذا بعض الأسئلة التي يمكن للمهندسين الاجتماعيين إجابتها. من خلال التعرف إلى الهندسة الاجتماعية وأساليبها، سنتمكّن من اتخاذ خطوات استباقية لتحصين عقولنا من اختراقها للتلاعب بنا، فلنتعرف إليها معاً.

في حادث مؤسف عام 2014، في ولاية ماساتشوستس الأميركية، استغلت الفتاة البالغة من العمر 17 عاماً، ميشيل كارتر (Michelle Carter)، الميول الانتحارية لصديقها كونراد روي الثالث (Conrad Roy III)، وحثّته على الانتحار خنقاً بأول أكسيد الكربون في سيارته!

اعتمدت كارتر على ضعف روي، فأرسلت إليه رسائل مستخدمة عبارات مثل “فقط افعل ذلك”. وفي أخرى، طلبت منه العودة إلى سيارته المليئة بأول أكسيد الكربون بعد أن خرج منها. وفي اللحظات الأخيرة، من حياته استمعت كارتر عبر الهاتف لصوت أنفاس روي وهو يختنق ويفشل في مكالمة والديه أو الجهات المسؤولة، دون أن تمد له يد العون!

لسوء الحظ، تحمل الحياة نماذج عديدة مثل كارتر ممن يستغلون ضعف النفس البشرية لممارسة ألاعيبهم الذهنية، وهو ما يُعرف بـ “الهندسة الاجتماعية”؛ وهي إحدى صور الاختراق العقلي، وفن استغلال علم النفس البشري للتأثير في عواطف الآخرين وأفكارهم وأفعالهم، وتحقيق مآرب شخصية. فإذا كنت ترغب في حماية نفسك ومحبيك من الوقوع ضحية للاختراق الذهني، تعرّف معي إلى الهندسة الاجتماعية وأساليبها النفسية.

ما الهندسة الاجتماعية؟

الهندسة الاجتماعية هي كل من فن وعلم التلاعب في علم النفس والسلوك البشري، واستغلال نقاط الضعف لتحقيق المآرب الشخصية. إنها إحدى صور القرصنة العقلية التي تستخدم تقنيات مختلفة لتجاوز الدفاعات النفسية للضحية، وإقناعها بالتصرف بما هو خارج عن إرادتها أو إدراكها.

بعبارة أوضح: يمكن القول إن الهندسة الاجتماعية تشير إلى التفاعل الاجتماعي باعتباره عملية نفسية، للتلاعب وإقناع الناس بالكشف عن معلومات سرية أو خاصة أو مميزة، أو لتغيير آرائهم.

يمكن للمهندسين الاجتماعيين استهداف أفراد أو منظمات، وأن يتسببوا بأضرار جسيمة من سرقة المعلومات الشخصية السرية، أو الهويات، أو ارتكاب أخطاء أمنية، أو الكشف عن معلومات حساسة أو حتى إيذاء الأفراد جسدياً أو نفسياً.

في إحدى التجارب التقنية التي قام بها خبير الأمن السيبراني فادي الأسودي، بالاتفاق المسبق مع صاحب شركة ناشئة، لتجربة وجود ثغرات أمنية في نظام الشركة، لم يتمكن الأسودي من اختراق برامج حماية النظام؛ إلا أنه وجد أنّ الحلقة الأضعف في النظام هي العامل البشري، فاستغل الأسودي تعاطف موظفة الاستقبال في الشركة مع المأزق الذي وضع نفسه فيها عندما سكب القهوة على سيرته الذاتية باعتباره أحد المتقدمين إلى العمل، فطلب منها إعادة طباعتها من ذاكرة الفلاش (Flash Memory) التي بحوزته. وبكل ودّ، حاولت الموظفة مساعدته، فما كان منه إلا أن زرع فيروساً تمكّن من اختراق نظام الشركة.

6 نقاط ضعف يستغلها المهندسون الاجتماعيون

حددّ عالم النفس روبرت سيالديني (Robert Cialdini) في كتابه “التأثير: العلم والممارسة” (Influence: Science and Practice) نقاط الضعف الأساسية التي يعتمد عليها المهندس الاجتماعي لاختراق العقول؛ وتشمل:

  • الميل إلى رد الجميل: يلجأ المهندس الاجتماعي إلى تقديم الهدايا أو الخدمات لك، فتشعر بأنك مضطر لمساعدته والردّ على استفساراته أو تقديم المساعدة وتلبية حاجته.
  • انتهاج الالتزام والاتساق: يعتمد بعض الشخصيات في حياتها مبدأ الالتزم، سواء أكان بفكرة معينة أم مبدأ ما، وبمجرّد اتخاذ اختيار أو موقف، ستواجه ضغوطاً داخلية للتصرف على نحو متسق مع هذا الالتزام؛ وهو ما يمكن للمهندس الاجتماعي استغلاله للتلاعب بها. على سبيل المثال؛ تخيل أن تاجراً يقدم لك عرضاً مغرياً على بضاعته بسعر أقل من باقي التجار لأنك اعتدت الالتزام بسداد المستحقات المالية بينكما دون تأخير، ثم بعد أسبوع، يتصل بك هاتفياً ليخبرك بارتفاع ضئيل في السعر بسبب زيادة الطلب على البضاعة. نظراً إلى أنك التزمت بمواقفك السابقة؛ أنت الآن مضطر لإتمام صفقتكما وشراء البضاعة بالسعر الجديد مع الالتزام بالتسديد الفوري، اتساقاً مع التزاماتك السابقة. إذاً هنا تلاعب بك التاجر ذهنياً لتصريف بضاعته، معتمداً على سمة الالتزام لديك.
  • التأثر بالآخرين: يتصرف معظم الأشخاص وفقاً لفكرة أنه إذا كان الكثير من الناس يفعلون شيئاً ما، فلا بدّ أن يكون صحيحاً أو مفيداً، وهنا قد يقدم المهندس الاجتماعي دليلاً كاذباً للتأثير فيك.
  • الإعجاب: غالباً ما نثق نحن البشر بأفكار الأفراد الذين نعجب بهم وآرائهم وسلوكياتهم؛ لذا قد يمكن للمهندس الاجتماعي الذي يتمتع بشخصية جذابة أن يخترق ذهن ضحيته بنيل إعجابها.
  • السلطة: نميل بطبيعتنا إلى طاعة السلطة والشخصيات في مواقع ومناصب مؤثرة؛ لذا فإن انتحال صفة إحدى هذه الشخصيات قد يساعد على اختراق العقول.
  • الندرة: يضع الناس قيمة أعلى للأشياء النادرة أو المتاحة لفترة زمنية محدودة، وقيمة أقل لتلك المتوفرة بكثرة. فغالباً ما تجعلك فكرة أنك قد تفوت فرصة فريدة من نوعها، تتصرف بسرعة وحسم، وتتخذ قرارات غير مدروسة.

اقرأ أيضاً: هندسة إدمان منصات التواصل الاجتماعي: كيف تتلاعب بالمستخدمين؟

مَن ضحايا الهندسة الاجتماعية؟

يمكن لبعض المشاعر والسمات الشخصية، أن تجعلك مؤهلاً لأن تكون ضحية الهندسة الاجتماعية واختراق عقلك؛ وهي:

  • الجشع: الرغبة الملحة في الحصول على شيء ما؛ مثل اشتراك مجاني، أو حسومات أو مكافآت مادية أو معنوية.
  • الفضول: الاهتمام بمعرفة شيء ما وإزالة الغموض المحيط به؛ مثل الموضوعات الحساسة، أو أخبار الفضائح، وما إلى ذلك من موضوعات قد تلفت انتباهك.
  • الاستعجال: هو الشعور بضيق الوقت والحاجة إلى التصرف بسرعة. غالباً ما يكون ذلك مدفوعاً بإحدى صور الضغط الخارجي لاتخاذ قرارات معينة فورية دون التفكير مرتين. يمكن اختراق عقلك بالاعتماد على هذه السمة في سياقات مختلفة للتأثير في السلوك وصنع القرار؛ مثلما يحدث في الإشعارات الأمنية الزائفة، ومحاولات تسجيل الدخول إلى الحساب.
  • المساعدة: يميل بعض الأفراد إلى حب مساعدة الآخرين ومدّ يد العون لهم، وهي ميزة قد يستغلها البعض لطلب التبرعات أو المعلومات.
  • الخوف والقلق: العبء العاطفي والقلق والخوف؛ جميعها عوامل قد تسبب اتخاذ قرارات سيئة وفقاً لما أشارت إليه الدراسة المنشورة في مجلة النشرة النفسية (Psychological Bulletin). حيث تحفز مشاعر الخوف والقلق استجابة الكر أو الفر، فتفرز الغدد الكظرية الكورتيزول (هرمون التوتر) بنسب عالية؛ ما يؤثر في دورات النوم والاستيقاظ والحالة المزاجية، ويتسبب بقرارات غير صائبة. لذا؛ يعتمد المهندس الاجتماعي على إثارة مشاعر القلق أو الخوف داخلك، لاتخاذ قرارات خاطئة أو الإقدام على تصرفات مندفعة.

اقرأ أيضاً: ما هو أسلوب التثليث للتلاعب في العلاقات وكيف تنجو منه؟

4 أساليب نفسية يستخدمها المهندسون الاجتماعيون

يلجأ المهندسون الاجتماعيون إلى أساليب نفسية يكسبون بها ثقة ضحاياهم، ويخترقون عقولها للحصول على ما يريدون. من هذه الأساليب التي يستخدمها خبير الهندسة الاجتماعية والألعاب الذهنية، بريان بروشوود (Brian Brushwood):

التمتع بالثقة والسيطرة على المحادثة

يصور المهندس الاجتماعي نفسه كفرد واثق من نفسه، ويبدو عليه الانتماء إلى البيئة التي يتسلل إليها. على سبيل المثال؛ قد ينتحل المهندس الاجتماعي صفة أمنية، ويتظاهر بالثقة كما لو أنه يشغل ذلك المنصب فعلاً.

أو قد تظهر الثقة في التمكّن من الحديث، والتحكّم بالمحادثة لاستخراج المعلومات اللازمة من الطرف الضحية. فعندما يسألك شخص ما سؤالاً، تجد نفسك تلقائياً في موقع الدفاع؛ ما يخلق ضغطاً عليك لتقديم استجابة صحيحة.

تقديم شيء ما

إذا قام شخص ما بشيء من أجلك، فسترغب لا إرادياً في القيام بشيء ما لأجله. انطلاقاً من هذا المبدأ، في إحدى رحلات بروشوود، قدم لمضيفات الرحلة أكياس شوكولاتة صغيرة، وأخبرهنّ بأنه يريد منحهن شيئاً مقابل عملهن الشاق، فقدمت له إحدى المضيفات مشروباً مجانياً، ونقلته أخرى إلى طبقة رجال الأعمال للرحلة.

ومع ذلك، فإن توقيت المعاملة بالمثل مهم. إذا قدمت هدية وطلبت الخدمة بعد ذلك مباشرة، فقد يُنظر إليها على أنها رشوة ومن ثَمّ تجعل الناس غير مرتاحين، فيفقد المهندس الاجتماعي عنصر الثقة به. عوضاً عن ذلك، من شأن المهندس الاجتماعي المحترف تقديم خدمته أو هديته في وقت مبكر، وطلب حاجته في وقت لاحق.

استخدام الفكاهة

يمنح حس الفكاهة العالي والصحبة الممتعة شعوراً بالراحة والألفة، فعندما يستمتع الناس بصحبة شخص ما ويجدونه مسلياً، من المرجح أن يشعروا معه بالأمان، ويتجاوبوا مع طلباته.

إرفاق السبب مع الطلب

في دراسة أجرتها جامعة هارفارد (Harvard University)، تبين أن الناس يلبون طلبات الآخر إذا ما أتبع طلبه بكلمة “لأن”؛ أي إذا وضّح السبب، بغضّ النظر عما يقوله الفرد بعد كلمة “لأن”، ومهما كان السبب عادياً أو غير مقنع؛ كأن يقول لك شخص يقف خلفك على طابور الانتظار: “امنحني دورك لأنني في عجلة من أمري”!

اقرأ أيضاً: 5 تقنيات تُعلّمك فن الإقناع دون تلاعب

أعلام حمراء يجب الانتباه إليها

لتجنّب الوقوع ضحية الهندسة الاجتماعية، ولمنع الآخرين من اختراق ذهنك، يمكنك البحث عن بعض الإشارات التي تُعد أعلاماً حمراء تُنذر بوجود حيل ذهنية؛ مثل:

  • الإلحاح: إذا شعرت بأنه يُضغط عليك لاتخاذ موقف ما أو الإدلاء بمعلومات معينة، فقد يكون ذلك علامة على محاولة اختراق ذهني.
  • الغموض: وجود أي تصرف أو علامة مثيرة للريبة؛ مثل روابط مشبوهة، أو عناوين حساسة، هو إشارة إلى اختراق إلكتروني.
  • طلبات الحصول على معلومات حساسة: مثل كلمات المرور أو رقم بطاقة الائتمان.

إذاً، ونظراً إلى أن تقنيات الهندسة الاجتماعية وأساليبها قد تكون خفية وغدّارة؛ فإنه من الواجب أن يظلّ الأفراد متيقظين، ويطلبوا الدعم في حال الشك في أن دفاعاتهم العقلية قد اختُرقت. علاوة على ذلك، يجب على المنظمات والمؤسسات اتخاذ تدابير استباقية لتثقيف أعضائها وحمايتهم من الوقوع ضحايا لهذه الممارسات الخادعة.